المركزيّةُ لِمَنْ؟!

 

 

عديلة مال الله اللواتية

 

مهما زعمنا أنّنا نعبدُ الله الواحد، فإننا- عمليّا- لانفتأُ نتأرجحُ بين مركزيّتين؛

 (مركزيّة الله) و(مركزيّة الأنا)

بل إننا كثيراً ما نحيد عن الأولى إلى الثانية، ونبقى نصدّقُ وهْمَنا ونرفعُ قَدرَنا في مرآة أنفسنا، ونحسَبُ أننا نُحسِنُ صُنعاً.

هذا الانحياز من مركزيّة الله إلى مركزيّة الأنا يُغطّي مساحةً كبيرة من حياتنا اليومية فينسَحِبُ على خواطرِنا وهمومِنا وأفعالِنا، بينما الأيام تمرّ بنا. وثمّةُ مَظاهِر ونماذج توضّح هذا المعنى؛

١- الموظّفُ الذي لا يتوخّى الصِّدْق في عمله فيُؤخّر إنجاز معاملات الناس ويُرهقهم صعوداً ونزولاً بلا سبب حقيقي، وفي نفس الوقت يُسرع لعمل اللازم لصاحب المنصب أو لصاحب الواسطة.. فإنه يعيش مركزيّة الأنا وليس مركزية الله. ومِثلُهُ الموظف الذي يقدّمُ تقريرا طبيّاً ظاهرُهُ المرض وباطنهُ قضاء. رحلةُ استجمام أو شأنٌ آخر ينافي صدق ضميره.

٢-  مَن يُشارك الجالسين لهوَ الحديث والخوض في خصوصيات الناس التي يُرادُ لها الكتمان وما يتبع ذلك من ظنٍّ وأَحكام، ليُشبع شغَفَ اللسان.. فهو يعيش مركزية الأنا وليس مركزيّة الله.

٣ - مَن يخالف قوانينَ المرور فيتجاوز السرعة المفروضة أو يصُفُّ سيارته في مكانٍ خاطئ فيربك السير، أو يتجاوز الآخرين أثناء القيادة مغتصباً حقهم.. فهو متهوّرٌ أنانيّ يعيش مركزيّة الأنا لا مركزيّة الله.

٤- مَن اعتادَ الغضب والردّ المنفعِل لإشباع شهوة الانتقام التي تُفقِدُهُ الاتّزان، ولا يَتريّث من أجل التفاهم والتسوية.. هو إنسانٌ يعيش مركزيّة الأنا وليس مركزيّة الله.

٥- الأمُ التي تتحيّزُ لابنها المُخطئ (أو ابنتها) في المدرسة أو بيت الزوجيّة أو الأمور الأخرى.. تعيش مركزيّة الأنا وليس مركزيّة الله.

٦- مَن يُصِرُّ على خطَئهِ - مع إدراكه به - لكي يكسب الموقف، أو يُغطّيه بالتبريرات تفادياً للاعتذار مع بقاء حق الآخَر في ذمّتهِ، بينما لا يقبل نفس الخطأ من غيره.. فهو إنسانٌ قابعٌ في مركزية الأنا وبعيدٌ عن مركزية الله.

٧- ربّةُ المنزل التي تُرهِقُ عاملتَها الفقيرة الغريبة وتحاسبها بالميزان الدقيق وتنهرها على الأخطاء دونَ إدراكٍ لطبيعة نشْأتِها وضعف عقلها، ولا تجود عليها بمبلغٍ إضافي أو هديّةٍ جميلة أو ملابس جديدة أو بابتسامةٍ أو كلامٍ دافئ..  فإنها تعيش مركزية الأنا لا مركزيّة الله.

٨- من يرمي الفضَلات يُشوّه بها الطريق أو الشاطئ أو الأماكن العامة في بلده الذي هو بيتُه الكبير، فيما يحرص على إبقاء منزله نظيفاً، يعيش مركزيّة الأنا لا مركزيّة الله.

٩-  مَن يُسَوّغُ لنفسهِ الكذب تحت عنوان (الكذب الأبيض) لِيَفلت من اللّوم أو ليُسهِّل على نفسه قضاءَ شأنهِ.. فإنه يقع في دائرة الأنا وليس دائرة الله.

١٠-  مَن يرى نفسَه متميّزاً عن شخصٍ آخر في إيمانهِ أو إنفاقهِ أو علمِه أو ذوقهِ، فينتقصُ من شأن الآخر بقلبه أو بلسانه، وقد يخفى عنه ما يملكه الآخر من تميّزٍ.. فإنه يعيش مركزيّة الأنا وليس مركزيّة الله.

١١-  من يعش مركزيةَ الله يستمرُّ في النظّر عالياً، فلا يتحسّر أو ينكمش إذا ما خسرَ حقّهُ في محاكم البشر. لأنه يعلم علم اليقين بأنّ كلّ إنسانٍ لا يفوتُه استحقاقهُ - أياً كان-، حسبَ قانون الكون وميزانه الدقيق الذي أتقنَه الله.. وبالتالي يبقى هادئاً شامخاً.

إنّ الإقرار بوحدانيّة الله هو ليس تنظيرٌ بالعقل أو لفظٌ بالكلام.. وإنّما هو حالةُ (حُبٍّ) للمعبود تغمرُ الشعورَ والرُّوح، وتطلقُ الإنسان من سجن (الأنا) إلى فضاء أسمائهِ وصفاتهِ العُليا التي تملأ ُمدارات الكون، وتُمِدُّ بطاقاتِها كُلَّ مُجتهدٍ ناظرٍ إليها.. فتسمو غايتُه ويأخذ لنفسه من أخلاق الله..

عندئذٍ؛ يهونُ عليه قهرُ النفس ومخالفة هواها في حضرة الله لترضخَ للعدل الذي يريده الله في كل تفاصيل الحياة وفي أي موقفٍ كان.

ومَن يُسلكُ المَدارات العمليّة لحُبِّ الله، سيحبُّه الله حبّاً عمليّاً، إذ يضَعُهُ في عينِ عنايتهِ ويهَبُهُ نوراً وسعادةً وأشكالاً من الخير الوفير.. ذلك مصداقاً للوعد الإلهي في كتابه الحكيم "إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّا".

تعليق عبر الفيس بوك