أصحاب الأذرع الأخطبوطيّة

 

 

هلال الزيدي

 

على مرأى الجميع يُباح الظلم؛ فتعجّ الأمكنة بالتصفيق، فتتكون الجماعات خلف الظالم كي ينشر ظلمه بنجاح عبر دعمها، فيتم الاستيلاء على كل شيء.. وتتوالى الشخوص لتُقدم  كقرابين؛ حتى يتم شرعنة الأمر.. وما يثير الدهشة هنا بأن تشريع الأمر لا يمثل إلا نقطة لا محل لها من الإعراب في تكوينات تلك السيطرة المقيتة التي تُرجح كفة "الأنا" أو تكالب شرذمة قليلون ليبتّوا في أمر الكثرة.. لذلك يظهر هنا "المسؤول" ذات الأذرع الاخطبوطية؛ فله أكثر من قلب وأكثر من عقل "لكنه لا يفقه بها"، ولأنّه يحمل جينات فريدة من نوعها لا يمكن أن يستنسخها العلم، لذلك تكون السيطرة وراثية ومن الواجب المحافظة عليها في سلالة ذلك المسؤول وتعميمها كتجربة ناجحة.. فيكون ظهوره مبنيا على قوة من سبقه من جماعته أو أقربائه.

ثقافة الاستيلاء والتشبث بالوجاهة- التي يُعتقد بأن المنصب هو أحد محركاتها- هذه الثقافة هي نتاج ذلك الظلم الذي ولّد سلوكيات دفعت بقيم العمل والعطاء إلى مهاوي الردى، وفي ذات الوقت تشكّل لدى من يمارس الظلم سوء الفهم في إدراك معنى التضحية، حيث وسم ظلمه بـ"التضحية" عندما تمدد وسيطر على المناصب وطفق خصفا في كل الاتجاهات دون علم أو دراية، لكنه استطاع أن يبني الفُرقة في تواجده حتى يضمن البقاء، فتسيّد وسادت أفكاره الممجوجة حتى أصبحت مضرب المثل، لتصل إلى درجة التقديس، وجمعها في كتب لتصبح دساتير يقسم عليها الآخرون لتنفيذها، وكل تلك الدساتير نظريات مقتبسة من بيئات غريبة وبعيدة عن ذلك الواقع، مما جعلها أغنية يرددها في حله وترحاله.. لكن الموسيقى فيها ناشزة.

بحسب ما هو معروف فإن الفساد بتشكيلاته المختلفة هو من يثبّت الظالم ليمارس ظلمه أينما كان تحت ذريعة "بأنه لا يوجد أحد غيره"؛ لذلك ومع انتشار صنوف الظلم والذي أصبح ضرورة تتبع من قبل أولئك الذين يسمون "متخذو القرار" فإنه جدير بالمجتمعات أن تستثمر طاقة الظالم في كل شيء لأنه يفهم كل شيء إلى جانب استغلال طاقة أولئك الذين يُسبّحون له في الغدو والآصال رجالا أو ركبانا!! لأنهم يمتلكون فن التزلف.

إن "فن الظلم" أو ما نسميه "اغتصاب الحقوق" أمسى منتشرا وبكثرة وله متطلبات وصنوف، وحتى نبتعد عن الفهم المعاكس لفظة الاغتصاب، فالمقصود هنا ليس الاعتداء الجسدي والمجرم فعله في كل المجتمعات؛ وإنما اغتصاب الحقوق بقصد وشرعية اجتماعية ومباركة من المعتدى عليه سواء كان فردا أو جماعة "مجتمع" لأنهم لا يملكون حق "الفيتو"، فانتشار هذا الفن مرهونا بمدى تطور الحضارات ونموها فكلما ارتفع مؤشر التمدن الحضاري تنوّع العمل المُكنّى  بالمؤسسي، وبالتالي تنوعت فنون الاغتصاب والاستيلاء على كل شيء له مردود مادي أو معنوي؛ وذلك حسب كثرة المناصب الشاغرة والتي لا تكون إلا لفئة قليلة أو ممن يتميز بوجود أذرع خفية له.

ويبيح هذا النوع من الظلم "التعددية"، وهي تعددية مطلوبة لا تتعارض مع حقوق المرأة التي يكون لها زوج بأذرع الأخطبوط وأكثر من قلوبه الثلاثة؛ لذلك فتكاثر عدد المغتصبين وتمددهم يشبه تماما طريقة تكاثر الأخطبوط المعروفة لدى الجميع؛ مما يعطيهم الحق في الأخذ والسيطرة.

لقد دفعت ممارسات الظالم إلى نشوء الفئوية أو ما يسمى بظهور النُخب، وبالتالي أدى إلى ضعف جودة الإنتاج؛ وتكرار المشروعات بحكم أنها مركزية المصدر، من هنا ومن الواجب المجتمعي ألا يحمّل أصحاب القرار فوق طاقتهم أو بالأحرى عليهم أن يوجهوا اهتمامتهم نحو شيء واحد وفتح فرصة منح الثقة للمحيطين.

 

همسة:

هل من الممكن تقليم أذرع الأخطبوط؟ الإجابة: نعم.. ربما، إذا قويت شوكة المجتمع!

 

abuzaidi2007@hotmail.com