دِقَّة الحساب يَوْم الحساب (1-2)

حسن بن علي جواد

قال تعالى: "عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ"؛ فمنذ بداية خلق الإنسان، وهذا المخلوق بطبيعته يحب البحث والاستكشاف: من مراحل زحفه، إلى استكمال قوامه، وهو يخترع ويكتشف خبايا الحياة التي من حوله. وبواسطة التقنيات، استطاع أنْ يكتشفَ ما كان غامضًا وغير معروف؛ لذا بنى الإنسان نماذج علمية وتكنولوجية لحياته اليومية، وكانت هي أحد الأسباب التي جعلته يتعرَّف ويعرَّف على نفسه، ويكتشف مدى تعقيد بناء تكوينه؛ سواء كان هذا التعقيد في كيان جسده أو فكره.

وفي هذا المقال أتطرَّق إلى توضيح نموذج واحد يدعو للمقارنة بين التكنولوجيا الحديثة واستعمالها، وما يحدث للإنسان في المستقبل.. يُشير نموذجي إلى ذاكرة الإنسان منذ ولادته وحتى مماته، ولاحقا إلى المراحل الأخرى؛ فمنذ وُجُوْد آدم عليه السلام مرَّت على بني البشر سنوات عَدِيدة قد تكون مئات الآلاف أو ربما ملايين السنين، لا يعلمها إلا الله الخالق، وتستمر الحياة إلى اليوم الموعود الذي نترقبه ولا نعلم متى يكون. مرَّ الإنسان خلال هذه الفترة بتطوُّرات كثيرة وعديدة: تطوَّر من الإنسان البدائي إلى إنسان مدني؛ من إنسان الغابات إلى إنسان الحضارات، ومن إنسان جاهل المعرفة إلى إنسان حديث المعرفة والتكنولوجيا والسرعة.

كما مرَّ على مراحل الفكر؛ فقد خلق لنفسه كيانا مستقلا في التفكير، ووضع لنفسه معتقدات قد تُوْصِله أو تنجيه من فراغ تفكيره. فالتجأ إلى عبادة الماديات ومنها الأجرام السماوية وعبادة الأصنام والحيوانات، وابتكر لنفسه عبادات لا تخطر على البال. وحسب كتابنا الحنيف فقد بعث الخالق الأنبياء والرسل ليضيء لهم الطريق ويرشدهم إلى الهدى، فبعضهم آمن وبعضهم أنكر والبعض تمسك واستمر على  معتقدات آبائه.

وهنا، يأتي رأيي الشخصي بوجود العامل المشترك في هذه الأديان والمعتقدات، وهو أنَّ الإنسانَ لم يُخلق سُدى؛ لذا قام الإنسانُ بتطوير نفسه إلى حياة أفضل، وكأنه يودُّ أن يعيش أبداً؛ سواء لهذه الحياة أو لحياة أخرى بعد المَمَات؛ فمثلا في عَهْد الفراعنة اعتقدوا بالبعث وبعودة الروح إلى أجسادهم بعد الموت لخوض رحلة إلى حياة ثانية؛ ذلك جهَّزوا قُبورَهم بكل التجهيزات من المأكل والمشرب تجهيزا لهذه الرحلة. كما توجد أقوام تؤمن بتناسخ الأرواح وتحويلها إلى أجساد أخرى قد تكون من البشر أو الحيوان حسب أعمالها بعد حياة الدنيا. وهناك أهلُ الكتاب الذين آمنوا بالرجوع في يوم الحساب (يوم القيامة) للقاء ربهم.

لذا؛ أوْجَد الإنسانُ لنفسه أسلوب حياةً تمكِّنه من الوصول لمراحل أسمى وأعلى. ولكن السؤال الذي أطرحه ليكون محور مقالي هو: كيف يستطيع الإنسان تحقيق هذا الانتقال إلى الحياة الأخرى؟ وما السبيل إلى معرفة بياناته ومعلوماته الشخصية لمواصلة ما آمن به بعد فنائه؟ وكيف يعرف ما فعل في حياته الأولى ليتمكن من مواصلة ما كان يتمناه بعد موته وما عمل لنفسه ليعش أبدا حسب اعتقاداته، وقد تعدَّدت طُرق الموت؛ فمنهم من حُرق، ومنهم من دُفن، ومنهم من تُرك للطيور، ومنهم من لقي حتفه في الصحاري والبحار أو الجبال والغابات.

وإذا كانت هناك حياة أخرى أو مرحلة تالية بعد الموت، فكيف يستطيع الإنسان أن يعيد كل هذا الكم الهائل من المعلومات، والتي تسجل على مدار أربعٍ وعشرين ساعة يوميًّا، ولمدة قد تصل إلى متوسط ثمانين عاما من عمر الإنسان الحالي؛ ولهذا العدد الشاسع من البشر على مر مئات الآلاف من السنين. هذا السؤال الذي يطرحه الإنسان على نفسه مرارا وتكرارا، ويجادل البعض خالقه بقوله: "وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ".

ولتبسيط الفكرة، أودُّ أنْ اختصرَ الموضوع في خمس نقاط، والتي أقوم بمقارنتها بطريقة مبسطة وملموسة من حياتنا اليومية وفي هذا العصر، لنرى إنْ كانت هناك إمكانية الرجوع إلى هذا  الزخم من المعلومات لكل فرد منذ البداية البشرية إلى يوم القيامة، أو رحيله إلى عالم آخر بعد مماته.

وهي:

1- كيفية تسجيل الكمية الهائلة من المعلومات.

2- كيفية انفصالها عند الموت عن الجسم.

3- كيفية إعادتها إلى الجسم مرة أخرى.

4- كيفية ترتيب إحداثيتها.

5- كيفية إعادة استخدام البيانات بعد الموت.

تعليق عبر الفيس بوك