الوافدون.. وملف الوظائف!

 

هلال الزيدي

من وجهة نظري، وبحسب المؤشرات الحياتية في الواقع، نعترف بأنه لا غنى لأيّ حضارة أو بلد أو كيان اجتماعي وسياسي واقتصادي عن وجود عمالة وافدة فيه، وهذا قياساً على ما أحدثته المتغيرات فيما يسمى بالعصور الحديثة، ولقد بنيتُ هذا الاعتراف على أدنى مستوى لاحتياجات الأسر؛ لذلك بات وجود عاملة المنزل في أي بيت حاجة أو ترفا - أيا كان التوجه ودون وجود معيار صغر الأسرة أو كبرها- أمراً مقلقا، كَوْن هذه العمالة تُشكل نسبة تزيد من أعداد الوافدين في السلطنة، كما أنها تُعد مؤشرا على قياس أهمية الاعتماد على العامل الوافد، وهذا بحد ذاته مسلّمة لا يمكن أن نتجاهلها، حتى وإن كان هذا القطاع صغيراً إلا أنه منتشر بشكل كبير.

إنَّ نمو أيِّ قطاع من القطاعات المستقطبة للأيدي الوافدة بلا شك، يؤثر في التركيبة السكانية من حيث أنها تتساوي مع أعداد المواطنين أو ربما تتفوق عليهم أو تقترب منهم، كما هي الحال لدينا؛ حيث بلغ عدد سكان السلطنة 4 ملايين و555 ألفا و691 نسمة؛ شكّل العمانيون مليونين و507 ألف نسمة بنسبة 55%، بينما بلغ عدد الوافدين مليونين و48 ألف نسمة، بنسبة 45%، حسب الساعة السكانية الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات في يوم 11 يوليو من العام الجاري؛ وبالتالي -وكما أشرت سابقاً- فإن وجود العامل الوافد يكون حاجة اقتصادية أو ترفا اجتماعيا لإيجاد تقارب بين الطبقة الفقيرة والغنية من حيث اشتراكهما في خصائص وميزات شكلية، وهو الحصول على عامل أو عاملة منزل، أو سائق أو مهنة أخرى من المهن التي صنِّفت على أنها من المهن الصغرى، هذا مع مراعاة الحرص على عدم تأثر ملف التوظيف وزيادة أعداد الباحثين عن العمل، وهو بلا أدنى شك ملف شائك في مختلف الكيانات الاجتماعية.

يُعتبر الوافدون عنصراً بشريًّا منافساً "شرسا" على الوظائف في مُختلف القطاعات حتى القطاع العام، وهذا ما تشير إليه الأرقام بأن نسبة التعمين في القطاع العام المدني  للعام 2015م بلغت 85% وهي نسبة القوى العاملة الوطنية العاملة في مؤسسات الدولة الحكومية المدنية، وتحديدا في قطاع الخدمة المدنية وديوان البلاط السلطاني وشؤون البلاط السلطاني والهيئات العامة، وهي نسبة لا توازي الطموح كَوْن هناك أعداد مهولة من مخرجات التعليم العالي تبحث عن فرص وظيفية لخدمة وطنها -مع استثناء القطاع الصحي- لذلك وحتى لا يكون هناك ضغطا كبيراً على القطاع الحكومي دعا الكثير من المسؤولين للتوجه إلى القطاع الخاص، ووصفوه بأنه قطاعاً جاذباً ويفتح ذراعية للشباب العماني، إلا أنَّ تلك الأسطورة تتحطم عندها الأمنيات عندما يشكِّل الوافد في ذلك القطاع النسبة الأكبر، خاصة في الوظائف القيادية، فهو من يقوم ببرمجة القطاع بحسب رؤيته حتى لا يتيح للشباب إثبات ذواتهم وخدمة مجتمعهم، والأرقام تشير إلى أنَّ عدد العمانيين المؤمن عليهم النشطين العاملين في القطاع الخاص (داخل السلطنة) 217748 بنهاية شهر يونيو 2017م، وهذا يؤكد أن القطاع الخاص لا يزال يعتمد على الوافد مقارنة بأعدادهم المليونية.

هناك أسباب كثيرة جعلتْ الوافد يحتكر منصبه ووظيفته؛ منها عدم سماحه بتمرير المعرفة التخصصية للموظف العماني، فكم من وافد تربع على عرش مؤسسة أو تخصص معين -خاصة التخصصات المرتبطة بالتقنية- جعل الحاجة له حتمية، لدرجة أنَّه حتى في إجازته السنوية لا يوجد له بديل؛ فيقوم بتسير الأعمال اليومية وبتوفير التقنية العالية له من مقر إجازته. أما في جانب التحويلات النقدية، فقد بلغت أكثر من أربعة مليارات ونصف المليار ريال عماني، وهذا بحد ذاته يعدُّ مُؤثرا على الاقتصاد المحلي، مع عدم تجاهل دورهم في تحريك القوة الشرائية.

ومن الملاحظ، فإنَّ التزايد الكبير الذي تشكله العمالة الوافدة بحكم عدم فتح منافسة العُمانيين لهم سيزيد من تعقد ملف التوظيف؛ مما يجعل الهوة تتسع في عدد الباحثين عن عمل. ومن هنا، على الحكومة التنبه لهذا الوضع، وإيجاد مخرج يدفع الشباب للدخول إلى معترك القطاع الخاص عبر زيادة الحوافز لهم، وعدم التركيز فقط على تحقيق نسب التعمين، مع التأكيد على استثمار هذا الكم الهائل من العمالة الوافدة من خلال زيادة الضرائب على كافة الإجراءات التي يقومون بها.

إنَّ الحافزَ الذي يجب على القطاع الخاص توفيره للشباب العماني لا يجب أن يُنظر إليه على أنَّه حافز قصير المدى؛ كونه يتمثل في الراتب الشهري، وإنما علينا أن ننظر إليه بعُمق من حيث أنه يوفر مناخاً اجتماعيًّا واقتصاديًّا واستقراراً حضاريًّا يُقلل من مطالبة الخريجين الحكومة في توفير وظائف لهم في القطاع العام الذي وصف بـ"المترهل"، أو أنه يكوِّن بطالة مقنعة تشكّل ضغطاً كبيراً على الموازنات العامة.

وبحسب الاستطلاع الذي أجراه المركز الوطني للإحصاء والمعلومات والمنشور على موقعه الإلكتروني، فقد أظهر الاستطلاع تفضيل الطلاب بمؤسسات التعليم العالي العمل في القطاع الحكومي،  فيما عبَّرت نسبة منهم عن إمكانية تفضيل العمل في القطاع الخاص، شريطة أن يكون الراتب أعلى بـ25% على الأقل منه في القطاع الحكومي، وبيَّن الاستطلاع -الذي نفذه المركز في الربع الثالث من العام 2016م- أنَّ 7 من كل 10 من طلاب التعليم العالي يفضلون العمل بالقطاع الحكومي؛ حيث ترتفع نسبة التفضيل بين الإناث بحوالي 81% في حين تنخفض بين الذكور إلى 51%.

----------------------------

همسة:

لقد آن الآوان لإيجاد توازن بين عدد المواطنين وعدد الوافدين حتى لا يتأثر مستقبل أجيالنا.

abuzaidi2007@hotmail.com