غزو المنتجات الحرفية المستوردة لأسواقنا!

سَيْف المعمري

تعدُّ الصناعات الحرفية أحد أهم نتاجات البيئة الاجتماعية العُمانية، وكانت مورداً اقتصاديا للكثير من للأسر في الماضي، فضلا عن كونها تمثل عنصرا مهما من عناصر التراث العُماني المادي، وقد تنوعت أشكالها ومجالات استعمالها والمواد التي استخدمت في إنتاجها؛ وذلك تبعا لطبيعة الحياة ومتطلبات كل مرحلة زمنية.

وللحفاظ على الصناعات الحرفية، ونتيجة للحياة المدنية العصرية التي يعيشها المجتمع العُماني، فقد جاء إصدار المرسوم السلطاني 24/2003م بإنشاء الهيئة العامة للصناعات الحرفية؛ إيمانا بأهمية وجود حاضنة مؤسسية للحرفيين العُمانيين لتنمية هذا القطاع اجتماعيا واقتصاديا، وضمانا لتناقله بين الأجيال، ولقد بذلت الهيئة منذ إنشائها قبل أكثر من أربعة عشر عاماً ولا تزال جهودا مقدرة للتعريف بالحرفي العُماني، وتأهيل الشباب للانخراط في قطاع الصناعات الحرفية، وأقامت المعارض والمشاركات محليا وخارجيا، وأقامت المسابقات، ومساعدة الحرفيين لتسويق منتجاتهم، لكن تلك الجهود -على ما يبدو- لا تزال بحاجة لمزيد من العناية والاهتمام والدعم من قبل الهيئة والجهات الأخرى ذات العلاقة.

لقد استوقفني تنامي مُشترياتنا من المنتجات الحرفية المستوردة، والتي شغلت مساحات واسعة في أسواقنا ومراكزنا التجارية، من صناعات فضية وسعفية وجلدية، وفخارية، وبأشكال ونماذج متنوعة ومتناغمة مع البيئة العُمانية وبأسعار رخيصة، لكن بجودة أقل، فضلا عن ذلك فإنَّ الكثير من الصناعات الحرفية العُمانية أصبحت تنتج بأيادي العمالة الوافدة.

لذلك؛ نتساءل عن أسباب تصدر السعفيات المستوردة أرفف مراكزنا التجارية في الوقت الذي يوجد في بلادنا من يجيدون تلك الحرف، وَيَرَى البعض أنَّ السببَ في هذا الخلل هو ضعف تسويق منتجاتنا وقلة منافذ بيعها، وفي المقابل رخص أسعار المنتجات المستوردة وغلاء المحلية.

لعلَّ التسويقَ من أكثر العقبات التي تقف أمام حرفيينا في ظل عدم وجود منافذ تسويقية خاصة بهم في المراكز التجارية، وعدم فرض قيود على المنتجات الحرفية المستوردة في أسواقنا، خاصة وأن المستوردة تأتي بأسعار منافسة للمحلية بغض النظر عن الجودة والقيمة المعنوية والمادية للصناعة المحلية، والتي لا يلتفت إليها الكثير من المستهلكين وللأسف الشديد، فضلا عن أنَّ الكثيرَ من الصناعات الحرفية تتطلب تفرغا تاما، وتتطلب مواد خام محلية ومستورة وهي مكلفة ماديا في الجهد والوقت على الحرفي.

ولتجاوز التحديات التي تواجه الحرفي العُماني، ولحماية حرفنا من الاندثار أو تشويه هويتها، وإضعاف قيمتها المعنوية والمادية، وضمانا لتعاقب الأجيال في اكتساب مهارات إنتاجها، ولكي لا تصبح أثرا بعد عين، فيجب علينا كمؤسسات وكمجتمع أن لا نكتفي بعرض حرفنا التقليدية في المهرجانات والمعارض لكي نشاهدها فقط، بل علينا أن نُسهم في تنميتها ودعم القائمين عليها بطرق مباشرة أو غير مباشرة.

وقد سبق أن تطرقت في مقال سابق بعنوان "حرفيونا .. كيف نكافئهم؟" عن الوضع الاجتماعي الصعب لأحد أشهر الحرفيين في صناعة السفن العُمانية، وهو خليفة بن علي العريمي من ولاية مصيرة، من حيث عدم التفات وزارة التنمية الاجتماعية لتأمين المسكن الاجتماعي الذي يشعره بالطمأنينة والسكينة هو وأفراد أسرته، مع تمسكه بحرفته التقليدية التي ورثها عن أجداده، وعدم تغطية المردود المادي لحياته المعيشية فيما ينتجه من صناعة السفن؛ رغم إتقانه لصنعته؛ بسبب عدم تسهيل وإيجاد المنافذ التسويقية لحرفته من قبل الهيئة والمؤسسات الأخرى، وربما يكون مثل حال العريمي آخرون من الحرفيين.

وفي إطار الاهتمام الذي توليه الهيئة العامة للصناعات الحرفية بهذا القطاع، فلماذا لا تتبنى الهيئة مسؤولية تسويق منتجات الحرفيين في جميع مجالاتهم الحرفية بالتعاون مع المؤسسات الأخرى في السلطنة؟ من خلال قيام الهيئة بشراء منتجات الحرفيين بأسعار تحفيزية وبمواصفات قياسية تضمن آلية مناسبة للهيئة للتسويق والبيع في الأسواق المحلية والخارجية.

ومن هنا، نتساءل: هل تدرك الهيئة غزو المنتجات الحرفية المستوردة لأسواقنا المحلية؟ وما هي الخطط التي وضعتها لضمان عدم اندثار حرفنا المحلية في ظل المنافسة الشرسة للحرف المستوردة؟ وهل مسؤولية تسويق المنتجات الحرفية العُمانية فقط بيد الهيئة أم أن هناك مؤسسات أخرى معنية بذلك؟.. بوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت.

Saif5900@gmail.com