دِقَّة الحساب يوم الحساب (2-2)

 

حسن بن علي جواد

1- كيفية تسجيل الكمية الهائلة من المعلومات:

أثبتتْ الدراسات الحديثة وجود الحمض النووي (DNA) في جسم الإنسان، والذي يحتوي على ثلاثة مليارات من الأحرف الكيماوية، وأنَّ كل حمض نووي في جسم الإنسان باستطاعته أن يُخزِّن ما يعادل ألف كتاب مُرتَّب حسب الأحرف وبالتسلسل. وأنَّ الطول التقديري الذي يتواجد في جميع خلايا الإنسان يكون حوالي 16 إلى 32 مليار كيلومتر، وأنَّ كل جرام واحد من الحمض النووي باستطاعته أن يخزن 700 تيرا بايت (Terabyte) من المعلومات، فقدِّر وتخيَّل أيُّها الإنسان الكم الهائل من المعلومات الذي يستطيع جسمك تخزينه.

إنَّ هذه المعلومات محفوظة في جميع خلايا جسم الإنسان بكل أعضائه، وهو في هذه الدنيا، والتي بدورها تسجل كل لحظة وكل ثانية بل أقل منها. قال تعالى: "حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ".

2- كيفية انفصالها عند الموت عن الجسم:

قبل فترة وجيزة، كان بإمكان الإنسان أنْ يحتفظ معلوماته وبياناته على الورق ويجمعها في كتب، بعدها تطورت الأمور واكتشفت الآلة الحاسبة، وأصبحت المعلومات تُخزن على هذا الجهاز. وفي الآونة الأخيرة، تطوَّرت التكنولوجيا؛ حيث أصبح الهاتف النقال يُسمَّى بالهاتف الذكي؛ وذلك لإمكانية هذا الجهاز الصغير بتخزين ملايين الأحرف والصور. وحتى تتمكن الهواتف الذكية من مواصلة تخزين هذه الكميات من البيانات احتاجت إلى مساحة أكبر؛ لذا وبتقدم العلم ابتكر الإنسان حيزًا فضائيًّا يُسمَّى آي كلاود (ICloud) يتم حفظ المعلومات عليه، أي أنَّك لا تحتاج إلى حفظ بياناتك في جهاز ما، بل في هذا الحيز الفضائي البعيد عنك وعن جهازك. وبهذا تكون بياناتك محفوظة دون أي قلق عليها.

3- كيفية إعادتها إلى الجسم مرة أخرى:

هنا يُجَادِل الإنسان ربَّه بقوله: "أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ". فالموضوع يمكن فهمه عن طريق مثال بسيط وهو عندما نمتلك جهاز الكمبيوتر (الحاسوب الآلي) في الدنيا، وبعد استخدام الجهاز لمدة أكثر من أربع إلى خمس سنوات يقدم الجهاز ولا يستطيع أن يقوم بمهمات أكثر تتواكب مع السرعة والتطور المطلوب، ويصبح بطيئا، فيقوم الفرد باستبدال هذا الجهاز بآلة أخرى أحدث منها، ولكن الجهاز الجديد ليس عليه البيانات والمعلومات التي تم حفظها مسبقا، فهنا وبمجرد إدخال اسم المستخدم والرقم السري يقوم الجهاز بتنزيل جميع البيانات الخاصة على هذا الجهاز الجديد عن طريق أي كلاود من أولها إلى آخرها، وحسب التسلسل والترتيب الذى رتبته الجهاز القديم.

كذلك سوف يكون وضع الفرد عند وفاته حين يترك الجسم البالي ويوم القيامة يُعطى جسما جديدا ليقوم الإنسان بإدخال اسم المستخدم والرقم السري لتظهر له جميع بياناته في الدنيا. يقول تعالى: "وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ". هنا وفي رأي الشخصي ربما قد يتمثل (السائق) كاسم المستخدم ويكون (الشهيد) هو الرقم السري.

4- كيفية ترتيب إحداثيتها:

أصبحت هذه العملية سهلة ومتاحة للجميع؛ حيث يكون للمستخدم اسم دخول ورقم سري، وبمجرد إدخال هذا الاسم والرقم يتم تحميل جميع البيانات الخاصة بالفرد في حيز فضائي من أي جهاز حتى وإنْ تم مسحها. وبنفس المفهوم، يتم تخزين جميع البيانات الفردية والشخصية في هذه الدنيا من خلال خلايا الحامض النووي وتكون محفوظة في آي كلاود (ICloud) يستطيع الفرد جلبها في الحياة الثانية بإدخال اسم المستخدم والرقم السري فقط لا غير. حين يقول سبحانه وتعالى: "وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا".

5- كيفية إعادة استخدام البيانات بعد الموت:

وفي وجهة نظري إنَّ تشبيه كيفية استخدام الجهاز الحاسوب في الدنيا وإدخال البيانات عبر حياة الفرد هي بمعنى آخر تحميل الجسم بالتجارب والتصرفات والأعمال اليومية بشكل كامل على الإنسان. فإن حافظ الإنسان على جهازه واعتنى به وأحسن استخدامه وأدخل البيانات المفيدة ولم يدخل في المواقع التي ربما تضر الجهاز بالفيروسات، فقد يطول معه هذا الجهاز فترة أطول، وبهذا يكون جلب البيانات عملية سهلة ومرتبة ومعلوماتها محفوظة بشكل دقيق وسليم.

وكذلك يوم القيامة، إذا أعطي الفرد جهازا جديدا (الجسم الجديد) سوف تتم عملية إنزال البيانات الشخصية بإدخال الرقم السري، فإن كانت البيانات سليمة فسوف تنزل بكل بساطة وسهولة وتمر بسلام. أما اذا كانت البيانات معقدة ومليئة بالفيروسات، فسيحتاج إلى وقت أطول لحل الفيروسات أو إزالتها من البيانات أو قد تصل عقدتها إلى حد لا يمكن حلها، وهذه العملية لا تزال مبهمة للنفس البشرية الذي يأمل في رحمة الله ومغفرته. يقول سبحانه وتعالى: "يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا"، وكذلك قوله تعالى: "خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا".

ليس المقصود من هذا المقال برهان كيفية إعادة الإنسان يوم القيامة أو إلى حياة ثانية أو مرحلة أخرى والمعتقدات البشرية المختلفة، ولكن مجرد تبسيط فكرة جمع الكم الهائل من الخبرات والنوايا والتصرفات الإنسانية من هذه الحياة الدنيوية في "كتاب مرقوم". تعتبر هذه العملية سهلة لما نشهده اليوم من تطور تكنولوجي مستمر، وأرى أنَّ الهدف النهائي وهو التفكير المليِّ للإنسان في كل ما يفعله في هذه الحياة، وليعلم بأن كل شيء محفوظ وأولى به أن يعمل خيرا لنفسه ولغيره، ويبتعد عن طريق السوء والجهالة. إن صدق الإنسان وشفافيته مع نفسه تسانده في الابتعاد عن غفلة المبررات التي لا تحصى.

وأختم هُنا بقول الإمام علي ابن أبي طالب: "أتزعم أنك جرمٌ صغير وفيك انطوى العالم الأكبر، وأنت الكتاب المبين الذي بأحرفه يظهر المضمر".

تعليق عبر الفيس بوك