أساتذة جامعة السلطان قابوس: 23 يوليو يوم استثنائي وُضِع فيه حجر الأساس للنهضة والبناء

 

مسقط - الرُّؤية

يُمثِّل الثالثُ والعشرون من يُوليو في الذَّاكرة العُمانية يوماً استثنائيًّا؛ ففي هذا اليوم من العام 1970 وَضَع السُّلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- حجر الأساس لنهضة عُمان في التاريخ المعاصر، وكان لا بد أن يكون ذلك الأساس متيناً ومتدرجاً، تمَّ فيه مُراعاة ظروف الفترة الانتقالية ومُتطلباتها على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكان الإنسان قطبَ الرَّحى في مُعترك التنمية التي استفاقتْ فيها عُمان من كبوتها "كان بالأمس ظلام، ولكن بعون الله غدا سيشرق الفجر على عُمان".

وبمناسبة هذه الذكرى الغالية على قلوب العُمانيين، قال سَعَادة الدُّكتور علي بن سعود البيماني رئيس جامعة السلطان قابوس: يُشرِّفنا ويسرُّنا الاحتفال بمرور ذكرى يوم النهضة العُمانية المباركة 23 من يوليو المجيد، ونرفع في هذا اليوم الأغر خالص التهاني والتبريكات للمقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- كما نتقدَّم بالتهنئة إلى الشعب العُماني الذي أسهم في الإنجاز، ونشدُّ على الأيدي التي تحمل مسؤولية البناء والنماء والحرية والتسامح والعطاء المخلص في سبيل خدمة الوطن الغالي، كذلك أودُّ أنْ أقدِّم تهنئة خالصة لجميع مُنتسبي جامعة السلطان قابوس في هذه المناسبة العزيزة، التي تعدُّ مَصْدرا للإلهام والتميُّز والإبداع، ولا شك أنَّ الجامعة هي منارة العلم ونبراس المعرفة في هذا البلد المعطاء، التي أراد لها مولانا حضرة صاحب الجلالة -حفظه الله ورعاه- أن تكون رائدة في جميع مجالات العلوم، وأن تكون ذات بصمة بين جامعات المنطقة والجامعات العالمية. وختامًا، نسألُ الله تعالى أنْ يجعل أيامنا الوطنية مُناسبات سعيدة نحتفل فيها بالإنجازات العظيمة، ونخطِّط للمزيد من التقدُّم والازدهار، وأن يحفظ مولانا جلالة السلطان قابوس، ويمدُّه بالصحة والعافية والعمر المديد، ويحفظ عُماننا الغالية تحت قيادته الحكيمة، ويُديم علينا نعمة الأمن والأمان والسلام.

 

المعادلة الصَّعبة

ويقول البروفيسور علي بن هويشل الشعيلي نائب رئيس الجامعة للشؤون الإدارية والمالية: إنَّ المناسبات الوطنية في حياة الأمم مَدْعَاة للاعتزاز بما تحقَّق من مُنجزات، وفي كلِّ عام تطل علينا الأيام الوطنية مُحمَّلة بمشاعر الفخر بما حققته المعادلة الصعبة على هذه الأرض الطيبة -قياساً على عُمر النهضة العُمانية- المتمثِّلة في تحقيق النمو والازدهار القائم على التخطيط وفق رؤى واضحة أرادها سلطان البلاد المفدى -حفظه الله ورعاه- أساسها الإنسان العُماني؛ باعتباره الركيزة الأساسية للتنمية العُمانية، وهدفها الأساس. وأضاف في الصدد ذاته قائلا: "إنَّ الثالث والعشرين من يوليو من كلِّ عام يُشعُّ على أرض سلطنة عُمان وهي تعيش أزهى حالات الازدهار والتطور على المستويين: الحضاري والإنساني؛ مما أكسبها تقديرَ العالم نظير سياستها الواضحة، سائرةً بخطى إستراتيجية ثابتة نحو تحقيق مستقبلٍ مشرقٍ لهذه الأرض ومن عليها، قائما على العمل بجدٍّ في كافة الميادين التنموية؛ للارتقاء بمستويات تطوير قدرات الإنسان العُماني من جهة، والمحافظة على مكتسبات الوطن ومنجزاته من جهة أخرى، والذي يحتِّم على جميع طبقات المجتمع في قطاعاته المختلفة إدراك إيجابيات الواقع، والعمل بجدٍّ وإخلاصٍ نحو نمائها وازدهارها.

