"خليجُنا واحدٌ"؟!

 

مسعود الحمداني

كنت أفتخر أنّي خليجي..

فأنا أعيش ضمن دول هي الأغنى في العالم نفطيًا، ويحكمني حكام رائعون، يعايشون شعوبهم، ويعرفون احتياجاتهم، ويشاركونهم أفراحهم وأتراحهم، ومن حولي قلوب شعوب طيبة، لا تتآمر على بعضها، ومصالحهم واحدة، ومصائرهم مشتركة، وعاداتهم وتقاليدهم ولهجاتهم قريبة، وبينهم أواصر نسب، وعلاقات أخوّة، وأعراق متشابكة، وقبائل متداخلة، وأحلام واحدة..

كنتُ أفتخر أنّي خليجي..

عندما رأيتُ مجلس التعاون الخليجي وهو يخرج إلى النور، وينمو ويكبر، ويجتمع الحكام الخليجيون كل سنة دون تأخير في قممهم، رغم الكثير من العواصف، والمراحل الحرجة التي كادت أن تعصف بالمجلس، إلا أنّه ظل صامدا بإرادة حكامه، وبأحلام وطموحات شعوبه، وكانت القمم الخليجية مبعث فخر واعتزاز لي كمواطن، وأنا أشاهد ابتسامات الزعماء، ومصافحاتهم، وودهم الذي يصافح قلوبهم، وكنت أتسمّر إلى المذياع أو التلفاز حين يتلو أمين عام المجلس البيان الختامي ـ حتى وإن خلا من الطموحات الشعبية ـ إلا أنه كان بمثابة القشة التي نتعلق بها في أحلك الظروف في عالم يعيش على بركان ساخن.

كنتُ مؤمنا بهذا المجلس ـ كمعظم العرب ـ خاصة حين كانت الكيانات السياسية العربية الأخرى تتهاوى واحدا تلو الآخر.

كنت أفتخر أنّي خليجي..

وأنا أتابع دورات كأس الخليج، وأشاهد اللقاءات الودية، وأستمتع بمباريات (الديربي)، والحماس الذي كان يزيد عن الحد أحيانا، ولكن ـ رغم كل شيء ـ كانت هذه المباريات هي نكهة البطولات، وفرحتُ كثيرا بفوز السلطنة بالكأس، بعد أن كنت أتحسّر بعد كل خسارة ثقيلة للمنتخب.. وكان جاسم يعقوب، وفيصل الدخيل، وأحمد الطرابلسي، وحمود سلطان وماجد عبدالله وكل اللاعبين العظام في أي دولة من دول المجلس مُلك لكل خليجي، فالأهم من النتائج الكروية هو ذلك التجمع الوحدوي الذي ظل صامدا في كثير من الأعوام، رغم الأحداث التي كانت تصاحب بعض الدورات، إلا أن كأس الخليج كان فوق كل الاعتبارات.

 

كنت أفتخر أنّي خليجي..

وأنا أستمع للأغاني الوطنية الخليجية، وهي تتغنى: (خليجنا واحد.. وشعبنا واحد..)، وحين أشاهد الأوبريتات الوطنية المشتركة، وحين أرى تشارك الفنانين الخليجيين في المسلسلات، وتبادل المذيعين، وحين يمجّد الشعراء حكام الخليج ويدعون لهم وكأنّهم قلب واحد، ونبض واحد، وحين تلتحم الشعوب ببعضها البعض في أيامهم الوطنية، وكنت أشعر بالنشوة وأنا أتابع تلك الوحدة غير المعلنة بين الشعوب الخليجية التي تجمعهم في أفراحهم وأتراحهم..

أمّا اليوم..

فلعل تلك الصورة المثالية للخليج لم تعد كما هي، انكشفت الغلالة الرقيقة التي كانت تغطي الكثير من القتامة، والكثير من الصلف، والكثير من الحقد الذي لم نعرفه طوال سنوات رغم الأزمات والنكبات التي مرت على هذا البحر العظيم.. ظهر الخليجيون كما لم نعرفهم، وبطباع لم نعهدها في عصرهم الحديث على الأقل..

اليوم..

لم يعد لي ما أفتخر به كخليجي، غير الذكريات الماضية، ولم يبق لي إلا الصور الجميلة التي اختزنتها الذاكرة من ذلك (المجلس) الذي ينهار أمام أعيننا بسبب السياسة الموبوءة، بعد أن كان (يحلم) بالوحدة، والعملة المشتركة، وجواز السفر الخليجي، والكثير من الأحلام الطوباوية، وهو يحتاج إلى زمن طويل وطويل من التصحيح، لرأب الصدع ورتق الشرخ اللذين سيسكنان أمدًا بعيدا في قلوب الساسة وأفئدة الشعوب..

اليوم..

الخليج يغرق ـ أيّها الحكماء ـ في مياه السياسة البغيضة فأنقذوه من الموت والهلاك والعبث.

 

(اللهم ارحم والطف بخليجنا البسيط الصغير والفقير إلى الحكمة والحب والسلام).

 

 

Samawat2004@live.com