الإدارة المحليَّة (1)

 

 

علي كفيتان

عرف الكاتب البريطاني كرام مودي الإدارةَ المحليَّة بأنَّها "مجلس منتخب تتركز فيه سلطات الوحدة المحلية، ويكون عُرضة للمسؤولية السياسية أمام الناخبين، سكان الوحدة المحلية، ويعتبر مكملا لأجهزة الدولة"، وعند التمعُّن في هذا التعريف نجد أن الأمر يرتكز على مجلس منتخب، لوحدة جغرافية محددة، يمنح صلاحيات معقولة محليًّا، ومن ثم يتم محاسبته سياسيا من الحكومة المركزية والناخبين.

قد يتساءل البعضُ: لماذا الخوض في هذا الأمر؟ نقول إنَّ التوعية السياسية أمر مهم، في ظل التطبيل الإعلامي الموجه عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، واستخدام مثل هذه المصطلحات وغيرها مثل الحكم المحلي وفق رؤية أصحابها وطموحاتهم غير الحميدة للنيل من وحدة الوطن.

وبالعودة لموضوعنا وهو الإدارة المحلية، نجد أنَّ أركانها تحققت في مختلف ربوع الوطن في ظل انتخاب مجالس بلدية ومنحها صلاحيات معقولة، وعند الحاجة لمزيد من التعديلات على القانون الحالي يمكن الرجوع للمجلس التشريعي (مجلس الشورى) المنتخب بالكامل من المواطنين، وحسب اطلاعنا فإنَّ المجلسَ يعكفُ حاليا على مراجعة متعمقة لقانون المجالس البلدية. نعتقدُ أنَّ المشكلة ليست في إيجاد البنية الأساسية للمشاركة المجتمعية فهي قد تحققت، ولكنْ هناك عقبتان تواجهان المجالس المنتخبة البلدي والشورى؛ الأولى والأهم هي وجود قصور كبير في فهم ماهية عمل تلك المجالس وآليات عملها من قبل المجتمع؛ حيث لا زال يرى أن اختيار الأعضاء يقوم على أسس هو يؤمن بها وتعايش معها منذ فترات طويلة بينما الأمور تغيَّرت كثيراً في الوقت الحاضر؛ فسلطة الشيخ وهيمنة القبيلة لم تعد مُجدية في إفراز عيِّنات فاعلة سياسيًّا خلال هذه المرحلة. والأمر ذاته حول سيطرة مجتمع المال ونفوذه في التأثير على عقلية المواطن البسيط وتوجيهه لاختيارات لا تخدم إلا أصحاب رؤوس الأموال، بينما يستغل باب المهنية من حيث حصول المرشح على المؤهلات العلمية العليا لإقناع الناخبين من قبل الفئتين المذكورتين، فقد يفرز المجتمع القبلي أو المالي صاحب مؤهلات، ولكنه لن تكون له توجهات لخدمة المجتمع عامة بل سيظل يعمل للخاصة التي دعمته بشكل غير مباشر وجندت له الأصوات إلى الصندوق.

العقبة الثانية هي عدم وعي أعضاء تلك المجالس بالأدوات البرلمانية؛ فتجد أحدهم يرغي ويزيد في المناقشات التي تتم مع أصحاب المعالي الوزراء وتنقل تليفزيونيًّا، ويطالب باستقالة مسؤول أو إغلاق وزارة، بينما الأمر بسيط، وحدده القانون في باب استجواب الوزراء المشرفين على الوزارات الخدمية. وفي حال ثبوت قصور مُخل يرفع الأمر لولي الأمر، وهو صاحب القرار. وتعاني بعض المجالس البلدية من قصور فهم الأعضاء بأبجديات العمل بالمجلس ويحتاج لنصف المدة حتى يستوعب الأمر، هذا إذا استطاع الفهم ويظل الأعضاء مرهونين بفكر عقيم مستحضرين تجربة مجلس الشورى بين أعينهم، بينما الأمر مختلف، وأصبحوا مرهونين لحكم التوافق في الآراء دون ممارسة حق التصويت عليها؛ لذلك خفت صوتهم، وأصبح الأمر كأنه اجتماع دوري يهيمن عليه أعضاء الجهات الرسمية، ويخفت صوت العضو المنتخب ممثل الاحتياجات المجتمعية، وهنا نعود إلى الإفراز غير الموفق للمجتمع ذاته، والذي دفع بهذه العينات لهذه المجالس، ومن ثم يطلب منهم مهمات أكبر من طاقتهم الفكرية والسياسية. ولو افترضنا منحت صلاحيات جديدة للمجالس البلدية، وهذا أمر غير مستبعد، كأن يتم انتخاب الرئيس من بين الأعضاء على غرار مجلس الشورى، ولو ذهبنا بعيدا بأن يكون رئيس البلدية من بين الأعضاء الذين منحتهم الصناديق الثقة، فهل نتوقع شيئا مختلفا عن الصورة الحالية؟!

الكل يلاحظ أن العضو بعد أن يجمع في جعبته أغلبية أصوات ولايته يختفي فلا لقاءات مجدولة مع المواطنين ولا مكتب ولا عنوان معروف -إلا من رحم الله- بل عليك أن تلاحقه في المساجد والمقاهي، والسؤال الذي يفرض نفسه: لماذا لا تعقد لقاءات صحفية مع الأعضاء، يلتقي من خلالها بالصحفيين والكتاب والإعلاميين، وإذا تعذر الأمر مع الأعضاء، لماذا لا يتبنى المجلس البلدي مثلاً في كل محافظة عقد مثل هذه اللقاءات بشكل دوري مع وسائل الاعلام؛ بحيث يحظر رئيس المجلس ونائبه ورؤساء اللجان لمتابعة ما تم إنجازه وإيصاله بشفافية للجمهور. إنَّ اللقاءات الصحفية المنمَّقة بلغة لا تختلف عن اللغة الرسمية التي تحمل رأي رئيس المجلس في كلِّ محافظة، الذي هو في الأصل مسؤول حكومي، أصبحتْ لا تُسْمِن ولا تُغْنِي من جوع. 

لا شكَّ أن السلطة التنفيذية بحاجة لدعم فكري ناضج عبر تلك المجالس التي انتخبناها بمنتهى الحرية؛ بحيث تفهم ما لها وما عليها، وترفع مصلحة الوطن عاليا ولا تستخدم تلك المنابر للدعاية الشخصية الضيقة، عبر ضجيج صوتي لا يمت بصلة لنا نحن العُمانيين المعروف عنا العمل بهدوء وبدون تجريح شخصي، بل عبر رفع رؤى علمية تقوم على لغة الأرقام وفي حينها فقط ستكون تلك المجالس شريكا حقيقيا في التنمية والتطوير الشامل للبلاد.

alikafetan@gmail.com