وقالت الدُّكتورة رحمة بنت إبراهيم المحروقيَّة نائبة رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحث العملي: شمسٌ أشرقت على أرض عُمان فأضاء لها الأفق وعم معها السلام وانبأت بمستقبل يفيض أملا لأبناء الوطن. جاء من يحمل الكل ويعين الضعيف ويعلم الجاهل ويوفر الرعاية للمريض ويصنع لعُمان شخصية فريدة بسياسة ترضي الله وتسير على نهج الإسلام دين السلام، وقد كان 23 يوليو 1970 بداية عهد جديد لعُمان؛ عهد بدأه أحكم العرب وأخلصهم لشعبه وأنبلهم لعروبته وأكثرهم تسامحا لإنسانيته. وتابعت: إنَّ تولِّي سُلطاننا المعظم مقاليد حكم البلاد في ذلك التاريخ المجيد الذي حفر في ذاكرة الزمن قد أذن ببداية جديدة وخير عميم لعُمان وشعبها وللمنطقة العربية؛ حيث علم ابن عُمان البار العالم كيف ترأب الصدوع وتلحم الصفوف وتوطد العلاقات وتفض النزاعات على أرضية من الخير والتسامح النابع من مكانة إنسانية عميقة وعالمية تجاوزت حدود اللون والعرق والمادة. إن يوم 23 يوليو حريٌّ بأن يكون يوما تحتفل فيه الإنسانية بإنسانيتها، ويحتفل فيه العرب بعروبتهم، ويحتفل المسلمون فيه بمن جاء ليؤكد للعالم صلاحية الإسلام كدين دولة ودين حياة في هذا العصر الذي نعيشه الآن، رغم تقلباته، ورغم تقدمه العلمي المذهل، ورغم سيادة التقنية وتضاؤل العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمعات، بل وبين أفراد الأسرة والعائلة الواحدة. اللهم احفظ لنا جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، وألبسه ثوب العافية والصحة، ومد في عمره وباركه، وافتح له أبوابَ الخير والتوفيق دائما أبدا، إنك يا الله على كل شيء قدير.

 

الاستثمار في التعليم من الأولويات

أمَّا البروفيسور طاهر بن عبدالرحمن باعمر مُستشار رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية، فيقول: إنَّ استتبابَ الأمن والاستقرار والعيش في أمن وأمان من العوامل المهمة في حياة الدول، ولقد اهتمَّت السلطنة ووفَّرت سُبل الحياة الكريمة للمواطن، وشيَّدت البُنى الأساسية من مدارس ومستشفيات ومسكن وبيئة حياتية مناسبة وطرق وموانئ ومطارات...وغيرها؛ وذلك من خلال توفير الموارد المالية والموازنات السخية لدعم هذه المشاريع، وكان ولا يزال الاستثمار في التعليم العام والجامعي من أولويات السلطنة وقيادتها الحكيمة؛ وذلك لما له من أهمية في مستقبل الدول واستقرارها فأنشِئت المدارس والكليات والجامعات في كلِّ ربوع ومحافظات السلطنة، كذلك اهتمَّت السلطنة بالبحث العلمي وأنشطته من خلال الدَّعم السخي للمشاريع البحثية التي تقام بالجامعات والكليات، والتي تُساعد في تعزيز مصادر الدخل للسلطنة. وتَسْعَى السلطنة إلى تنويع مصادر الدخل بدلا عن التركيز على النفط، ومن هذه المصادر المشاريع السياحية والتجارية والاهتمام بالثروة السمكية والبحرية والثروة الزراعية والحيوانية، وتهتم السلطنة بالتركيز على الاقتصاد المبني على المعرفة؛ وذلك لما له من أهمية في تطور الدول. كل ما ذكر سابقا سيُسهم في خلق بيئة مناسبة وتوفير حياة كريمة للمواطن، وسنعكس إيجابا على مستقبل هذا الوطن الغالي تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد -حفظ الله ورعاه.

