الهدية التذكارية لراعي الحفل .. ضرورة أم ترف!

سيف بن سالم المعمري

كثيرة هي الممارسات الخاطئة في مؤسساتنا الحكومية التي تتعدى على حرمة المال العام، وتتسبب في أعباء مالية على ميزانية الحكومة أولاً، والمؤسسات ثانيا، ومن بين تلك الممارسات الخاطئة وهو العرف المقيت الذي اعتادت عليه مؤسساتنا من خلال رصد مبالغ كبيرة لتصميم وتجهيز الهدية التذكارية لراعي الحفل، والتي قد تتجاوز مئات الريالات في أغلب الأحيان، وتتفاوت من حفل إلى آخر، ولا يُوجد لها معايير تُحدد سقفها الأعلى ولا حدها الأدنى سوى قناعات وميولات من يقف على رأس الهرم في تلك المؤسسة، فقد تكون لاعتبارات شخصية وقد تكون لاعتبارات وظيفية وقد تكون غير ذلك، كما إن البعض يُحدد الهدية بالمستوى الوظيفي لراعي الحفل، فهدية الوزير قد تختلف عن الوكيل وهكذا.

والهدية التذكارية حينما تذهب إلى راعي الحفل، هل ستكون ملكا شخصيًا يُنقلها إلى منزله، أم ستبقى ملكاً للمؤسسة التي ينتمي إليها، وفي الحالتين لمن أهدى، ولمن أهديت له الهدية، أليست المبالغ التي صرفت على الهدية هي إحدى أدوات المال العام، وهل هناك هدايا تذكارية يصرفها المسؤولون من أموالهم الشخصية ليهادوا بها أقرانهم عند رعايتهم للاحتفالات ولقاءاتهم الرسمية.

وقد يرى البعض أن هناك مبالغة في طرح هذه القضية، وأقول في ذلك، لو كان الأمر حدثاً عابراً في مؤسساتنا لبحثنا له عن علة، ولكن الفعاليات والبرامج والاحتفالات التي تقام في جميع مؤسساتنا الحكومية تتجاوز المئات في مؤسسات مُعينة، وتصل إلى الآلاف على مستوى جميع مؤسسات الدولة في كل عام، وجميع تلك الاحتفالات التي يتم فيها تقديم هدية تذكارية لراعي الحفل، ولو افترضنا بمعادلة بسيطة، أن الحد الآدني لكل هدية 100 ريال عُماني، وضربنا قيمة تلك الهدية في آلاف الهدايا، فكم أنفقت مؤسساتنا من ميزانياتها للهدايا التذكارية؟

وقد جاء النهي عنها في السنة النبوية الشريفة، ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: "استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة، فلما قدم قال: هذا مالكم وهذا أهدي إليَّ. فقام النبي صلى الله عليه وسلم فصعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال العامل نبعثه فيأتي يقول: هذا لك وهذا لي؟ فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأتي بشيءٍ إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيراً له رُغاء أو بقرة لها خُوار أو شاة تيعر…" (رواه البخاري ومسلم). والرُغاء: صوت البعير، والخُوار: صوت البقرة، واليُعار: صوت الشاة.

وعطفاً على ما ذكرته في مقدمة المقال، فهناك الكثير من المسؤولين الذين تتم دعوتهم لرعاية الاحتفالات ولا يحبذون عُرف الهدية التذكارية، ولا ينكرونها، ويحاولون المشي مع ركب العرف المقيت، وقد انتشر مقطع في وسائل التواصل الاجتماعي لأحد أصحاب المعالي الوزراء ذات مناسبة، رافضًا لهدية تذكارية عبارة عن لوحة فنية بأنامل طالب لم يتجاوز الخامسة عشرة من العمر وحاول أهدائها لمعالي الوزير، ورفض الوزير الهدية متعللا بعدم رغبته فيها، ولا يوجد لها مكان عنده!

ولقد سعت الحكومة خلال العامين الماضيين إلى التخفيف من حدة تأثيرات انخفاض أسعار النفط، واتخاذ إجراءات احترازية في عدد من مجالات الإنفاق الحكومي غير الضرورية، لكنها لم تشمل -تلك الإجراءات- إعادة النظر حول الهدايا التذكارية التي تقدم في الاحتفالات الرسمية في المؤسسات الحكومية؛ لعدم ضرورتها، ولأنها ترف، وهي الأجدر باتخاذ إجراء المنع القطعي فيها.

فالنظرة إلى راعي الحفل في المؤسسات الحكومية أياً كانت مكانته من الناحية الاجتماعية أو الوظيفية أو أي اعتبارات أخرى، على أنه ضيف على المؤسسة وتكريمه بهدية تذكارية كضرورة تقتضيها الأعراف المؤسسية، يجب أن تلغى من قواميس المؤسسات، وتستبدلها بمفاهيم المشاركة والتكامل والتعاضد وتغليب المصلحة العليا للوطن، وأن ما يقوم به راعي الحفل من تجشمه لعناء السفر أحياناً، ما هو إلا مثلا رائعا للمفاهيم التي سبق ذكرها، وإن مشاركته في الاحتفال تعبيرا صادقا عن حبه وانتمائه لوطنه ولجميع مؤسسات الدولة، وتحفيزا للمخلصين المحتفى بهم، وإنِّه في غنى عن تلك الهدية.

فبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت.

[email protected]