تشويه الأماكن العامة

خلفان الطوقي

تزيد الممارسات الخاطئة في حقِّ بيئتنا يوميا؛ فعلى سبيل المثال ترى الإهمال من البعض في رمي المخلفات والقاذورات في الطرق والأماكن العامة والشواطئ الجميلة من العمانيين والمقيمين على وجه سواء، وللأسف يكون ذلك على مرأى الجميع ودون أي استحياء، وكأن ما يقوم به أصبح عادة عادية وغير مستنكرة.

والحلُّ من وجهة نظري يكمُن في مساريْن؛ الأول من خلال التوعية الإعلامية وبطرق عصرية ومبتكرة وجذابة والاستفادة القصوى من وسائل التواصل الإعلامي التي تثبت تأثيرها الواسع يوما بعد يوم، مع عدم الاكتفاء بالحملات التقليدية التي لا يتابعها الشباب، والتي أصبحت غير مقنعة ومكررة. والمسار الثاني: تغليظ العقوبات وإصدار قانون واضح فيه توضيح للغرامات المالية أو الجزائية لكل من تسول له نفسه رمي وتشويه الأماكن العامة.

التوعية الإعلامية مهمة وضرورية، وسوف تؤتي ثمارها لفئة كبيرة من الناس، خاصة الملتزمين، لكن علينا أن نكون واقعيين ونعترف بأنَّ هناك فئة من الناس عنيدة ومتكبرة على المجتمع وبعضها مهمل وبعضها غير واع لما يقوم به من ممارسات خاطئة وبعضها ناقم، ولا تجدي مع هذه النماذج البشرية الطرق التوعوية؛ لذلك تراه يقوم بتصرفات غير مسؤولة، ولا يجدي معه النصح والإرشاد؛ لذلك لابد له من رادع قانوني.

وما يسري وينطبق على نظافة المرافق العامة من ضرورة تطبيق الرادع القانوني الصارم، ينطبق على عدة مجالات في حياتنا اليومية، وأسوق لكم هذا المثال لتقريب الصورة وتوضيح أهمية تطبيق القانون الحازم وأثره على تصرفاتنا وتغيير حياتنا إلى الافضل؛ فعلى سبيل المثال: قبل عدة أعوام كان الكثير من السائقين يتجاوزون إشارات المرور لسبب أو لآخر، وما إنْ بدأت شرطة عُمان السلطانية تطبيق قانون صارم تصل المخالفة المالية فيه إلى 50 ريالا عمانيا، وتوقيع تعهُّد بعدم تكرار المخالفة، وفي حال تكرارها يكون حجز لمدة يوم -تم تطبيقه في السابق- أو 12 ساعة حاليا، حسب تقدير الضابط المختص، وتعريف عامة الناس بهذا القانون وتطبيقه على الجميع بدون هوادة، وتداول الناس الأحاديث فيما بينهم بصرامة تطبيق هذه المخالفة، ومع الأيام تغيَّر سُلوك الكثير منا، وأصبح مرتاد الطريق أكثر تفكيرا ووعيا والتزاما وحرصا على عدم ارتكاب هذه المخالفة الخطيرة، وبذلك حقَّق تطبيق المخالفة الصارمة أهدافا لتحسين سلوك السائق، وهناك أمثلة أخرى أثبتت صرامة تطبيق القوانين في تغيُّر تصرفات الفئة العنيدة من المجتمع.

وما ينطبق على تجاوز إشارات المرور يُمكن أن يطبق في أوضاع مختلفة كفرض غرامة مالية في حال تعمد تشويه البيئة ورمي المهملات في غير الأماكن المخصصة لها؛ فالأماكن العامة ملك للجميع وتدفع الحكومة مبالغ طائلة للمحافظة عليها وصيانتها من مُعدات وتوظيف...وغيرها من مصاريف يُمكننا توفيرها إذا ما تحسنت سلوكياتنا، ووضع هذه المبالغ في برامج تنموية أخرى.

لم تَصِل الدول المتقدمة إلى ما وصلت إليه إلا عندما طبَّقت القانون، ونظمت حياة البشر، وكانت صارمة في هكذا مواضيع؛ لذلك أصبح تسميتها بالمتحضرة والمجتمعات المدنية، والغرابة أنَّ هذا الفرد المهمل والمتمرد والمخالف ومن يرمي المهملات هنا، يلتزم بحذافير القانون عندما يسافر خارج بلده، بل يكون حذرا وحريصا، والسؤال له: أليس الأولى أن تحافظ على نظافة بلدك؟!!!

أثبتت الأيام أن الحملات التوعوية وحدها لم ولن تكفي، وأصبح إصدار قانون صارم ملحا ومطلبا مجتمعيا، خاصة مع تزايد استياء الناس الواعية التي تنادي يوميا بضرورة تغريم أو معاقبته بطريقةٍ ما كل من يقوم بهذه الممارسات الخاطئة، وتطبيق ذلك أصبح ضرورة وليس ترفاً، خاصة مع النمو السكاني المتسارع، وتطبيق القوانين المنظمة الآن أفضل من التأخير في تطبيقها؛ حيث إنَّه من المعروف أنَّ تطبيق القانون يكون سهلا عندما يكون التعداد السكاني صغيرا نسبيا، ويصعب التنظيم والتشريع في المجتمعات السكانية الكبيرة، وهذه ميزة السرعة في تطبيقه مبكرا والاستفادة من عامل الوقت.

عُمان كانت المتصدرة في الدول العربية في المحافظة على البيئة، والمفرح أن الدول العربية الأخرى استفادت من تجربتنا الرائدة، لكن المحزن والمؤسف أننا أهملنا هذا الجانب بعدم إصدار قوانين منظمة وصارمة، أو عدم تفعيل بعضها على أرض الواقع، وأخيرا علينا كمواطنين ومقيمين أن لا نتحسَّس من صرامة إصدار القوانين المنظمة واقتراح غرامات مالية أو عقوبات ما؛ فهي لا تستهدف الملتزم والواعي والمحافظ على بيئته، هي تستهدف المهمل والمتمرد والساعي لتشويه البيئة العُمانية الجميلة.