الشمس لا تُغطى بغربال

عبدالله العجمي

إنَّ من أهم القضايا التي سَعَت السلطنة لترسيخها في عُقُول مُوَاطنيها، والتي يجب أن نُسَاعد على تثبيتها في نفوس أبنائنا هي الأَنْسَنَة، أي أَنْسَنة الإنسَان، وأنسَنة الوطن، وأنسنَة الفكر، لنصل تلقائيًّا إلى أنسنة التعايش السلمي، ولكونها أعطت كل بُعد من هذه الأبعاد حقه من الأنسنة ومثّلته كقيمة روحية، حاولت أن تبثه في وجدانِ أبنائها، فهي تُدْرِك أنَّ التنوُّع والتباين في الاتجاهات والمعتقدات لا يعني انفصالَ فئة عن فئة، ولا انعزالَ طائفة عن بقية الطوائف، ولا أن يُغرِّد فصيلٌ بمعزل عن بقية الفصائل، بل يعني أنه يمكن أن يلتقي كل هؤلاء على قاعدة مشتركة تجمعهم جميعاً هي: الوطن.

ولو تمعَّن الباحثُ في حال هذا الوطن الفريد، لأيقن أنَّ تنوع الطوائف وتعايشها مع بعضها على أرض واحدة منطلِقَةً من خلفياتها الفكرية والروحية والتاريخية إنما هو مصدر قوة وغنى لعُمان، خاصة وأنَّ جميع هذه الطوائف تعْبُرُ من فوق جسورٍ عدَّة تُوْصِلها جميعها إلى ضفَّة الوطن، يجمعهم جميعاً حُبُّ هذا الوطن، الوطن الذي صانَ حقَّ كلِّ من يعيش على أرضه، وتعامل مع كل مواطنيه على أساس أنهم ينطلقون من أرضٍ واحدة، ويتنفسون هواءً واحداً، وتعيش أرواح كل منهم في هذا الجمال الروحي الفريد؛ والذي يمكن أن يُضاف إلى جمال طبيعتها، لينعكس لا إراديًّا على السياسة، فصارت السياسة العمانية الخارجية تحمل جمالاً قلَّما تحمله سياسة بلد آخر؛ لاتزانها ونضجها، ولأنه بلد سخّر السياسة من أجل الإنسان ومن أجل السلام والحرية والعدل والخير.. وهذا ما جعل لهذا البلد أن يرتفع اسمه في الآفاق.

هكذا نحن، نعيش وتنوَّعاتنا الإنسانية هي ما يجمعنا بدلاً من أن تفرقنا، مهما كان أُفُق هذا التوجه والتنوّع، قوميًّا كان أم قَبَليًّا، أم مذهبيًّا، أم حتى دينيًّا، وما هو إلا تثبيت للمبدأ القرآني: "إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائلَ لتعارفوا"، فكلُّ فئة تسخِّر خلاصة تجاربها لتعطي خصائصها لفئة أخرى تشاركها في الوطن، فيتجسَّد هذا التعارف من خلال تبادل التجارب الذي يكون بالانفتاح على بقية الطوائف؛ لذلك فإنَّ هذا التآلف الحاصل أصبح عنواناً نادراً في هذا الزمن، وصار التعايش السلمي عنواناً مُلاصقاً لاسم السلطنة في كافة المحافل، وهذا ما ينبغي لنا أنْ نحافظ عليه إذا ما حاول البعض أنْ ينصُبَ أو يختلق حواجز وهمية بيننا.

... إنَّ هذا البلد الممتدُّ حضاريًّا إلى آلاف السنين، والممتد روحيًّا إلى ما أبعد من ذلك، استطاع أن يكون قَبَساً يُشعُّ وهجاً من الخصوصية لا تضاهيها خصوصية في عالمنا المعاصر، قبساً في الفِكر وفي التربية وفي عقلنة الحوار وسلمية التعاطي مع القضايا الاقليمية، بلدٌ أعطى العقل إكسيراً من العاطفة ليعيش السلمية واللين في التعامل، وأعطى العاطفة جرعة من العقل لكي يتوازن في تعامله مع ما حوله من أحداث، بلدٌ صنع له من المعادلات السياسية ما أبعدته عن كل التعقيدات التي تعصف بمحيطنا، وجعلته بالتالي ينطلقُ في آفاق السِّلم والاستقرار.

ربما أكون قد أسهبتُ وأطلتُ في مُقدِّمتي، لكنَّها كانت من الضرورة بمكان لكي أصل إلى لبِّ الموضوع، وتوضيحاً لِلبس الذي وقع فيه بعض الأخوة الأشقاء ممن حثّنا على شنّ حملة مضادة لرد الاعتبار، بعدما طالعتنا -وللأسف- إحدى الصحف الخليجية وفي خضم معركة إعلامية تراشق فيها "أشقاء"، أوردت سهواً اسم رائد إعلام المبادرات الأول في الوطن العربي، والمجسِّد لقِيَم المسؤولية الاجتماعية، وحامل راية ونهج الشراكة الوطنية؛ المكرم حاتم بن حمد الطائي عضو مجلس الدولة ورئيس تحرير جريدة الرؤية العُمانية، والذي حُشِر اسمه فيما تمَّ عنونته بـ"الأقلام المأجورة".. نعلم -يقيناً- أن اسمه ورد خطأً؛ فهو غني عن التعريف ولا يحتاج إلى شهادة من أحد؛ فمواقفه المشرفة والنبيلة تغنيه عن ألف شهادة، رجل نذر نفسه لوطنه عبر مسيرته الحافلة بالعطاء، وفي أي موقف استطاعه، يكفي أن السلطنة فخورة به، ولايمكن لأي مُنصف أن يتنكَّر لدوره وعطائه ونهجه المقتبس من النهج العام للسياسة العمانية.

لم نردُّ الصاع صاعين، ولم نكترث كثيراً بما حصل، ومن لم يعرفنا فنقول له: "هي ميزة عُمانية خالصة.. فالشمس لا تغطَّى بغربال".

*رئيس لجنة الثقافة والتعليم بالاتحاد العربي الإفريقي للإعلام الرقمي