أين الراي الآخر؟!

 

د. عبدالله باحجاج

تابعنا الحلقة الأخيرة من البرنامج التلفزيوني "رؤية اقتصادية"، وقد خصصت لموسم خريف ظفار 2017، فوجدناها تحولت إلى حوار سلطوي سلطوي بين السياحة والبلدية من زاوية واحدة لا يمكن أن تأتي بحلول ناجعة، كما يقول أحد المتفاعلين معنا في فيسبوك، واسمه محمد جداد، أو كما يقول آخر واسمه، أبوعدي الشحري، إننا نفتقد الرأي الآخر في إعلامنا، وأنه يجب الاعتراف بالخلل الموجود، ومثل هذه التفاعلات تعكس لنا في المقابل مؤشرات وعي الرأي العام في بلادنا الذي يبدو أن بعض برنامجنا الإعلامية لا تراعيه، أو تعتد به.

فلماذا تم تغييب الرأي الآخر في هذه الحلقة؟ حتى المطوِّرين والمشغلين في القطاع السياحي الذين تمّت الاستعانة بهم لم يضيفوا رؤى اسشترافية أو تحليلية يمكن الاستفادة منها لتطوير قطاعنا السياحي، وكانت جل مداخلاتهم تصب في منظور القطاع الذي يمثلونه، فغيب الشركاء الآخرين الذين يمثلون قطاع العمارات والشقق الفندقية إلى جانب تغيب الرأي الآخر الذي يمثل المُجتمع، مما خرجت الحلقة برسم صورة ذهنية لا تعكس كل الواقع، رغم أنه أي الواقع فيه من الإشكاليات التي ينبغي إثارتها الآن قبل أن تصنع لنا مشاكل في ذروة الموسم السياحي المقبل، وكانت هي الجديرة بالطرح، لاستدراكها قبل وقوعها أو على الأقل العمل على تخفيف حدتها، فلماذا الخوف من الرأي الآخر؟

منذ أن علمنا بالحلقة في توقيتها، رأينا فيها رؤية نافذة، اعتقدنا أنّها مستهدفة لذاتها لتقييم كامل الاستعدادات للخريف المقبل، خاصة وأنّ هناك قرابة شهر ونصف الشهر تفصلنا عنه، ولو كانت ذلك، فستكون قد ارتقت إلى مستوى وعي إعلامي رفيع، وصنعت ممارسة مهنية لدور إعلامي يمارس الرقابة والتقييم على الجهود من أجل تفادي السلبيات قبل وقوعها، حتى لا تقع، خاصة وأنّ برنامج التنويع الاقتصادي يحتم مثل هذا الدور الإعلامي، فغاب الرأي الآخر، وساد الرأي الأوحد، لذلك، غابت قضايا مهمة عن حلقة الرؤية الاقتصادية، فالظرفية الراهنة كانت تحتم مناقشة الانتهاء من جسري اتين وأم الغوارف، وتداعياتهما على حركة المرور في الخريف المقبل خاصة على دواري برج النهضة وريسوت، وإشارات مرور القريبة من مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار، فإلغاء مشاريعها المتزامنة مع الجسرين سالفي الذكر، أو عدم اعتبارهما كحزمة واحدة منذ بداية المشروع، يخلق منذ الآن حالة ازدحام مرورية، فكيف بها في الموسم السياحي المقبل؟

من هنا كان على هذه الحلقة أن تبعث برسالة لصناع القرار لتفادي ما يمكن تفاديه فورًا قبل استفحال هذه المشكلة، لن ننكر أهمية الجسرين، لكنهما لوحدهما لن يحلا المشكلة، بل إنها ستتفاقم أكثر، وكل من يريد أن ينظر لها من الآن، فعليه أن يعبر طريق الرباط في الساعة السابعة والنصف كل يوم عمل رسمي، وتصوروا لو أنّ هذه الحلقة قد رصدت بالصور هذا الازدحام، وعرضتها للنقاش؟ ماذا سيكون؟ كلنا يقين أنّها ستحرك الحلول العاجلة، المؤقتة الآن حتى الانتهاء من خريف 2017، والدائمة بعد الخريف؟ وهذا للأسف لم يحدث، فغيّبت هذه القضية، ولم يتم ذكر إلا الجسرين فقط ومن المنظور الإيجابي، لأنّ الحوار كان ثنائي السلطة، كما لم تأتِ هذه الثنائية السلطوية على ذكر طريق نزوى ثمريت، وقضية الضحايا التي تسقط فيه كل خريف.

