الكندي: الضمان الاجتماعي في الإسلام ليس مقصوراً على المسلمين وحدهم بل كل رعايا الدولة

 

مسقط - أحمد الجرداني

قضى شرع الله بإيجاب الزكاة على العباد لما فيها من خير يعود على البشر إذا ما قاموا بحقها كما بين الشارع الكريم، ومن باب استجلاء آثار الزكاة الاقتصادية على الاجتماع الإنساني وبيان أثرها في علاج عجز الموازنة العامة وأثرها الإيجابي في علاج ذلك وحول هذا الموضوع المهم نواصل اللقاء مع فضيلة الشيخ الدكتور ماجد بن محمد بن سالم الكندي أمين فتوى بمكتب الإفتاء وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الحديث حول الزكاة واثارها الايجابية وخاصة في الأزمات المالية حيث يقول: مرَّ دورُ الدولة في الأنظمة البشرية بمراحل حتمها الصراع على الملكية الفردية، فنجد الدولة مرَّت بدور هي فيه القوة المركزية التي تهيمن على كل الأنشطة، وعلى عهدتها أمر رعاية المجتمع كما هو جلي في الحضارات الآسيوية كحضارة مصر وبلاد النهرين والصين والدولة الرومانية وهو ما يفيده الحال في مصر أيام يوسف عليه السلام كما ذكره الكتاب العزيز.

لكن الدورَ السابقَ للدولة قد يتعارض وحريةَ الأفراد في التصرف وإدارة شؤون ثرواتهم من حيث إنها معنية بتحقيق المصلحة العامة ولو كان في ذلك تعارض مع المصلحة الفردية، بل قد تغلِّب العامة على الفردية، وهذا يقيِّد على أرباب الأموال حريتهم في التصرف والكسب مما سيحملهم على التخلص من هذا النمط في الحكم فاستطاعوا بنفوذهم تحييد دور الدولة في التدخل في النشاط الاقتصادي بل لا يعدو شغلها الشاغل أن يكون حارساً،ومنظماً للنشاط الاقتصادي أو قل هو حارس لأموال الطبقة الغنية، فجردت الدولة من القطاع العام بسياسة التخصيص (الخصخصة)، وعلى هذا المبدأ لا يمكن إدخال دور الزكاة في حال عجز الموازنة.

ويوضح د. مصطفى شيحة الأدوار التي مرت بها الدولة في النقاط التالية:

ـ الدولة المركزية: كمصر الفرعونية وحضارة بلاد ما وراء النهرين (حضارة الأنهار)، والحكومة هنا تشرف على النشاط الاقتصادي فتفرض الضرائب وتشرف على الري والزراعة، ومن مثل ذلك الإغريق الذين كانت الضرائب معهم مصدراً رئيساً لتمويل الحروب، والرومان الذين قدمت الدولة معهم الخدمات وأنشأت المشروعات الإنتاجية، والدولةُ الإسلاميةُ الأولى كانت على هذا المنهاج.

ـ الدولة الفردية أو الحارسة: وجاءت هذه بعد تعرض الدولة المركزية لانتقاد شديد بدعوى الحرية وقصد إضعاف السلطة المركزية وخدمة حقوق الفرد وحرياته، وهنا قصر دور الدولة على الخدمات السيادية.

ـ دولة التدخل (الدولة المتدخلة): مع إسهام الدولة الحارسة في النمو إلا أنها أخلت بالوظائف الاجتماعية فشاعت البطالة وسادت المجاعة وتعرض النظام النقدي والمالي للانهيار حتى كانت أزمة 1929، وللسابق دعيت الدولة من جديد لإصلاح الوضع الاقتصادي فقدمت الدولة كثيراً من الأنشطة الاقتصادية منها أنها قامت بعمليات البنى الارتكازية والتأمينات ونحو ذلك.

ـ دولة التنمية (الدولة المنتجة أو المشاركة في الإنتاج): وهذه قامت إثر الحرب العالمية الثانية لإعمار ما دمرته الحرب، فتكوَّن قطاع عام إنتاجي ومالي وخدمي يتحكم في 40-60% من الطاقة الإنتاجية والصناعية والمالية في كل دولة.

ـ دولة الخصوصية: بدأت منذ أوائل السبعينيات بوادر إيديولوجية جديدة في اتجاه مضاد لتوسيع نشاط الدولة الاقتصادي، ومن أسباب ذلك نمو البيروقراطية الحكومية وقوانينها المؤثرة في الكفاءة الاقتصادية والمعوِّقة للنشاط الإنتاجي والتوزيعي والقاضية على الحوافز والمبادرات الفردية، ومظاهر سياسة الخصوصية: تقييد نشاط الدولة الإنتاجي دون الإنفاق الاجتماعي فبيعت وحدات القطاع العام الإنتاجية بل وصل إلى بيع المرافق الإنتاجية الخدمية كالكهرباء والطاقة الصناعية الكبرى.

