الوطنيَّة.. بين الزيف والحقيقة

سُلطان الخروصي

"الوطنية" مصطلح شاع وذاع في الوسط الثقافي والاجتماعي، فُسِّر بوجهات ومشارب عدة، بعضها سليم وجلها سقيم؛ فحينما تنتقد الحكومة برؤية تصحيحية مقصدها التقويم والتطوير، ألصقت بك تهمة الساخط والجاحد و"غير الوطني"، وإن أثنيت على عمل مشهود قام به مسؤول أو مؤسسة حكومية أو خاصة، علق على جبينك وصمة المطبلين.. فما الفارق بينهما؟ وما دلالات ومؤشرات كلٍّ منهما عن الآخر؟

دَعُوْنا نتفق أنَّ الوطنية هي مصطلح مقدس تُبْنَى بأدبياته ومفصاله ملحمة الاستقرار الوطني والاجتماعي والثقافي والإنساني؛ فطالما تغنت أمم وحضارات بوطنيتها بعيدا عن تباين أصولها وأجناسها وألوانها، لتجمعهم جنة الوطن والدفاع عنه بكل ما تملكه الشعوب الفقيرة منها والغنية؛ فهي شعرة معاوية التي تتشبث بها الإنسانية للحفاظ عن اللحمة والتجانس، لكن ومن المفارقات أن يتم تحوير المصطلحات وتجريدها من حقائقها والنيل من قيمة الأقلام والشخوص بحجة "اللاوطنية"؛ فهل هي سلعة في المزاد يُناَدى بها حسب أهواء المراهقين والمرتزقة؟!!

كثُرَت في الآونة الأخيرة -وعبر مواقع التواصل الاجتماعي- مسألة التخوين والمساس بقدسية الناس والطعن في انتماءاتهم النزيهة بمبدأ "معي أو ضدي"، فشهدنا في الساحة العمانية تهميش المجتمع لبعض الأقلام اللامعة ولبعض المسؤولين بالدولة، وكذلك بعض الشخوص الذين لهم وزنهم الدعوى والتوعوي بزعيق بعض كبراء المجتمع والذين يجرون وراءهم قطيعاً من القوم ولسان حالهم "ربنا كما خلقتنا"، فشهدنا تكسيرا لقِيْمَة جُملة من العلماء والمثقفين وتجريدهم من وطنيتهم الأصيلة؛ لأنهم يحدون عن أهواء النافذين في المجتمع، فشهدنا طبولا تقرع على رؤوس الناس أمام كل زلة يقوم بها من له وزنه الاجتماعي والسياسي والثقافي.

وبالمقابل ليس من الصواب في شيء أنْ يُسلَّط القلم نحو تلميع صورة عورات العمل الركيك من المؤسسات الحكومية والخاصة، والتي تمس حاجة الناس ومعيشتهم، فنَقْد القصور الذي يعيشه المواطن ظاهرة صحية لا يجوز أن "تلزق" على أثرها لفظة "الجاحد" و"غير الوطني"، كما أنَّ الأخذَ بِيَد المسؤول أو المثقف أو الكاتب وتحفيزه في إظهار محاسن الناس وعملهم في أداء واجباتهم بأكمل وجه، ليس من باب "التطبيل" بقدر ما هو قائم على مبدأ "من لا يشكر الناس لا يشكر الله".

نحن بحاجة ماسة إلى وضع المصطلحات في موقعها الصحيح دون الوقوف على شفا جرف التبعية؛ فالمجتمع العُماني أصْبَح على درجة عالية من النضج والوعي بما يحيط به وما يدور في بيته الصغير، فليس من الصواب أن يتجرَّع ازدواجية المعايير وخلط المصطلحات وإلقاء التهم جزافاً بالمطبل أو تجريدهم من وطنيتهم، فمن سمع ليس كمن رأى، فإحكام العقل هو ذروة سنام الإنسان السوي. ودمتم بود....،