اضرِبوُا بيدٍ مِن حَدِيد

 

سلطان الخروصي

 

يُعد الاستهلاك اليومي غرض أساسي للبشرية في جميع أصقاع العالم؛ فحينما يقصد المرء لاقتناء غاية مُلحّة كالطعام أو الشراب أو الملبس أو المسكن أو الدواء أو لحاجات غير مُلحّة كصنوف الرفاهية المتنوعة فإننا بذلك نعني الاستهلاك بمفهومه الدقيق الذي يعيه عموم الناس، وفي العُرف الاقتصادي يُستَوحى ماهيته بأنه استنزاف للسلعة أو الخدمة عن طريق الاستخدام، وقد وصفه الفيلسوف الأسكتلندي آدام سميت (Adam Smith) وهو أشهر رواد الاقتصاد السياسي الحديث بأنه "الهدف النهائي للإنتاج"، وبذلك نتفق أن الاستهلاك مساٌ واضح للإنتاج بصور وأشكال متباينة، إلا أن تلك الغاية ترتبط ارتباطا وثيقا بمتانة الاقتصاديات الوطنية، كما أن جودة الاستهلاك لا تتحقق إلا بوجود قاعدة عريضة للوعي الاستهلاكي من قبل المستهلكين أنفسهم؛ فلا يمكن أن تُلجَمَ طموحات المستثمرين والتّجار عن جني أنهار من الأموال إن كان المستهلك لا يعي أبسط المفاهيم والمفردات والسلوكيّات الاستهلاكيّة التي تحفظ حقه وتصون العمود الفقري للدولة من التهشّم والصدمات التي قد تؤول في نهايتها إلى ترهل فاحش نحو البطالة والعجز المالي لميزانية الدولة والتي ستنعكس حتماً بصورة سلبية على الطموحات والمشاريع التنموية الوطنية.

إن المُتتبع لمؤشر استشعار الغشّ التجاري في عُمان بعد ولادة الهيئة العامة لحماية المستهلك يلحظ أنّه يسير بوتيرة سريعة نحو استكشاف مملكات من (المافيا) الاقتصادية التي تنخر أعمدة الاستقرار الاقتصادي للبلاد لتخلق بلبلة اجتماعية وشرخا عميقا في ثقة المواطن بمؤسسات الدولة المتنوعة فمن يتابع الإحصائيات المرفقة بموقع الهيئة العامة لحماية المستهلك يلحظُ أنّ الأرقام والإحصائيات تُظهر لنا مدى التغلغل الاستعماري لمافيا المال على حساب المُستهلك لدى كثير من المستثمرين والتُّجار سواء كانوا محليين أو وافدين، فأمام ثقة المُستهلك بأرباب الاقتصاد في البلاد إلا أن بعض النافذين في الطرف الآخر لم يولوا أي اهتمام بالمستهلك؛ ولا أدلَّ على ذلك ما شهدناه مؤخرا في قضايا الرأي العام التي تهدد الأمن الغذائي والصحي كالبوح عن كميات مهولة من الأدوية المنتهية أو غير صالحة للاستخدام الآدمي، وقبلها قضية حلويات الأطفال المغشوشة، والسلع المُقلَّدة لدى بعض الوكالات، والكشف عن أكثر من (100) ألف سلعة منتهية الصلاحية تُضخّ في بطون المُستهلكين، ناهيك عن عشرات الاستدعاءات للسيارات وكل استدعاء يضمُّ بين جنباته عشرات السيارات، وقضية الأرز الفاسد وما خفي كان أعظم،  فكل ذلك يضع للمستهلك إحداثيات مُهمّة تُنبِئهُ بخطورة وضعه المعيشي واستقراره الأسري والاجتماعي فلا يكون (بقرةً) حلوباً مُدللة تدر أموالا بذخا بغير وجه حق قد تُصيبه بعد حينٍ في مقتل بماله أو صحته ليرمي بعد ذلك "الجمل بما حمل" في ملعب "اللاعب المجهول الهويّة"،

"خيرُ النّاس أنفعُهم للناس" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.. كلمات يتزينُ بها الموقع الإلكتروني للهيئة العامة لحماية المستهلك، وهي بالمرصاد لرؤوس عُبَّاد المال الذين لا يتقون الله ولا الحس الإنساني على أكتاف الناس وحياتهم دون الأخذ بعين الاعتبار ثقة المستهلكين التي منحوها إيّاهم وأغدقوا عليهم أبابيل من الريالات، ودون الاكتراث بالتسهيلات الاستثمارية والتجارية التي قدَّمها الوطن ممثلا في تبسيط الإجراءات (المارثونية) التي يتكسر عبر قنواتها ظهر التاجر الصغير والمبتدئ، ودون الاكتراث بالمواثيق الإنسانية أو المرتكزات الدينية أو الثوابت التجارية الشريفة.

إنّ المراقب لإحصائيات (ظاهرة) الغشِّ التجاري في وطننا الحبيب وبعد سبع سنوات من النجاحات والإنجازات منذ تأسيس الهيئة العامة لحماية المستهلك (2011) نلحظ وباستغراب شديد أنّ هذا المؤشر يسير بوتيرة تصاعدية وبصورة سريعة؛ وذلك يعطي مؤشرا بيِّنًا أنّ الهيئة بحاجة أن تُغلَّظ عصاها لتضرب بيد من حديد على كل من لا يفقه للإنسانية أو الأمانة معنى ومغزى، نحن بحاجة لأن تعمل المؤسسات السيادية بشحذ الهمم نحو تعزيز القيمة السيادية والاستقلالية للهيئة بحيث تكون قلوبهم وعقولهم عصيّة على من يشحن "كرشه" وجيبه بالمال أيًّا كان المصدر، لابد أن تحدد القواعد الأساسيّة والطرق المشروعة في سبيل تقديم الخدمات والسلع بأمانة ومصداقية، فليس المستهلك مردما للنفايات، وليست أجسادهم فئران تجارب، وليست جيوبهم بقرة حلوب للمترديّة والنطيحة.

حفظ الله عُمان بسواعد هؤلاء الفتية والمستهلك الشريف، وجنَّبها شرور عُبَّاد المال على حساب الحياة الإنسانية الكريمة.

sultankamis@gmail.com