ويرى الدُّكتور زهران بن سالم الصلتي مدير مركز خدمة المجتمع والتعليم المستمر، إنَّه ورغم الظروف الاقتصادية التي تمرُّ بها السلطنة، إلا أنَّ الاهتمام بتأهيل وتنمية وتدريب الموارد البشرية الوطنية لم يتأثر كثيرا، فقد حصلت السلطنة على المركز السادس عربيا في تقرير مُؤشر التنمية البشرية للعام 2016 الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. كما دأبت الحكومة الرشيدة -وبتوجيهات مباشرة من جلالة السلطان المعظم- على توفير الفرص المختلفة للتعليم والتدريب والتأهيل وفق خطط وبرامج إستراتيجية. ويُعدُّ البرنامج الوطني للرؤساء التنفيذيين -الذي يحمل رؤية "إعداد رؤساء تنفيذين عُمانيين بمستوى عالمي"- نموذجا رائعا يهدف لتلبية احتياجات القطاع الخاص الناشئة من القادة ورؤساء الأعمال التنفيذيين الوطنيين. كما تمَّ الإعلان هذا العام عن برنامج آخر بمسمى "البرنامج الوطني للقيادة والتنافسية"، والذي يهدف لإعداد وتطوير قدرات القيادات الوطنية في القطاع الحكومي.

وبدوره، يقول البروفيسور حاج بوردوسن عميد كلية الهندسة: أرى أنه مهما تحدثنا عن الإنجازات المتعدِّدة للنهضة في يوم نهضة عُمان والهياكل المتطورة؛ سواء تعليمية أو اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية...وغيرها، فإنَّ الإنجازَ الرئيسيَّ هو الإنسان الذي هو مدار الحركة التنموية وتطورها واستدامتها. وأعتقدُ أنَّ سرَّ نجاح النهضة العُمانية هو التركيز على الإنسان الذي يصنع النهضة ويحقق الإنجازات ويصنع الحضارة. ذلك أنَّ مُهمَّة بناء الإنسان -كما هو معلوم- أناطها الله بصفوة البشر ألا وهم الرسل والعظماء، حتى يضمن النجاح. فالملاحظ أنَّ مُنطلق منهجية التخطيط في عُمان سلك مسلكه من خلال التركيز على التوجيهات الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم -حفظه الله ومتعه بكامل الصحة والعافية- والملاحظ كذلك أن مختلف خطط التنمية بدأ من 1976 وفي كل مراحلها المختلفة، تمحورت حول الإنسان العُماني وجعلته مركز الاهتمام. فهو الهدف والوسيلة وهو الغاية من وراء كل تخطيط؛ فالحرية، والأمن، والتعليم، والنهوض بمستوى جودة الحياة، وتقدم المرأة، وتطوير القطاع الخاص، ونجاح السياسات الداخلية والخارجية للسلطنة وضعت القاعدة الأساسية الناجحة للدولة التي تضمن لها النجاح وتكفل لها المستقبل الزاهر والمستدام، وتجعل منها مرجعاً ومثالا لوثبة النهضة في العالم.

 

الاقتصاد المعرفي

وتحدَّثتْ الدُّكتورة كاملة بنت علي البوسعيدية أستاذ مشارك ورئيسة قسم نظم المعلومات في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، عن مستقبل عُمان المعرفي.. وقالت: يوم 23 يوليو هو يوم للاحتفال بالنهضة المباركة وعُمان، ويوم لتجديد العهد والولاء لقائد النهضة جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- خلال العقود الماضية. ساعد إنتاج النفط على رفع مستوى المعيشة والناتج المحلي الإجمالي في عُمان كبقية دول مجلس التعاون الخليجي. ولكنَّ الحاجة الآن إلى التحوُّل نحو اقتصاد المعرفة أمرٌ مهمٌّ بالنسبة للسلطنة التي تسعى حاليا كباقي دول مجلس التعاون الخليجي لتنويع اقتصاداتها بعيدا عن الاعتماد الشديد على موارد النفط، وقد أوْلَت الحكومة الرشيدة اهتمامًا بالغًا بتنوع الاقتصاد والنهوض باقتصاد السلطنة المعرفي. ويعدُّ التعليم العالي والموارد البشرية، والنظم الاقتصادية والمؤسسية، وأنظمة الابتكار وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات هي عناصر أساسية لتعزيز اقتصاد المعرفة. والطريقة الوحيدة نحو الابتكار وبالتالي الاقتصاد القائم على المعرفة هي الموارد البشرية المتعلمة والماهرة. ويمكن لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إذا ما استثمرتْ بشكل جيد وكبير، أن تعزز قدرة السلطنة على بناء القدرات في مجال التعليم العالي والابتكار والميزة التنافسية؛ وبالتالي بناء اقتصاد معرفي رقمي يرقى بالنهضة المباركة.

