رمضان آت.. فبّدل بالسيئات الحسنات

 

 

حمد بن سالم العلوي

تُرى ما الذي يجعل الناس يظنون أنّ بطونهم تتسع في رمضان، فتجدهم يُفرغون المحلات التجارية من المواد الغذائية، وإن كان بعضها لا يدخل هذه المنازل إلا في رمضان، فتتحول البيوت إلى مخازن كبرى للمواد الغذائية؛ بينما الأصل يدعو إلى الإحساس بالجوع والعطش، وذلك لتهذيب النفس وجعلها تشعر بمعنى العطش والجوع مع الناس المعوزين، وبهدف الإحساس بقيمة نقص الغذاء مع الفقراء، لأنّ الكثير من الفقراء والمساكين في بقاع الأرض، يتضورون جوعاً وعوزاً، ولكن هذه الحكمة الرمضانية تفقد قيمتها ومعناها مع الناس اليوم، ذلك عندما يصابون بالتخمة والشبع طوال شهر رمضان.

فبإذن الله تعالى سنكون في مثل هذا اليوم من الأسبوع القادم، قد قطعنا خمسة أيام تقريباً من شهر الصوم، ولكن يا ترى هل أثمنا فيهن إثماً بلا قصد؟! نعم قد نأثم بلا قصد، ومن غير أن ندري إذا نحن أسرفنا في الطعام، وتناسينا حكمة الصيام وروحانية الشهر، وتمادينا في الأخذ أكثر من حاجتنا من الطعام، وكذلك إذا بالغنا في الأصناف دون حاجة ملحة لها، وإنّما مباهاة بين ربَّات البيوت، وأحيانا أخرى يأتي الإسراف من أرباب هذه البيوت، وليس من ربّاتها وحدهن، لأنّ مسؤولية كبيرة تقع على الأرباب دون الربات من النساء، وذلك عندما يسرفون في الدعوات الرمضانية، فيحولون المنازل إلى مراكز حاتميّة للكرامة والوجاهة في وجوه النّاس، وذلك عند المبالغة، وليس في وجه لله وهو ربّ الناس جميعاً، وليس جهداً في إفطار صائم مستحق.

كما إنّ هناك صنفاً آخر من الناس، يقضي ليله بين مضارب الشيشة والتدخين، ويحتفى بالشهر الفضيل بالمعسل والمغسل، وعلى الرقص والعزف والغناء والدندنات، وكأنّه يقصد عمداً حرف الناس عن المشاعر الروحانيّة للشهر الفضيل، فلا ذكر ولا فكر ولا عبادة تليق بشهر رمضان، الذي يأتي زائراً في السنة بثلاثين يوماً أو أقل بيوم، وكأن ما مجموعه 323 يوماً قمرياً عدا شهر رمضان، لم تكف للهو والترف، ومشاغلة النفس بأمور الحياة، وقد أكرم الله الإنسان بهذا الشهر العظيم، لكي يطهر نفسه من ذنوب عام مضى، ولكن يحدث العكس، فبدلاً من أن تتناثر الذنوب تتضاعف بكثرة الخطايا، والناس في غفلة نتيجة دِعة العيش.

أليس من الظلم أن تبيت شبعاناً، وغيرك يفطر على الماء وبعض التمرات، وطبعاً التمر يُعد نوعاً من الترف مع بعض الشعوب، ثم أليس قبيحاً أن يرمى بالأكل الزائد في مجمعات الزبالة، وهناك من يبحث عن كسرة خبز في مجمعات القمامة، ونحن ننتخي بأننا مسلمون، وليس ذلك فحسب، وإنّما البعض منّا يصطفي لنفسه النوع الممتاز من الإسلام لنفسه، وينعت غيره بالإسلام العادي، أو ما دون العادي؛ في حين تقتل شعوب مسلمة من الجوع، أو بالحروب في رمضان وغير رمضان؛ وبأيدٍ من أصحاب الإسلام الممتاز.

إذن أخي المسلم، فلنتفكّر في الذي قاله الداعية الإسلامي (محمد النابلسي) إنّ الكافر العادل خير وأحب إلى الله من المسلم الظالم، وهذا كلام يوافق العقل، وقد يتحمّل هذا صاحب الإسلام "الممتاز" وزر بقاء الناس على الكفر، لأنّه عمل الأفعال المنفرة من الإسلام لعدم إنسانيتها، الأمر الذي جعل هذا الإنسان الذي على غير ملة الإسلام، لا يرغب في اعتناقه؛ لأنّه يأتي أفعالاً ظالمة تخالف الفطرة السوية للإنسان العاقل، وبعضنا قرأ في التأريخ كيف كان الناس يدخلون الإسلام؟ فقط بالقدوة الحسنة، عندما كان الإسلام مشمولاً بالعدل، وحسن الخلق والأمانة وحسن المعاملة، فكان الناس يدخلون إلى الإسلام أفواجاً أفواجاً، وما كانوا يحتاجون إلى دعاة يرشدونهم إلى محاسن الإسلام، وإنما يرقبون أمانة الناس، ودماثة أخلاقهم وطيبة أنفسهم، وهذا ما يشهد به الناس في إفريقيا وشرق آسيا، أمّا إسلام أوروبا ذات خمس نجوم فلم يدم طويلاً، لأنّه كان لأطماع أخرى ليس منها وجه الله.

وإذا نظرنا إلى الجوانب الصحيّة لفضيلة الصوم، سنجد أفعالنا تخالف الذي أتى شرحاً عنه فيما نشرته مجلة "صحتنا" التي تصدرها جريدة الوطن العُمانية، فقد اختصرت هذه الفوائد في عشر نقاط للصيام، حيث قالت إنّ الصيام يساعد على: تعزيز إزالة السموم، ويعمل على إراحة الجهاز الهضمي، ويساعد على علاج الإلتهابات، ويساعد على خفض مستويات السكر في الدم، ويساعد على حرق الدهون، ومفيد لمرضى ارتفاع ضغط الدم، ويحفز على خفض الوزن، ويعزز العادات الغذائية الصحية الصحيحة، ويعزز الجهاز المناعي، ويساعد على التغلب في ترك بعض العادات السيئة، كالتدخين بأنواعه، وإدمان المشروبات المحرمة والضارة بالإنسان وجسمه.

فهل نجعل من رمضان نقطة تحوُّل في حياتنا الإنسانية والسلوكية؟ أم سنظل ننظر إلى رمضان على أنّه مناسبة سنوية للخمول والترف المعيشي، وفترة تزدهر فيها التجارة الغذائية، والملوّثات اللونية في المأكولات والمشروبات، وهدر نعم الله في غير مكانها الصحيح، ألا وهو مكب النفايات، وهدل الكروش وترهل البطون، ومضاعفة الذنوب والخطايا، اللهم أهدنا في من هديت، وعافينا وأعفو عنا يا رب العالمين.. وكل عام وأنتم طيبون بمناسبة قدوم شهر رمضان.. شهر الصوم والغُفران.