عُمان على طريق الحرير..!

حاتم الطائي

تَطْرَح مُبادرة طريق الحرير الجديد "حزام واحد طريق واحد" الكثيرَ من الرؤى المستقبلية للتنمية الاقتصادية في العالم؛ نظرًا لما يُترقَّب أنْ يَحْدُث من تغيير بخريطة التجارة العالمية، في ظلِّ نزوعِ الإدارة الأمريكية الجديدة إلى تكبيل منظومة التجارة الدولية بسياسات حمائية أكثر انعزالية. فالمبادرة الصينية تستهدف تفعيلَ ممرَّات ربط دوائر النشاط الاقتصادي في آسيا بأوروبا والقارة السمراء، بما يَصبُّ في صالح تأسيس قاعدة أكثر انفتاحاً وكفاءةً للتعاون الدولي، وتكوين شبكة أكثر قوَّة من الشرَاكَات متعددة الأطراف، وهو في رأيي ما يُفسِّر ضَخَامة الميزانية المرصودة لإنفاذ المبادرة على أرض الواقع.

المبادرة الجديدة التي تتبناها دولة صاحبة اقتصاد قوي كالصين، ليست مجرد توجُّه لتسهيل وتوسيع حجم التجارة بين الأقاليم والدول المندمِجَة؛ بقدر ما تنطوي على أبعاد إنمائية ومكاسب اقتصادية للدول النامية الواقعة على الطريق؛ من خلال دعم مشروعات البُنى الأساسية وتنميتها؛ وهو ما يُكسبها ميزة الاختلاف عن نمط المبادرات والمشروعات التى طرحتها الدول الغربية خلال العقود السابقة؛ سواء على المستوى السياسي، أو الاقتصادي والثقافي. ومَيزة أخرى للمبادرة يُمكن توظيفها في تعزيز التدفُّق التجاري؛ حيث يبلغ عدد سكان منطقة الحزام 3 مليارات نسمة، وحجم السوق هائل للغاية، وهو ما يتطلب من الأطراف مُناقشة واتخاذ الترتيبات المناسبة وتعزيز قضايا تسهيل التجارة والاستثمار.

إنَّ انطلاقة طريق الحرير الجديد من الموانئ الساحلية بالصين إلى المحيط الهندي، مرورا ببحر الصين الجنوبي، وامتداداً إلى أوروبا؛ وكذلك من الموانئ الساحلية بالصين إلى جنوبي المحيط الهادئ عبر البحر الجنوبي، تَفْتَح المجالَ واسعًا أمام استفادة السلطنة من هذا التحوُّل المثمر في خريطة التجارة العالمية، ويشرع الباب أمامها أيضًا لمزيد من الفرص إذا ما أُحسن قراءتها مُبكرًا، واتخاذ التدابير اللازمة لاستثمارها؛ سيما وأنَّنا اليوم نشهد تحوُّلاً إيجابيًّا في طرق التعاطي الحكومي مع المستجدَّات، وتقولب أفكار التنمية في بوتقة المواكَبَة؛ مما يجعلنا على أهبَّة الاستعداد لاستقبال الاستثمارات العالمية الجديدة التي ستُوفِّرها هذه المبادرة.

استفادة عُمان من الطريق الجديد -بناءً على موقعها الإستراتيجي المتميز- سيُسهم بشكل فاعل في تعزيز مكانتها كمركز اقتصادي ولوجستي مهم، ويفتح الطريق أمامها لبناء شراكات وتحالفات اقتصادية تجعلها -أكثر من الوضع الحالي- دولة محورية وفاعلة في التجارة الدولية، ومَعْبَرا لحركة التجارة من بلاد التنين إلى مُختلف دول العالم، كما أنَّ مركزًا لوجيستيًّا واعدًا كالدقم، يُعظم الطريق من دَوْرِه أيضًا؛ إذ سيزيد من عدد السفن المستفيدة من خدماته، خاصة في ظل وجود حوض جاف يُقدِّم خدمات على أعلى مستوى، وهو ما يَسْتَدِعي الدعوة مجدَّداً لسرعة إنجاز خطط تحويله إلى مركز لوجستي متكامل، لضمان رفع مستوى دعمه لمعدلات الدَّخل الوطني، كما ستتهيَّا فرص جديدة لتوفير شواغر للباحثين عن عمل، وكل هذا سيُسهم في إسراع وتيرة تحقُّق الآمال المعقودة على مساهمة القطاع اللوجستي في التنمية المستدامة.

خارطة المشروعات المرافقة لإحياء الطريق -والتي من بينها: شبكة سكك حديدية، وطرق سريعة، وخطوط أنابيب للغاز والنفط، وشبكات كهرباء وإنترنت- ستساعد السلطنة على تمتين عُرى التعاون مع بكين، التي تعدُّ أكبر مستورد للنفط العُماني؛ وهو ما يضمن وضعًا استثنائيًّا للسلطنة في الإستراتيجية الجديدة، التي سيكون له أثرها في توسيع حجم الاستثمارات الخارجية والمشروعات التجارية المتبادلة مع دول العالم.

وفي أحد جوانب الاستفادة من المبادرة الجديدة، وباعتبارها أيقونة سلام، فإنَّ السلطنة ستكون أمام مهمَّة دبلوماسية أكبر خلال المرحلة المقبلة لحلحلة التوترات الإقليمية، خصوصا وأن المبادرة تعدُّ خطة طويلة الأجل من أجل تعزيز التنمية الاقتصادية، بما يعني تخفيف حِدَّة الفقر والتخلص من البيئة الحاضنة للتطرف وبالتالي تجفيف منابع الإرهاب؛ وتجميع المنظمات المحبَّة للسلام -وعلى رأسها عُمان بكل تأكيد- لتدعيم المصالحة الإقليمية تدريجيًّا عن طريق التنمية، وكذا التبادلات المتوقَّعة بين المراكز البحثية في الصين والدول العربية، وهو ما سيكون له دور جلي في إنجاح المبادرة؛ ليس باعتبارها آلية تعاون اقتصادي وتجاري فحسب، بل كآلية تبادل ثقافي وحضاري وأمني أيضا.

.. إنَّ رسم ممر نحو المزيد من التكامل في طريق الحرير الجديد، سيكون إجراء ذا تأثير على تخفيف تداعيات العولمة الأمريكية، وسيكون الرابح الأكبر ليس الصين وحدها وإنما الدول العربية عموماً، والخليج على وجه الخصوص، والسلطنة بصورة أكثر تخصيصًا؛ إذ ومع استمرار نمو الطريق في الشرق، ستزداد الاستفادة من الفرص التي يُتيحها؛ شريطة توافر الرُّؤية بعيدة المدى ابتداءً، لتقديم قراءة تفصيلية لإيجابيات المبادرة، وَمن ثمَّ الإرادة الحقيقية في استثمارها، وبناء خطط عمل تتوازى وحجم الاستفادات المرجوَّة، إذا ما أردنا خروجًا حقيقيًّا من خانة "المتفرِّج" على القطارات المحمَّلة بالبضائع وهي تمرُّ فوق طريق الحرير -عبر أراضينا- إلى أوروبا؛ لنكون على مَتْن القطار، أو رُبَّما في قمرة القيادة.