ويُوَاصِل الأكاديميون في الجامعة حديثهم عن مستقبل السلطنة، فيقول الدُّكتور علي بن سعيد الريامي أستاذ مساعد بقسم التاريخ في كلية الآداب والعلوم الاجتماعية: "مع تعاظم التحديات التي لا تكاد تتوقف على مختلف الجبهات يبقى هاجس المستقبل حاضراً؛ فالوصول إلى القمة ممكن، لكن البقاء على تلك القمة محفوف بالمخاطر، واستشراف المستقبل أصبح علماً مستقلاً، ليس الغرض منه التنبؤ بما في الغيب، وإنما استقراء مدخلات الأحداث وتحليلها بغية الاستفادة منها للتخطيط وصولاً لما هو أفضل كما نطمح ونحن نعيش على هذه الأرض الطيبة، التي نتفيأ ظلال أمنها ورخائها، ونستنشق هواء التسامح بين جنبات ربوعها أن نرى مستقبلاً أفضل لعُمان الخير بإذن الله، وهذا الطموح المشروع رَهْن أربعة أعمدة أساسية؛ تتمثل في: استمرار النهج السياسي المعتدل والمتزن، والحياد الإيجابي بما يُعزِّز الأمن والسلام العالمي، ويضمن السلم الاجتماعي الداخلي، يُصاحبه خطابٌ إعلاميٌّ حر ونزيه، والمضي قدما في تبني إستراتيجية تعليمية وطنية تستجيب لمتطلبات الثورة الرابعة، تركز على المهارات، وتنمي الابتكار، وتشجع الإبداع مع الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد إنتاجي يعتمد على ذاته، يقوم على المعرفة والتنوع، وقادر على المنافسة، ويُشارك بفاعلية في التنمية المجتمعية المستدامة، إضافة لحصانة الداخل، ووحدة وتماسك، وإخلاص وأمانة في العمل، وولاء لتراب الوطن، من خلال تفعيل منظومة القيم المستمدة من الشريعة السماوية السمحة، والإعلاء من إنسانية الإنسان وضمان حريته وكرامته.

وذكرت الدُّكتورة عائشة مُحمَّد عجوة إخصائية إرشاد وتوجيه في مركز الإرشاد الطلابي، أنه ومن خلال استقراء ما حققته السلطنة منذ نهضة الثالث والعشرين من يوليو 1970، الذي سارت خلاله السلطنة بخطى مدروسة وواثقة ومتسارعة تدريجيا في التطوير والتقدم في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، إضافة إلى تميز السلطنة بتبني مواقف واتجاهات سياسية ودينية حكيمة ومعتدلة؛ مما أدَّى إلى تمتعها بالأمن والاستقرار؛ فمن المتوقع أن تستمر السلطنة باتجاه مزيد من التقدم والتطور المخطط والمدروس، وأن يزيد تسارع خطوات البناء والتطور؛ حيث تمَّ تأسيس بُنى متينة على كافة الأصعدة وفي جميع المجالات، وأصبحت الرؤى والأهداف أكثر وضوحاً، كما يتوقع أن يكون الاهتمام أكثر تركيزاً في مجال التعليم؛ وذلك من خلال إجراء التعديلات وتبني المشاريع المناسبة للمجتمع العُماني المبنية على الأبحاث والدراسات المحلية لبناء جيل من الشباب القادر على الإسهام في الاستمرار بحمل راية النهضة. كما أتوقع أو أتمنى أن يزيد اهتمام السلطنة بتنمية القطاع السياحي؛ حيث سيكون مصدرًا ثريًّا، لاسيما وأنَّ السلطنة تتمتع بتنوع مناخي وتضاريسي يجعلها مرشحة لأن تكون قبلة للسائحين على مدار العام.

 

تعليق عبر الفيس بوك