مؤسسة وقفيّة لرعاية المساجد

 

سيف المعمري

 

قرأت مقال الأستاذ القدير علي بن راشد المطاعني المنشور في جريدة الشبيبة بعنوان: "ريال شهريا من كل موظف للمساجد" والذي تحدث فيه عن أهميّة تعاضد جميع أفراد المجتمع وتحمل المسؤولية لرعاية المساجد، وجاء مقال المطاعني معقبا على التعميم الذي أصدرته وزارة الأوقاف والشؤون الدينية لوكلاء المساجد بتحمل تكاليف خدمات الكهرباء والمياه للمساجد، وأنّ الوكيل هو المسؤول عن المسجد، علما أنّ وكلاء المساجد هم متطوّعون لتحمل المسؤولية كجانب إشرافي فقط، فكيف يتم تحميلهم مسؤولية دفع تكاليف فواتير الكهرباء والمياه والتكاليف الأخرى؟ والتي رأى فيها الكاتب خطوة تهدف إلى تحمل مسؤولية دور العبادة من قبل القائمين عليها والمصلين، مصداقا لقوله تعالى:" إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18). سورة التوبة.

لقد كان المسجد في عُمان وما يزال يشغل اهتمام جميع أبناء المجتمع العُماني، ويُحظى بالعناية المستمرة، وأصبح للكثير منها أوقافا خاصة؛ لرعايتها، وألحقت بالكثير منها مدارس لتحفيظ القرآن الكريم.

صحيح أنّ تكاليف الكهرباء والماء لم تكن موجودة في الماضي إلا إنّ الدولة ومنذ بزوغ فجر النهضة المباركة أولت المساجد عنايتها الفائقة، وتكفلت بفواتير الكهرباء والمياه، وساهمت في تنمية أوقافها، وحث أصحاب الأيادي البيضاء لرعاية المساجد وبناء الكثير منها وصيانتها، والتي تنامت أعدادها حتى بلغت 15770 جامعا ومسجدا منتشرا في سائر محافظات السلطنة.

ورغم أنّ مساهمات القائمين على المساجد والمصلين مستمرة إلا أنّ الآلية -التي ذهب إليها الكاتب المطاعني- لن يكتب لها النجاح؛ لا للمبلغ المقترح ولا الاستقطاع الشهري والمقدر بريال واحد فقط من كل موظف -وهو مبلغ زهيد بلا شك- ولكن آليّة المساهمة بهذه الطريقة تترك أثرا لدى الكثيرين في أن المساهمة في رعاية المساجد جاءت بالإكراه وليست عن طيب خاطر، فضلا عن ذلك فإنّ المساجد المنتشرة في ربوع السلطنة تتباين مواقعها في المدن والقرى، وعلى الطرقات الرئيسية والفرعية، وفي المواقع التجارية والخدميّة.

ولكي تضمن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية آلية عمل ناجحة للمساهمة المجتمعية في رعاية المساجد وتحمل مسؤولية العناية بها، فعليها تسويق تلك الآلية بالترغيب، وتأسيس مؤسسة وقفية لرعاية المساجد، وحث المؤسسات الخاصة وأصحاب الأموال في المجتمع على دعم تلك المؤسسة، على ألا يقتصر عمل تلك المؤسسة في دفع فواتير الكهرباء والمياه، ليتعدى ذلك الدور إلى تخصيص عامل نظافة لكل مسجد يقوم بالإضافة إلى الاهتمام بنظافة المسجد، بمسؤولية فتح أبواب المسجد عند وقت كل صلاة وغلقها خارج أوقات الصلوات، وإطفاء أجهزة التكييف والإضاءة، والتأكد من أغلاق جميع حنفيّات المياه.

أما المساجد التي توجد على الطرقات الرئيسية ومواقع الخدمات كمحطات الوقود ومراكز التسوق المختلفة فإنّ على الوزارة أن تجد آلية للعناية بتلك المساجد، فليس كل متبرع بمسجد لديه إمكانية لتحمل تكاليف الكهرباء والمياه طوال أشهر العام، فالكثير من أصحاب الأيادي البيضاء لهم مساهمات في بناء المساجد والجوامع التي خففت عن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية عبء تلك المسؤولية، بينما على الوزارة وبالتعاون مع الجهات الأخرى أن تلزم أصحاب محطات الوقود ومراكز التسوق ببناء مسجد في كل محطة أو مركز تسوق، ثم تلزمهم بمسؤولية تعيين إمام وعامل نظافة وتحمل تكاليف الكهرباء والمياه وأعمال الصيانة الأخرى، على أن توجد الوزارة آلية متابعة وتقييم لحالة كل مسجد.

وعلى الوزارة أنّ تقوم بالتسويق للمؤسسة الوقفية المعنية برعاية المساجد، وتنشر حسابات المؤسسة البنكية عبر الوسائل المختلفة، وحث المجتمع على التبرع لرعاية المساجد ودعوة المؤسسات الخاصة لتنمية أموال تلك المؤسسة، وضرورة تشغيل المحلات التجارية الملحقة بكل مسجد، فالملاحظ أنّ الكثير من المحلات التي توجد في المساجد مغلقة، وإن اشتغلت بعضها، فتجد مبلغ الإيجار زهيدًا جدًا قياسًا لقيمة الإيجار في المنطقة التي يوجد بها المسجد.  

إنّ أصحاب الأيادي البيضاء في مجتمعنا العُماني لن يجدوا العذر لأنفسهم في المساهمة في رعاية بيوت الله، فالتعاضد والتعاون قيمة أصيلة في مجتمعنا، والمحافظة على المساجد والجوامع هي مسؤولية الجميع، فليكن كل واحد منا صاحب أمانة ويد سخية تجاه مسجده.

وبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت،،

Saif5900@gmail.com