ميناء خصب.. ثروة غير مُستغلَّة

خلفان الطوقي

ميناء خصب البحري الواقع في محافظة مسندم، هو ميناء كان صغيرا وتقليديًّا، استثمرت الحكومة فيه الملايين في السنوات الماضيه، تصل إليه يوميًّا عشرات السفن التقليدية، ومئات الزوارق الصغيرة السريعة المحمَّلة ببعض البضائع الإيرانية، خاصة المواد الغذائية والأغنام، تحملُ في طريق عودتها إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية ببعض البضائع التي يحتاج لها السوق الإيراني. ونشط الميناء بعد أن تمَّ منع هذه السفن من الوصول إلى إحدى موانئ الدول المجاورة، فأصبح الميناء حيويا، علما بأنَّ القوارب التي تصل للميناء تسجل في ميناء خصب وتدفع رسومَ رسو عند وصولها، وتدفع رسومَ مناولة لتنزيل بضائعهم، وكذلك رسوم أخرى مقابل إعادة تصدير البضائع الواردة من المحافظات العمانية أو من دولة الإمارات العربية المتحدة، ناهيكم عن الاستفادة الكبيرة  للأهالي.

وعملتْ هذه الحركة على انخراط العديد من الشباب العُماني الباحثين عن عمل في هذا المجال؛ حيث بلغت عدد "البيكابات" الشاحنات الصغيره قرابة 500 سيارة، تحمل البطاعة من المحلات للميناء، نتحدث عن 500 أسرة، وقرابة 200 شاحنة كبيرة "داينات" شاحنات تنقل السلع من الإمارات إلى خصب، كلهم كانوا شبابا عمانيين يعملون عليها؛ مما أدى لازدهار المحلات والمطاعم والمخازن...إلخ؛ فأصبح مردود الفرد واضحًا على سكان خصب، فضلا عن الدخل الجيد لخزانة الدولة من هذه الحركة؛ حيث إنَّ الإحصائيات الرسمية كانت تشير إلى أنَّ دخل ميناء خصب هو الثاني بعد ميناء السلطان قابوس في الماضي.

إلى أنْ تغيَّر الوضع، وتم تشديد حركة التجارة فيما بينهم، وظهرتْ علامات استفهام كثيرة؛ منها: لماذا تسمح السلطات العمانية بالسماح لهم بالتجارة معهم، علماً بأنَّ هذه الزوارق تصل صباحاً وتغادر في نفس اليوم قبل حلول المساء؟ ولماذا لا يُسمح لها بالمكوث عدة أيام ويكون دخولهم إلى عُمان بتأشيرة خاصة وبضمان من أحد التجار العُمانيين؟ ولماذا تتغيَّر التوجهات الأمنية بناء على تقديرات المسؤول، بمعنى أنَّ التوجه بالتشديد أو بالتسهيل بناء على اجتهادات مسؤول مما يزيد نسبة القرارات الفجائية، ولماذا لا يكون توجها ثابتا بغض النظر عن تغيير المسؤولين في تلك المحافظة؟ وما الذي يمنع الجانب العُماني والإيراني من تنظيم عملية التبادل التجاري بين الجانبين لتعم الفائدة لتشمل أكبر عدد ممكن من المواطنين والقطاعات، وتكون بشكل عصري وشفاف؟

مقترحي كالآتي: دراسة الوضع من جميع جوانبه، واستثمار بعض الوقت لتقديم حلول عملية لتطوير الميناء، تكون ذات قيمة مضافة لمحافظة مسندم بوجه عام، وخصب على وجه الخصوص، بدلا من الوضع الحالي الذي يكفل فائدة لعدد محدود من الناس، وبعدها يمكن تعيين فريق تفاوضي يعي أهمية ربط الوضع الاقتصادي والاجتماعي دون إغفال الجانب الأمني إنْ وُجِد، وتكون توصياتهم وقراراتهم بمشاركة تجار المحافظة، ورفع وتيرة التنسيق المشترك مع الجانب الإيراني، واتخاذ قرارات تقضي بتنظيم التجارة بين الجانبين بشكل ثابت  ودينامكي وقابل للتغيير حسب المعطيات العصرية المتغيرة.

فائدة هذا المقترح أنها تضمن تنشيط التجارة بين البلدين، ورفع نسبة مساهمة الميزان التجاري العماني بنسب مقبولة، وتطوير وضعية الاستيراد والتصدير بشكل مباشر بين البلدين، بدلا من أن يكون ميناء خصب مجرد بوابة عبور للبضائع من وإلى جمهورية إيران الإسلامية، أضف إلى هذه فوائد توسيع قاعدة المستفيدين من التجارة لأهالي المنطقة لتشمل المستفيدين المباشرين والمستفيدين بشكل غير مباشر، واستحداث مبادرات تجارية جديدة كالتصدير المباشر للعمانيين، واستكشاف الفرص المتاحة في السوق الإيراني لبعض التجار وفتح فروع لبعض الشركات العمانية الكبرى في ولاية خصب.

أخيرا.. علينا أنْ نتذكَّر مساوئ عدم التنظيم المبكر والشامل لهذا الملف الحساس، والذي بمقتضاه يكون القرار معتمدا على التقدير الشخصي للمسؤول، وسيظل القرار أمنيًّا بحتًا دون مراعاة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية؛ مما سيُشكِّل عدمَ استقرار للتاجر، وتذبذبَ قراره الاستثماري، بغض النظر عن حجم هذا الاستثمار ونوعيته، كما سيهدد التبادل التجاري لأنه سيرغم الشريك التجاري على أنْ يبحث عن بوابة بديلة تعي أهمية التبادل التجاري وتجني من ورائه فوائد جمَّة، وإن استمر الوضع على ما هو عليه ستخسر محافظة مسندم كل شيء، وتتضرر بذلك منظومة كبيرة بداء من الرسوم الجمركية والضرائب الحكومية وانتهاء بالتجار وكافة المستفيدين من المواطنين من هذه الحركة التجارية النشطة، ويصبحون بذلك عبئا إضافيا على البلاد اجتماعيا وأمنيا، فكلما تمَّ الإسراع في حل هذا الموضوع القديم الجديد، تصبح فوائده كبيرة على مستوى المحافظة والسلطنة بشكل عام.