غليان صيفي، والأيام دول!!

 

 

المعتصم البوسعيدي

 

(1)

"لقد وضِعت الأرقام لتتحطم" هكذا يتم ترديد العبارة كُلما تحطم رقم قياسي هنا أو هناك، وما كنا نظنه مستحيلاً في أيامٍ خلت، أصبح واقعًا في حاضِرنا المُعاش، وماذا يعني الشرط الجزائي البالغ 222 مليون دولار إلا رقم تم كسره لجلب لاعب واحد بحجم النجم البرازيلي "نيمار"، بعدما كانت الدهشة معقودة قبل عام إثر تخطي حاجز 100 مليون دولار في صفقة الفرنسي "بوجبا" لمانشستر يونايتد، وظن من ظن بصمود هذا الرقم لعهدٍ ليس بالقريب، لكنها الأيام دول والحديث عن صفقات خيالية بات أمرا طبيعيا جدًا ولا يستدعي التعجب.

 

(2)

إن إحدى الصور النمطية للجمال التي تربينا عليها يختصرها مثل مصري قديم "الحلو ما يكملش" ثم نتابع وصف حالات الجمال المنقوصة بضرب الأمثال من "عجائب الدنيا السبع"؛ حيث أنف أبو الهول" المُهشمة، وإعوجاج "برج بيزا"، وعلى هذا سار النجم الجمايكي "يوسين بولت" الذي شكل سباقه الأخير في صيف هذا العام "دراما" حزينة بخسارة لقبه المفضل، تلاه مشهد أكثر حُزنًا في سباق التتابع، والأمر ـ بكل تأكيد ـ لا ينتقص من "عظمة بولت" في مضامير ألعاب القوى، إلا أن الأيام دول وهكذا أدارت ظهرها للبطل المحبوب.

 

(3)

   الغليان الصيفي يصبح أكثر وجعًا مع كلمات أغنية تمر على ذاكرتي بين حين وآخر "الصيف قرب، والسفر حان طاريه، والله يعين اللي مفارق حبيبه" ومع وداع علي الحبسي للملاعب الأوروبية بعد خمسة عشر عامًا، ردد مُحبوه كلمات هذه الأغنية خاصة بعد منظر جلوسه على مقاعد الاحتياط واستبعاده من القائمة الآسيوية التي ظن الجميع أنها محور قدومه ـ وأظنها كذلك ـ مع كونه الإضافة الكبيرة للزعيم الهلالي بشكل خاص والدوري السعودي بشكل عام، والأيام دول؛ وقد تعرض الأمين لتحديات كبيرة مُشابهة لهذا الوضع وتجاوزها بالتزامه الأخلاقي قبل احترافيته المشهودة على المستوى الرياضي، ولعلها خيرة؛ فمحبة الناس له ازدادت، وبات لسان حال الجماهير لسان يردد من كلمات الأغنية "لو هو بيدي والله حبيبي ما خليه، بس الظروف اللي علينا صعيبة"!!.

 

(4)

   لا يمكن أن نذكر الغليان الصيفي دون أن نذكر أن صيف هذا العام شهد ثلاث مباريات "لكلاسيكو العالم" كما يقال عن مباريات ريال مدريد وبرشلونة؛ حيث أنتهت أولاها ـ وديًا ـ لمصلحة "البارسا"، وانتهت الثانية برسم ذهاب السوبر الأسباني بثلاثية قاسية لريال مدريد في شباك ومعقل "البلوجرانا"، أما الثالثة فلا أعلم بمصيرها مع كتابة هذه السطور والتي ستقام في وقت متأخر من مساء الأربعاء 16 أغسطس الجاري، إلا أن ما أعلمه جيدًا ومتأكد منه أن مباريات "الكلاسيكو" تثبت لنا ـ دائمًا ـ ما نعانيه كعرب من أمراض فكرية خطيرة ومُتطرفة؛ فثقافة الاختلاف عندنا تعني ثقافة تكريس واقع الخلاف والخصام، وثقافة التشجيع تصير إلى تعصب مقيت واصطفاف على نحو "أنت لست معي، إذًا أنت ضدي"، كما أنها تُترجم صورتنا للعالم بأننا "شعب فاضي" بكمية النقاشات غير المجدية والتصاميم والعروض المرئية والسمعية والإبداع فيها على مواقع التواصل الاجتماعي، مع مؤشر مؤلم على مستوى الحوار وهبوط حاد للأخلاق، ومعها لا أرى عيبًا في البكاء على الأطلال، والأيام دول يا عرب.

 

(5)

في الصيف ومع هذه الأحداث وغيرها، نحتاج ـ فعلاً ـ للهدوء، ولقراءة الواقع وتشخصيه، فثمة تفسيرات غريبة لبعض الأحداث، فعلي الحبسي على دكة الاحتياط؛ ظهرت إشاعة "فسخ عقده" وعلى أثرها تحليلات عبقرية!!، وكريستيانو رونالدو يرفع قميصه في رد لحادثة رفع القميص من قبل ميسي وهذا منطقي في ظل التنافس؛ إلا أن البعض تفلسف بالحديث عن التقليد وعدم الابتكار!!، وبطولة "شجع فريقك" تنقسم فيها الآراء بين مؤيد ومعارض ولا أدري هل الحديث عن جدواها الفنية والإدارية في ظل توقيتها الصيفي وتأثيرها على الأندية من هذا المنظور أم عن جماهريتها وشعارات الانتماء والولاء؟! فشتان بين الأمرين، والأيام دول ومتى ما أدركنا ذلك؛ علينا الأخذ بالمسببات، والمثل العماني يقول: "محد يقلع عينه بنفسه"!!.