ماذا لو كنت مكانها.. ؟

مدرين المكتوميّة

قال الأديب فيودور دوستويفسكي إن امرأة ذكية قالت له في يوم من الأيام: ليس من حقي أن أحكم على الآخرين "لأنني لا أجيد الألم"، ومن أجل أن يُنصِّب المرء نفسه حاكماً وقاضياً، يجب عليه أن يكتسب حق الحكم بما يقاسي من الألم، ومن خلال هذه المقولة البسيطة التي تكشف لنا حجم وأهمية ألا نتهم الآخرين ولا نطلق الأحكام عليهم إلا بعد أن نمر بنفس التجربة، فالتجربة وحدها القادرة على أن تكشف لنا ما مروا به وما يقاسونه فيما يقومون بها.

وأخصّ هنا النساء فأقول إنّ من بين من يمتهنّ مهنة إسعاد من حولهن قد يكون هناك كثيرات من معتادات التعاسة، الراقصات على سبيل المثال لربما يعتصر داخلها ألما أو حزنا، وعارضات الأزياء اللاتي نحسدهن على الشهرة والرشاقة والجمال لطالما حرمن أنفسهن من ملذات الحياة، ومن الطعام لأجل الحفاظ على قوامها، لأنّ زيادة انش واحد قد يجعلها تخسر وظيفتها ولربما جمالها وينطفئ بريقها سريعاً وتذهب إلى غياهب النسيان، ولهذا علينا أن نفكر طويلاً قبل أن نحكم على ابتسامة لا تفارق الشفاه أو سعادة بادية على الوجه بينما يختبئ الحزن خلف العيون، تماماً كما ابتسامة النادلة في المطعم التي توزعها على الجمهور بينما لا ندري ماذا تعتصر في قلبها.

أطرح هذه الأمثلة عن قصد لأنّ صاحبات هذه المهن ينظر إليهنّ في المجتمع باعتبار أنهن صاحبات مهن متدنية ومنتقدة، على الرغم من كوننا نستمتع ونسعد بوجودهنّ؛ دون أن نعطي أنفسنا مهلة للتفكير لحظات ومحاولة فهم الدوافع التي تجعل امرأة تبتعد عن أسرتها وتتغرب وتختار طريقا لا يتناسب مع شخصيتها ولا يحقق أحلامها.

لست محامية للدفاع ولا أُنصِّب نفسي قاضياً يصدر الأحكام كما قال دوستويفسكي إلا أنني على الأقل أعلم جيداً أنّ الاضطرار أمر وارد، وأنّ لقمة العيش صعبة في ظل ما تعانيه الكثير من الدول من حروب ومجاعات، وهنا لا أتحدث عمّن اختار الطريق ولكن عن السبب الذي يدفع إلى أن تسلك هذا الطريق، ومن يتلاعب بعواطف أنثى رقيقة لتعيش هذه الحياة التي تخلو من الراحة النفسية، فالراقصة تعيش حياة تجبرها على أن ترهق بشرتها بأكوام من مساحيق التجميل تضعها كل مساء وارتداء ملابس الرقص التي قد تكون كرهتها، ولا يمكنها الاعتذار ليوم واحد بسبب المرض إلا وقد خُصم من أجرها، وكذلك الحال مع عارضة الأزياء التي سيأتي يوم ينخر فيه الألم والمرض جسدها دون أن يشعر بها أحد كونها ستظل وحيدة في النهاية. أمّا النادلة فستظل الأقل شأناً من وجهة نظرنا كشعوب عربية، كون الجميع ينظر لها وكأنّها تبحث عن المال بطريقة غير شرعيّة حتى وإن كانت تعمل.

أن نسمح لأنفسنا بتلطيخ أفكارنا بالسموم تجاه كل المواقف والآخرين، واتجاه الأحداث والأمور التي تجعلهم يرتكبون أخطاء هم في غنى عنها، أو يمارسون حياة ليست حياتهم أمر غير مقبول؛ فنحن في النهاية قبل أن نتحدث عن أحدهم أو أن نستنكر أفعاله أو نوجه اللوم القاسي له؛ علينا أن نفكر: ماذا لو كُنّا مجبرين على سلك الطريق نفسه؟

madreen@alroya.info