كما لم تأتِ على ذكر المطالب السياحية بإقامة مدينة ألعاب على مستوى عالمي في صلالة، ولا تحديد موعد نهائي لإقامة التلفريك في المناطق السياحية، وما أكثرها، كما أنها لم تقدم رؤى لكيفية تفعيل الدور السياحي لبقية ولايات ظفار، كما غاب عن النقاش، فتح قضايا كبرى، كقضية حجز الأراضي السياحية دون استثمارها حتى الآن - افتلقوت نموذجا - وتعطيل المشاريع السياحية الكبيرة - الحافة والسودة بجزر الحلانيات انموذجا - وهذا يعد قفزًا فوق الواقع الذي يثير استياء المجتمع المحلي، فلماذا قفزت هذه الحلقة فوق ما يشغل الرأي العام؟ السبب غياب الرأي الآخر.

كما تجاهلت الحلقة، قضية إقامة المواطنين الكثير من العمارات الفندقية، وركّزت فقط على نقص الغرف الفندقية، السبب أنّها رأت بعين واحدة، لغياب الرأي الآخر، علمًا بأنّ البحث في اقتصاد العمارات الفندقيّة الراقية، وكيفيّة جذب الزوار والسيّاح لها، يحتاج لذاتها حلقة خاصة في ضوء القلق الذي ينتاب المواطنين من عدم الاستفادة منها خاصة بعد إقامة عمارات فندقية عديدة، ستدخل لأول مرة في خريف 2017، ولم يتم التعاطي مع هذه القضية أبدا، وهي قضية ساخنة جدا، وتثير الآن إشكاليات كبيرة، ناجمة عن حالة الكساد التي تعاني منها، وعلى العكس، فقد خرج من هذه الحلقة رسالة سلبية تفيد بنقص الغرف في الفنادق القائمة، وتطالب بالنمو السريع فيها، مما قد توحي بتوقع أزمة إيواء خلال الموسم المقبل، وهذا غير صحيح تماما، فمن الملاحظ، مدى حجم إقبال المواطنين على الاستثمار العقاري عن طريق الديون، وكلهم أمل كبير في جني عوائدها بدءًا من خريف 2017، فكيف غيبت هذه القضية كذلك؟ وهذا كله يظهر لنا أن حلقة الأمس لم تكن في مستوى التحديات التي ستواجه خريف 2017، وتوصف بأنّها قفزت فوق المشاكل الحقيقية لبقاء الوضع كما هي عليه.

من هنا تظهر لنا الحاجة القصوى إلى برامج إعلامية تخصصية في القطاع السياحي في بلادنا بعد أن أدرج قطاع السياحة ضمن خمس قطاعات استراتيجية لتنويع اقتصادنا، بل أدرج من ضمن الثلاثة قطاعات الأولى بالرعاية والاهتمام، فمثل هذه البرامج ستزوّد الجهات الحكومية والخاصة بالأفكار اللازمة للتطوير، عبر الاستعانة بالخبراء في قطاع السياحة عالميين ومحليين، وستقيم الإنجازات المتحققة أولا بأول، بمهنية بمعزل عن أيّة حساسية قد تحرج المسؤولين والتي تغرق فيها بعض البرامج على حساب قضية التطوير نفسها، ومن هنا، سيرتقي الأداء الحكومي الجماعي والفردي، وسينعكس ذلك إيجابًا على قطاع السياحة كإحدى أهم مصادر الدخل المضمونة، فبلادنا في حاجة الآن إلى خطوات متسارعة في سباق خارطة السياحة العالمية، ولديها كل المؤهلات لهذا السابق، فقط نحتاج لأفكار جديدة، وتسخير إمكانيات بلادنا الكبيرة، ورقابة متعددة، منها رقابة السلطة الرابعة.