تعاملنا مع كبار السن

 

شاءت إرادة الله تعالى أن تمر حياة الإنسان الذي هو سيد هذا الوجود بمراحل مختلفة، كل مرحلة تُسلم للمرحلة الأخرى حتى يقضي الإنسان مدة مكوثه في هذه الحياة التي جعلها الله تعالى ميدانا للامتحان والاختبار، وكل مرحلة من هذه المراحل لها من الصفات والمزايا ما يجعلها تختلف عن بقية المراحل، من الناحية الجسدية، والنفسية، والعقلية.. وغيرها من النواحي.

ومرحلة التقدم في العمر هي من المراحل التي تستدعي منا الوقوف والتأمل، فهي تأتي بعد مرحلة الطفولة والشباب والكهولة، لينتقل بعدها إلى هذه المرحلة التي يُضعف فيها الجسم، ويفقد حيويته ونشاطه المعهود بسبب كبر السن، كما قال الله تعالى على لسان سيدنا زكريا: (قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا..)، وتكون مناعة الجسم ضعيفة، ويكثر تعرضه للأمراض ونحوها، ويشعر بوهن وتعب شديدين يعتريان جسده، بجانب ذلك هناك جملة من التغيرات التي تصاحب هذه المرحلة.

ومع كل ذلك فإن الإسلام راعى هذه المرحلة المهمة من عمر الإنسان فأوصى الأبناء باحترام الوالدين خصوصا في هذه السن كما قال تعالى: (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما)؛ فالوالدان في هذه السن المتأخرة أحوج ما يكونا إلى ابن بار حانٍ، يتحمل ما قد يتطلبه الحال من جهد نفسي، وبدني للتعامل مع الوالدين، وضرورة عدم التأفف من أي شيء قد يقع من قبلهم تجاه أبنائهم، بل ونجد أن الإسلام أكرم كبير السن وأمر بتوقيره وحسن التعامل معه، واحترامه اشد الاحترام فليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا.

ومن المشاهد التي يتألم منها الإنسان ما قد يقع من بعض قساة القلوب من الأبناء والبنات من تحميل آبائهم المشاق تلو المشاق لتحقيق بعض النزوات أو بعض الأمور الترفيهية الساذجة، من دون نظر لما قد يعتري أولئك الآباء من ضجر أو تعب أو مشقة بسبب كبر السن، ويضاف لذلك أحيانا قلة ذات اليد.

ويزداد الأمر سوءا، والحال شناعة عندما نرى أحد الأبناء ممن سهر عليه أبواه الليالي الطوال عناية، وإشرافا، وكدا وتعبا لتوفير ما يحتاجه من متطلبات مختلفة، وإذا به عند اشتداد أمره وتضخم عضلاته، وشعوره بنشوة الحيوية والقوة يقلب ظهر المجن لهم، ويتنكر لمن ضحّى بعمره، وأفنى حياته لأجله، بل ويتنمر ويكشر عن أنيابه، بسبب خلاف مالي بسيط قد يكون الأب هو المحق، وإذا بالأمر يتطور حتى يصل إلى القضاء، فيقف الابن العاق والأب الفاني على منصة القضاء يتطاول عليه بلسانه، ويعضه بأنياب إنكار الجميل والظلم، فيتألم الأب مرات ومرات على ذلك، ولربما كتم مشاعره وحجز دموعه في أجفانها فتأبى تلك الدموع إلا أن تفيض ألما وحسرة وتعاسة على سوء الحال.

إن واجبنا نحن آبائنا وأمهاتنا حق عظيم وخاصة مع كبر السن وتجاوز مرحلة العطاء والبذل إلى مرحلة احتياجهم للعون والمساعدة من قبل أبنائهم، بل إن هذا الأمر ليس للآباء والأمهات فقط؛ وإنما يتعدى ذلك لكل كبير في السن أن نعينهم على هذه المرحلة بتهيئة ما يحتاجون إليه من جميع أنواع الحاجيات الخاصة، وغض البصر عن هفواتهم، واحتمال تبرمهم وضيقهم بسبب كبر السن، علاوة على كثرة التواصل معهم والاستماع لحديثهم وتشجيعهم على الكلام بالثناء على أفكارهم ومواقفهم الحسنة ونحوها من أنواع البر والإحسان.

إنّ ما يقوم به البعض من شبابنا هذه الأيام من إقامة حواجز منيعة بينهم وبين كبار ليعتبر عقوقا واستخفافا وإهانة لجيل قدم الكثير وأفنى حياته لرفعة المجتمع والوطن، فنلحظ عند لقاء الجميع في المجالس والمنتديات المختلفة أن هناك تكتلات لهؤلاء الشباب لوحدهم، ويتجنبون الاختلاط مع كبار السن أو الحديث إليهم بدعوى أن هذا جيل قديم لا يفقه من أمر الحياة المعاصرة شيئا، فيتركون الكبير يتألم لذلك، والواقع أن عزوف الشباب عن الانتفاع بتجارب الكبار خسارة كبيرة لهم؛ ذلك لأن كبار السن مستودع ضخم من القصص والتجارب والحكم والأمثال التي لا يستغني عنها كل عاقل، ترشد المحتار، وتقوي الضعيف، وتدفع للمزيد من الخير والبذل والعطاء.

د.صالح بن سعيد بن هلال الحوسني

تعليق عبر الفيس بوك