رزانة الشخصية العمانية

 

خلفان الطوقي

نشرت إحدى الصحف الخليجية اسم أحد العُمانيين على أساس أنَّه ممن وصفتهم بـ"مُرتزقة الإعلام"، لكني أجزم بأنَّها نشرته بالخطأ، وهذا بسبب أزمة حاصلة قبل عدة أيام بين عدة دول عربية، ولا داعي لإعادة نشر هذا الخلاف هنا، لأنه ليس صلب مقالتي، فهدف المقالة هو "دراسة حالة" للشخصية العمانية في التعاطي مع القضايا وخاصة القضايا الدولية.

تابعت تغريدة الجريدة الخليجية عندما نشرت تغريدة بقائمة مرتزقة الإعلام، لكن ما يهمني هو كيفية تعاطي وتفاعل العمانيين مع هذه التغريدة، وسوف أحاول أن أجعل هذه المقالة كدراسة حالة للشخصية العمانية للأغلبية منهم على الأقل، ففي هذه السطور سوف أحاول أن ألخص ما وجدته.

فقد وجدت تفاعلاً إيجابياً من المغردين وعدم تصعيد للخلاف والابتعاد عن العدائية والخوض في المهاترات العقيمة وتجاهل من يحاول إيقاعهم في مصيدة التلاسن، وجل المُغردين حاول إزالة اللبس الحاصل دون تشنج بل كان ذلك برقي وإقناع من خلال المنطق.

مؤشرات إيجابية تدل على رزانة الشخصية العُمانية وعلينا المحافظة عليها، وهي مستمدة أولا من خلق ورقي خير الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، أضف إلى ذلك رزانة وحكمة سلطان عُمان المفدى قابوس بن سعيد حكيم العرب راعي السلام، ونحن أبناؤه وخريجو المدرسة القابوسية العريقة. فنتاج الشخصية العمانية لم يأت من فراغ، فالناظر إلى تاريخ عمان سيجد أنَّ العمانيين على مر التاريخ لم يكونوا غزاة بل مدافعين عن أرضهم وملبين الدعوة لمبادرات السلام وتضييق وحل الخلافات بين الأمم، واستمر هذا النهج في سياستنا الخارجية الحالية الهادئة والرزينة والمحايدة والمحافظة على الثوابت المعروفة والتي رضعناها منذ نعومة أظافرنا ومن ضمنها عدم التدخل في شؤون الغير وعدم السماح للغير بالتدخل في شؤوننا، ودائما تدخلنا يكون بدعوة من الغير للإصلاح والتعاون في كل ما ينفع الإنسانية ويرفع من شأن البشرية، الرزانة تعلمناها في بيوتنا ومجالسنا التي تسمى(السبلة) التي كانت تجمع الصغير والكبير والقريب والبعيد ومكاناً لتنمية وتعزيز الحوار المجتمعي اليومي.

الشخصية العمانية الرزينة هي نتاج عوامل ولم تأت من فراغ، وما علينا الآن إلا أن نُعظم الفوائد التي جنتها عُمان وشعبها من هكذا توجه، فإن كانت شخصية العماني متهورة ومتطفلة وخفيفة ستجدها متصدرة في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، لكنها لن تكون متصدرة بشكل إيجابي بل سلبي وفي مهاترات عقيمة تبحث عن الفرقعات الإعلامية الفارغة.

الرزانة في شخصية العُماني انعكست في سياسة بلده، وبسبب هذه السياسة الحكيمة والرزينة الهادئة فإننا نجني فوائد أهمها وكما أعلنها السلطان حاكم البلاد منذ توليه مقاليد الحكم وفي أكثر من خطاب أن حلمه بأن يجد كل البلدان التي في الخريطة أصدقاء لعُمان، وهذا ما نراه واقعا حاضرا ولله الحمد، فتكوين الصداقة يحتاج لعمل مضنٍ، أما الشقاق والعدوات فلا يوجد أسهل منها.

ما علينا الآن إلا أن نُحافظ على حكمتنا ورزانتنا ونغرسها في أجيالنا الحالية والمستقبلية، ولنمضي قدما في بناء عمان والتفاعل مع القضايا الدولية وفق ما جنيناه من المبادئ القابوسية وما تعلمناه من قيم (سبلنا) الراقية. وعلى جهاتنا الحكومية كوزارة التربية والتعليم والهيئة العامة للتلفزيون والإذاعة وباقي المعنين تأطير هذه الممارسات والقيم والمبادئ وغرسها كبذور في مناهجنا التعليمية وبثها في وسائل الإعلام المحلية المختلفة لتكون جزءًا لصيقاً بممارستنا اليومية.