من أحكام الإمامة في الصَّلاة

 

 

عبدالفتاح بن محمد تمنصورت

أخي القارئ الكريم، شَرَع الله صلاةَ الجماعة فضلًا منه تعالى على عباده، ورغَّب المسلمين في الوحدة ومضاعفة الأجر لهم، ورتَّب على صلاة الجماعة مجموعة من الأحكام بعضها يتعلق بالإمام وبعضها الآخر يتعلق بالمأمومين.

الإسلام والعقل والطهارة شروط عامة ينبغي توافرها في كل إمام. أما الخاصة، فلا تصح إمامة الأنثى بالذكور مطلقًا، قال الصادق المصدوق: "ألا لا تؤُمَّنَّ امرأة رجلاً" (ابن ماجة في السنن 1134م). ويُوجد من العاهات عند بعض الناس ما يُخلُّ بشيءٍ من أركان الصلاة نذكر منهما القعودَ وسلس البول، فإنهما لا يؤمان الأصحاء وإنما تكون إمامتهما مقصورة على أمثالهم. عكس صلاة الأعمى فإنها جائزة لمن صلى خلفه ويدل على ذلك استخلاف النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن أم مكتوم ليؤم الناس حال سفره -صلى الله عليه وسلم- عن المدينة المنورة. قد يرتكب الإمام عملا يؤدي إلى بطلان صلاته من حيث لا يعلم، فالعلم بأحكام الإمامة في الصلاة ضرورة، ويُستثنى من ذلك إمامة الأميِّ بمن مثله فإنها تجوز. وتصح إمامة المتيمم بالمتوضئ وهو ما ثبت من إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- للصحابي عمرو بن العاص حين أم بالمصلين وهو متيمم من الجنابة وهم متوضئون، وتصح إمامة المسافر بالمقيم، والمقيم بالمسافر.

ويكون ترتيب الأئمة في الصلاة على نحو ما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤُهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسُّنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرةً، فإن كانوا في الهجرة سواءً فأكبرهم سنًّا" (الربيع بن حبيب/213). فإذا اجتمع الأقرأ والأفقه قُدِّم الأقرأ ما دام عنده من فقه الصلاة ما لا بأس به، وإلاَّ قُدِّمَ الأفقه.

يقف المأموم المنفرد الذكر على يمين الإمام، فإن دخل عليهم مأموم ثان وهو في صلاتهم جذب اللاحقُ المأمومَ السابق حتى يكون محاذيا فيكبر تكبيرة الإحرام. كما تقف المرأة إذا كانت منفردة عن يمين الإمام زوجًا أو مَحرمًا كحال المأموم المنفرد، وقيل تصف خلف الإمام مطلقًا. وتصف لوحدها خلف الرجال منفردة مع جماعة من الرجال، وإذا انفردت النسوة ولم يكن معهن رجل صففن خلف الإمام،وإن كان رجل واحد مع الإمام صفَّ عن يمين الإمام وصَفَّت النساء خلفهم. وعند اجتماع الرجال والنساء والصبيان صفَّ الصبيانُ خلف الرجالِ، وصفَّتْ النساء خلف الصبيان.

عزيزي القارئ أختي القارئة، ينبغي أن ينتبه الإمام قبل تكبيرته للإحرام فيتفقد الصفوف وتسويتها، حتى يصلح الخلل إن وُجِد، فعن أنس -رضي الله عنه- أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل علينا بوجهه، قبل أن يكبر، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "سووا صفوفكم فإنَّ تسوية الصفوف من إقامة الصلاة" (البخاري/681). كما يُؤْمَرُ الإمامُ بعدم الإطالة عليهم مخافة أن يوجدَ بينهم صاحب عذر أو حاجة، قال صلى الله عليه وسلم: "من صلى بالناس فليُخَفِّفْ، فإنَّ فيهم المريضَ والضعيفَ وذا الحاجة" (الربيع/213). وقال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ على كثبان المسك يومَ القيامة عبدٌ أدَّى حقَّ الله وحقَّ مواليه ورجلٌ أمَّ قومًاوهم به راضون ورجلٌ يُنَادي بالصلوات الخمس في كل يوم وليلة" (الترمذي، السنن/2114) .

عزيزي القارئ، ترتبط صلاة المأموم بصلاة إمامه صحةً وفسادًا، فلا يتقدم المأموم إمامه في شيءٍ من صلاته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما جُعِلَ الإمام ليؤتمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا وإذا ركع فارْكعوا، وإذا رفع فارْفعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسْجدوا" (الترمذي،السنن/2114). ولو تعمد المأموم مخالفة الإمام بطلت صلاته، ويصلي المسافر وراء المقيم أربعًا، وإن كانت صلاته في الأساس ركعتين.

ويحمل الإمام عن المأموم عدة أمور منها قراءة ما زاد على الفاتحة لقوله تعالى: "وإذا قُرِئَ القرآن فآستمعوا له وأنصتوا لعلَّكم تُرحمون" (الأعراف/204). كذلك قول "سمع الله لمن حمده" لما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده. قال من خلفه ربنا ولك الحمد" (الربيع بن حبيب/235). ثم السهو بسبب اشتغال القلب عن بعض ركعات الصلاة (الربيع بن حبيب/230). اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل واجعلنا من عبادك الصالحين.

تعليق عبر الفيس بوك