أما الدولة في الإسلام فعليها تكاليفُ متعددة تجعلها دولة تتداخل فيها أشكال الملكية كلها فثمة المال العام أو بيت المال الذي تنفق منه الدولة على المشروعات غير الربحية التي لا يتولى شأنها المشروع الخاص كالضمان الاجتماعي، كما أن الملكية الفردية الخاصة تقرها الشريعة وتجعل للإنسان الحق في تكوين ما يشاء من ثروات ما دام يعرف حق الله فيها، ومع هذين الشكلين من أشكال الملكية نجد الدولة في الإسلام متدخلة في النشاط الاقتصادي بالتقويم والتصحيح إذا ما تغوّل رأس المال الفردي وتجاوز حدوده لتحفظ التوازن العام في الاقتصاد فلا يكون إلا مثمراً بخير.

 

الملكية العامة للدولة في نظر الشريعة الإسلامية

إثبات الملكية العامة للدولة في نظر الشريعة الإسلامية كان لأجل القيام بوظائفها المنوطة بها وهي واجب شرعي لا يصح أن تتخلى عنه بالكلية ولا أن يكون بيد النشاط الخاص، ومن هذه الوظائف:

الوظيفة الأولى: الدفاع عن الدولة

وهذه الوظيفة متمثلة في شعيرة الجهاد في سبيل الله، وله نوعان جهاد الدفع للغزاة الباغين على البلد المنتهكين سيادته، وجهاد الطلب للأعداء الخارجين الذين لا يؤمن جانبهم بل يتربصون بالمجتمع الدوائر ويعوِّقون حركته ويُؤلِّبون عليه الأعداء  يقول الله تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ،الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)

ومثل هذه الوظيفة لا يقوم بها الأفراد بل لا بد من وجود القيادة المركزية التي تشرف عليه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل والخلفاء الراشدون من بعده.

على أن الإنفاق العسكري في أيام السلم يشكل أغلب الميزانيات للدول فكيف به في حال الحرب حيث يستنزف كل الممكن ليس في مجال السلاح والعدة العسكرية فحسب بل في تدريب القوى البشرية التي تقوم به

 

الوظيفة الثالثة  الضمان الاجتماعي

خلق الله تعالى العباد متفاوتين في قدراتهم فمنهم الذي يسَّر له الغنى ومنهم الفقير المعدِم، وواجب الدولة هنا هو أن تأخذ من الغني للفقير في عملية إعادة التوزيع المعروفة بالزكاة، لكن ثمة حاجات لا تكفيها الزكوات ولا تقوم بها، وثمة معوزون لا يجدون سبيلاً إلى العيش الكريم وتنوء حاجاتهم والوفاء بها بالأطر التكافلية التي أرسى الشرع دعائمها بين الناس، ومن هنا يكون واجب رعاية هؤلاء الناس على الدولة أمراً متعيناً .

و الضمان الاجتماعي في الإسلام ليس مقصوراً على المسلمين وحدهم بل كل رعايا الدولة يشملهم ذلك مسلمين كانوا أو غير مسلمين كما جاء أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه  كتب إلى عدي بن أرطاة:

أما بعد، فإن الله سبحانه إنما أمر أن تؤخذ الجزية ممن رغب عن الإسلام واختار الكفر عتياً وخسراناً مبيناً، فضع الجزية على من أطاق حملها وخلِّ بينهم وبين عمارة الأرض؛ فإن في ذلك صلاحاً لمعاش المسلمين وقوة على عدوهم، وانظر من قبلك من أهل الذمة (من) قد كبرت سنه وضعفت قوته وولَّت عنه المكاسب فأَجْرِ عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه، فلو أن رجلاً من المسلمين كان له مملوك كبرت سنه وضعفت قوته وولت عنه المكاسب كان من الحق عليه أن يقوته حتى يفرق بينهما موت أو عتق، وذلك أنه بلغني أن أمير المؤمنين عمر مر بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس فقال: ما أنصفناك إن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك ثم ضيَّعناك في كبرك، قال: ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه.

فلا بد من أن يدخل هذا الجانب في موازنتها؛ لأنه من التكاليف المتعينة عليها.

الوظيفة الثالثة: الدعوة إلى الله ونشر الإسلام وحفظ الدين

وذلك بيِّنٌ في مشروعية الجهاد إذ أراد به الشرع إزالة العقبات التي تحول دون بلوغ نور الإسلام وسناه إلى الناس، وخير دليل على ذلك أن الإسلام يرفع السيف عن كل من نطق بالشهادتين، وحفظ الدين وإبعاد الشبه عن الناس قد يعجز الأفراد عنه، على أنه في عصورنا هذا يستلزم إمكانات تنوء بكواهل الأفراد، فلا من أن تجند الدولة لهذا الأمر جنودها وتصرف له إمكانات تقوم به.

 

تعليق عبر الفيس بوك