خطبة الجمعة.. هكذا نصًّا

يوسف البلوشي

باتت خُطَب الجمعة مطالبة بمراعاة واقع الحال المعاش بين أزمات الشباب وأزمات الاقتصاد الوطنية وإيحاد الحلول المجتمعية لمشاكل الشباب بالإيجابية، والحث على البحث العلمي والتعلم وتطوير المهارات والقدرات والمواهب، واستغلال وقت الفراغ بما ينعكس على الوطن، بعيدا عن الغوص في عوامل الترهيب الكبيرة.. لما للخطاب الديني من تأثير مُباشر على عقول الناس والحضور.

وفي يوم هادئ توجه المصلون إلى المساجد المنتشرة، ودلفتُ أحدها كان الخطيب قد اعتلى المنبر ليخاطب الجموع.

بدأ قراءته بما كُتب في الورقة، ثم عرج إلى النصح والإرشاد، وما لبث أن استرسل فيما يريد حتى وضع ورقته جانبا وأخذ يحث الجموع على التحلي بالأخلاق الحميدة وبتطبيق أركان الإيمان، وهنا لا خلاف عليه، حتى ذهب بعيدا في توصيف بعض الأفعال العصرية بأنها خارجة عن الأعراف، ولا تنضوي إلا تحت طائلة الشبهات أو التجاوزات؛ حيث أماط اللثام عن فكره بعيدا عن النص المكتوب إلى حال وأوضاع الحياة،ش ثم وصف الحال في القبر عندما تبدو أحجاره من نيران جهنم إن ثقلت موازينك، ويأتي الثعبان الكبير ليعتصر جسدك، ويلًا لما اقترفته يداك في الدنيا.

ثم اختزل عصارة فكرة في حال المجتمع بما شاهده من فضاء التواصل الاجتماعي أو بما سمع أو بما يتداول أو يراه -إن صح القول- حيث قال: "إنَّ حال الحياة بات ينحدر في وقت أصبحت فيه المرأة تسافر بلا محرم، بل وتخرج إلى الأسواق بلا نصير ولا محرم، ووقت أصبحت فيه حياة الشباب مليئة بالتسكع والخروج تحت مسمى الحرية، وأضاف بأنَّ في هذه الحياة انتشرت المهاتفات المشتركة بين الجنسين دون رقيب أو حسيب، وضارب المثل بانشغال المرأة بوسائل التواصل الاجتماعي، والخروج دون استحياء. خُيِّل لي ساعتها أنَّ الخطيب قد صبَّ جام غضبه المجتمعي على الحضور، في مشهد يكون قد أغضبه يوما، ولكن ذكر مشاهد الحياة واختزلها في تلك الخطبة.

الخطبة في ذلك اليوم تواءمت مع هدوء المنطقة، حملت من المعاني الكثير ولكنها بعيدة عن ظواهر المجتمع بقدر أنها تناولت حالات فردية، ولم تقدم ذلك النُّصح الذي كثيرًا ما يحتاجه الوطن في مثل هذه الظروف الاقتصادية، أو توجيه الشباب إلى الابتكار والبحث عن مكنونات التعليم، وإيجاد ناشئة إيجابيين يسعون للبحث والتقصي، كنت أتمنى أن أسمع حثًّا للجيل القادم على ما يحمله المستقبل من تحديات يجب أن يتجاوزها المرء بالفطنة، وإلى ما يخفي الفيسبوك والتويتر من ملهيات وأسرار كامنة تثير الشعوب تحت حجج العاطفة والإصلاح، والحذر من الانجرار إليها، بل علينا الحفاظ على مكتسبات الوطن والأئمة وإيجاد الحلول للآفات.

إنَّ التأثُّر المجتمعي بالقضايا الحياتية يفرض على خطيب الجمعة الاقتراب من هذه القضايا، ورغم مساعي وزارة الأوقاف والشؤون الدينية لتوجيه الخطباء والأمة، لمراعاة واقع الحال، إلا أنَّ كثيرا منهم قد يتجاوزون هذا بحجة تناول القضايا الايمانية المشبعة بالتخويف والترهيب من الآخرة ومن عذاب القبر، وعن السلوكيات الحياتية الحالية التي أصبحت خروجا سافرا عن مقومات الحياة العصرية، ورغم إيماني الشديد بأن ما جاء به من أشكال السلوك في المجتمع هو حالات، ومجتمعنا لا يزال يحافظ على تماسكه بالعادات والتقاليد وثوابته القيمة في حشمة المرأة ومراعاتها للقيم وحذرها من الانفتاح الحاصل حاليا، ورغم ثقتنا الكبيرة في خطبائنا، إلا أنَّ بعضا منهم يجب أن يمزج خطبه بالإيجابية والحث على تشمير السواعد لبناء الوطن.