إعلامنا السياحي.. الإنجاز والتحدِّي

حاتم الطائي

لم تعُد السياحة في بلادنا اليوم مُجرَّد مظاهر احتفالية وعروض ترفيهية تُنظَّم في ولاية بعَيْنِها أو مُحافظة احتفاءً بإرثٍ تاريخيٍّ، فمع ترسُّخ أقدام التنمية العُمانية الشاملة بدأتْ السياحة -كقطاع تنموي- تحوز اهتمامًا حكوميًّا أوسع؛ يتناسب طرديًّا وإسهامات القطاع وعوائده الكبيرة على الدخل القومي؛ وكصناعةٍ تحتاج تسويقًا وترويجًا، يُسهِّل فرصَ الجذب الاستثماري؛ بما يجعل من السلطنة واحةً غنَّاء تلبِّي شغفَ المواطن، وتستقطِب رؤوسَ أموال وطنية وأجنبية؛ فيستفيد المجتمع من حركةٍ سياحيةٍ نشطة، وينتعش الاقتصاد، وتزداد معدلات التبادل التجاري والثقافي. خصوصًا وأنَّ عُمان تمتلك من المقوِّمات -جغرافيًّا، وتاريخيًّا، وطبوغرافيًّا- ما يؤهِّلها لسياحة مُستدامة جاذبة، إلا أنَّها لا تزال بحاجة لإعلامٍ مهنيٍّ متخصِّصٍ واعٍ لتكتمل المنظومة؛ خدمةً للوطن، ودعمًا لجهود إنمائه.. منظومة إعلامية تعرض مفاهيم التنمية السياحية ومُتطلباتها وكيفية تحقيق استدامتها، وإستراتيجيات إعلامية تكفل تنشيط أعمال القطاع، وتُدير أزماته، وتبني صورًا ذهنيَّة عن مقوِّماته الواعدة.

وعلى الرغم من أنَّ الإعلام كمصطلح عامٍّ يعد الوسيلة أو التقنية أو المؤسسة التي تهتمُّ بنشر الأخبار ونقل المعلومات، إلا أنَّ ما نعنيه هُنا إعلامًا مُتخصصًا يُقدِّم كميات وفيرة من المعلومات عن مجال مُحدَّد؛ على غرار: الإعلام السياسي، الاقتصادي، البرلماني والرياضي. ولكونه قطاعًا ذا زخم، فإنَّ العلاقة الأصيلة بين السياحة والإعلام أوْجَبَت توجُّهاً حقيقيًّا نحو اصطلاحٍ جديد يُبلورها؛ فكان الإعلام السياحي مفهومًا يُجسِّد فكرة الدليل المادي للصناعة السياحية، من خلال التعريف بما يحتويه المكان المقصود من معالم مادية وغير مادية وطبيعية وأثرية وتاريخية وفندقية، أو أي مظهر آخر من مظاهر الجذب، عبر وسائل الاتصال المختلفة؛ سواءً المرئي منها أو المسموع أو المقروء أو الإلكتروني أو الأفلام الوثائقية أو الإعلانات الترويجية أو التبادل العيني والمطبوعات، أو المعارض والمهرجانات، وحتى وسائل التواصل الاجتماعي، كنوع من أنواع إيلاء العناية الفائقة واستثمار دور الإعلام لتحفيز الأبعاد الجمالية للمواقع والأماكن الجاذبة للسياح.

وأيًّا ما كانت وسيلة التعريف والجذب، فإنَّ الإعلام السياحي -وحتى يؤتي ثمارَه- كإعلام مُتخصِّص، يحتاجُ جُملةَ قواعد تجعل منه نافذة حقيقية يُمكن الاعتماد عليها في تحقيق مصالح القطاع الذي ينظره؛ أكثرها شيوعًا: قناعة الفرد/المؤسسة ابتدءًا بدورها في الترويج السياحي، ومن بعد يأتي التأهيل والمهنية والكفاءة، ومن ثم الريادة عبر تقديم خدمات إعلامية متطورة ومتجددة، وبعد ذلك الامتياز، بتحقيق التوازن بين مُتطلبات القطاع ومقوِّمات الفرد/ الجهة/ المؤسسة الإعلامية، والقدرة على التأثير في الرأي العام.. كلُّها قواعد تحقِّق عوائد إيجابية تحرِّر القطاع السياحي من تحدياته؛ وتخلق حوافز جديدة تسهِّل قيام المؤسسات بتقديم خدمات شاملة، وبالتالي إتاحة المجال أمام فرص إعلامية للانطلاق نحو أسواق جديدة تدعم التواجد السياحي للسلطنة داخليًّا وخارجيًّا، ومن ثمَّ خلق فُرص عمل جديدة، وتكييف مُتطلبات المنافسة على مستوى من الكفاءة والفاعلية، وجذب رؤوس أموال المواطنين المهاجِرَة بتعظيم مقوِّمات الجذب السياحي الداخلي.. وكهدف مرحلي بعيد المدى، ونظرًا لارتباط جدية المستثمرين في وجهاتهم الجديدة بثقة الدولة بالسياحة لديها، وخدماتها، والتسهيلات المختلفة، والكفاءات البشرية العالية، فإنَّ الإعلام السياحي يُناط به الإسهام في زيادة الاستثمارات الأجنبية، وتهيئة المناخات المناسبة لجذب المزيد منها.

