أهمية فريضة الزَّكاة

 

 

أنس فرج محمد

إنَّ مقام الزكاة في الإسلام عظيم؛ فهي أحد أركان الإسلام، وهي قرينة الصلاة في كلِّ آيات القرآن الكريم، يقول ابن عباس: نظرت في كتاب الله فوجدت ثلاث آيات مقترنات بثلاث، لا تصح إحداهما بدون الأخرى، قال تعالى: "وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة"، (المزمل:20)، فمن أقام الصلاة ولم يؤت الزكاة فلا صلاة له. وقال تعالى في سورة آل عمران 32: "قل أطيعوا الله والرسول"، فمن أطاع الله ولم يطع الرسول فلا طاعة له. وقال تعالى: "أن اشكر لى ولوالديك إلى المصير" (لقمان:14)، فمن شكر لله ولم يشكر لوالديه فلا شكر له.

وقد كان النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- يهتم بها اهتماما بالغا، فهي لا تقل أهمية عن بقية الأركان، وقد كان -صلى الله تعالى عليه وسلم- يبعث السعاة لقبضها من الأغنياء وجبايتها لإيصالها إلى مستحقيها وتبرئة ذمم الأغنياء من مسؤوليتها، وسار على ذلك خلفاؤه الراشدون، وعندما هم بعض القبائل بمنع الزكاة بعد وفاة الرسول -صلى الله تعالى عليه وسلم- قاتلهم الخليفة الأول أبوبكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- حتى أخضعهم لحكم الله، وقال لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة.

فمن جَحَد وُجُوْب الزكاة فهو كافر مرتد عن دين الإسلام، يُستتاب، فإن تاب وأقر بوجوبها وأداها وإلا قُتِل؛ لأنه مُكذِّب لله ولرسوله ولإجماع المسلمين، ومن منعها بخلا مع إقراره بوجوبها أُخذت منه قهرا وأُدب أدبا رادعا، فإن لم يمكن أخذها منه إلا بقتاله قوتل لاتفاق الصحابة على قتال مانع الزكاة، فهذه عقوبة مانع الزكاة في الدنيا مع ما قد يعاقبون به من تلف أموالهم بالآفات السماوية من حريق وغيره. أما عقوبتهم في الآخرة، فاقرأ معي إن شئت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مُثل له يوم القيامة شجاعا أقرع "وهو الثعبان" له زبيبتان يطوقه يوم القيامة فيأخذ بلهزمتيه "أى بشدقيه"، فيقول أنا مالك أنا كنزك"، ثم تلا هذه الآية: "ولا يحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير" (آل عمران:180)، وقال تعالى: "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتُكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون: (التوبة:34-35)، وثبُت عن رسول الله -صلى الله تعالى عليه وسلم- في صحيح البخاري ومسلم أنه قال "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صحائف من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جبينه وجنباه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين الناس، فيُري سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار". وقال ابن مسعود: لا يوضع له الدينار فوق الدينار ولا الدرهم فوق الدرهم، ولكن يُوسَّع جلده حتى يوضع كل دينار ودرهم على حدة.

أيُّها القارئ الكريم، لقد بيَّن الله تعالى مصارف الزكاة بقوله تعالى: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم" (التوبة:60)، قال الطبري أي لا تنال الصدقات إلا للفقراء والمساكين ومن سمَّاهم الله تعالى في الآية الكريمة، والآية تقتضي حصر الصدقات وهي الزكاة في الأصناف الثمانية فلا يجوز أن يعطي منها لغيرهم والفقير الذي له بلغة من العيش والمسكين الذي لا شيء له وقيل المسكين أحسن حالا من الفقير، والعاملون عليها هم الجباة الذين يجمعونها، والمؤلفة قلوبهم هم قوم من أشراف العرب أعطاهم الرسول -صلى الله تعالى عليه وسلم- ليتألف قلوبهم على الإسلام؛ فعن صفوان بن أمية قال: لقد أعطاني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وإنه لأبغض الناس إلى فما زال يعطينى حتى إنه لأحب الناس إلى وفي الرقاب إى فك الرقاب لتخليصهم من الرق والغارمين أى المدينون الذين أثقلهم الديْن وفي سبيل الله أي المجاهدين المرابطين وما تحتاج إليه الحرب من سلاح وعدة، وابن السبيل أي الغريب الذي انقطع في سفره.

أخى القارئ الكريم، لا تجعل الزكاة وقاية لمالك بأن تدفعها لمن له عليك حق بدل حقه فمن كان واجب عليك النفقة عليه لا تجوز له الزكاة وإن كان أحد الأصناف الثمانية مثل الأب أو الأم أو الزوجة أو الأبناء وغيرهم، ولا تبطل صدقتك بالمن والأذى واحمد الله واشكره إذ رزقك هذا المال، واعلم أن هذه الزكاة تنمى مالك وتطهره وتزيد بركته وتطهر نفسك من الشح والبخل وتورث الرحمة والمودة بين المسلمين وتحصن مالك وتحفظه من الآفات وهي سبب لدفع البلاء والأسقام وهي تسبب دعاء المسلمين لك بالخير والبركة فأطب بها نفسك ولا يضيق بها صدرك قال الله تعالى في سورة التوبة في الآيات الكريمة 103، 104، 105: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون".

وأنتم يا من تسألون الناس وتأخذون الزكاة اعلموا أنها لا تحل لغني عنده ما يكفيه ولا تحل لقوي في بدنه قدرة على الكسب فمن أخذها منكم وهو غني عنها لا يريد أكلها وإنما يريد جمع المال بعضه فوق بعض أو أخذها، وهو قوي يقدر على الكسب فإنما يأخذ حراما وسحتا ويأخذ جمرا وعذابا من جهنم ويأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم، وكثير من هؤلاء المتسولين يكذب على الله وعلى خلقه ويظهر أمام الناس بمظهر الفقير وهو غني ويظهر بمظهر المريض العاجز وهو قوي معافى ويظهر بمظهر المصاب بالآفات من عرج وعمى، وهو في الحقيقة سليم، هؤلاء إن خفي أمرهم على الناس فلا يخفى ذلك على الله تعالى ولكنهم لا يخافون من الله ولا يبالون بالكذب عليه سبحانه، فقد نُزع الحياء منهم وصاروا يضايقون المسلمين في المساجد، وفي الأسواق وفي البيوت، وأخيرا إن لم تستح فاصنع ما شئت، ولكن عليهم الوزر لكذبهم على الله وأخذهم ما لا يستحقون.

هذا.. والله تعالى أعلى وأعلم،،،

تعليق عبر الفيس بوك