... إنَّ حصول السلطنة على 6 جوائز ضمن جوائز "أوسكار الإعلام السياحي العربي"، مؤخرًا، يُعطي مُؤشرًا قويًّا على وعيٍّ حقيقيٍّ بما يؤديه هذا النوع الإعلامي -الحديث نسبيًّا- من دور في دعم مرتكزات التنمية المستدامة للقطاع السياحي، ويُبرهن زخمًا تتمتع به آلتنا الإعلامية المحلية في هذا الخصوص، كانت ثمرته استهداف المركز العربي للإعلام السياحي السلطنة، لتحتضن مقره الجديد، إلا أنَّ ذلك لا يَمْنَع القول بأنَّ هذا النوع من الإعلام لدينا كغيره من القطاعات العاملة، يُواجه عدة تحديات؛ أبرزها: ضعف الدَّعم الموجَّه له وبالتالي تراجُع هِمَم الاستمرارية والتعمُّق في ابتكار وسائل ترويج جديدة، وكذا الافتقار لخطط تدريبية مدروسة وموجَّهة لتنظيم رحلات سياحية للصحفيين والإعلاميين تثقلهم معرفيًّا بمواقع الجذب السياحي المحلي، وكذلك بُطء استحداث تقنيات أكثر مُواكبة للنمو التكنولوجي المتسارع، وضعف مُستويات الاهتمام بالمعارض والمهرجانات والإعلانات التي لها دور في تشجيع السياحة، وتوقيتات العرض غير المناسبة لبث المواد السياحية مما يُفقدها أهميتها؛ حتى اهتمام وزارة السياحة ذاتها باعتبارها أكبر مؤسسة تهتم بالقطاع، لمَّا وَضَعتْ إستراتيجيتها الطموحة "2040"، لم نلمس فيها اهتماماً جادًّا بضرورة تعظيم دور الإعلام السياحي؛ فلم تُجرَ نقاشات قبل الإعلان عن الإستراتيجية مع رؤساء تحرير الصحف والقنوات ولا مديري الفعاليات والمهرجانات باعتبارهم جهات الدَّعم والترويج الإعلامي للوزارة ابتداءً، والإستراتيجية الجديدة بالتبعية؛ الأمر الذي يُبرز غيابًا للتواصل بين طرفي المعادلة، يُؤثر سلباً على مسيرتيهما، ويُقلل حجم الآمال المعقودة عليهما.

إنَّ المرحلة الحالية بتحدياتها ورهاناتها تتطلَّب دوراً رئيسيًّا من الإعلام يستهدف خدمة قطاع السياحة، وأن يضع الجميع نُصب العين جُملة أهداف وخُطى تُسهم في تطوير منهجية التعريف والترويج والاستثمار السياحي، كإعادة النظر في حجم  التخصيصات المالية المتواضعة لتطوير منظومة الإعلام السياحي في البلاد، والاستفادة من التجارب الدولية، والعمل على إيجاد شراكات فاعلة بين وسائل الإعلام و"السياحة" والشركات السياحية لتحقيق مزيدٍ من الترويج والجذب، ووضع خطط واضحة المعالم لتطوير مصادر المعلومات، واستحداث أفكار لتكثيف الدعايات، وتطوير تقنيات النشر لتبتعد عن السياق الخبري المرافق للأحداث والفعاليات إلى حيث صناعة الحدث بالتركيز على التحقيقات الميدانية والحوارات المتخصصة والتقارير والتغطيات الموسعة، وتضمين اختصاص الإعلام السياحي ضمن مناهج طلاب تخصصات الإعلام بالجامعات، وأخيرًا وليس آخراً: الاستفادة من وجود المركز العربي للإعلام السياحي في السلطنة؛ لصياغة آليات عمل جديدة تضمن مزيدًا من الترويج للقطاع، واستفادات قصوى من السياحة تنمويًّا.