سيكولوجية الحب (4-2)

 

 

نادية المكتومية

 

كنا قد بدأنا حديثا عن ماهية الحب وطبيعة هذا الشعور في المقال الماضي، وتحدثنا عن نظرة الإسلام للحب وكيف جسّدها النبي الإنسان في علاقاته بزوجاته، كما تحدثنا عن المراحل التي يمر بها الإنسان عند وقوعه في الحب ونواصل اليوم حديثنا عن هذه المشاعر الإنسانية الجميلة الراقية.

الذي يرفض الحب شخص يعاني من أزمة في نفسه وخلل في فطرته وشخصيته وعليه أن يراجع نفسه لأن هذه المشاعر هبة من الله لسعادة الإنسان بها يحيا ساكنا مطمئنا وهي احتياج بشري لا غنى عنه للصغير والكبير والرجل والأنثى، وهي لغة لا تؤمن بلغة الإجازات والإقامات فنظرة كفيلة أن تقذف بحب ذلك الشخص في قلب الطرف الآخر فيحل سيدا على قلبها أو سيدة على قلبه، فالحواس كالسمع والبصر هي قنوات الحب الأولى، إذن كيف لنا أن نسيطر على هذه المشاعر لننقلها إلى مظلة الزواج الشرعية وكيف لنا أن نجعل هذا الحب يتجذر ويقوى عند نقله لمظلته الشرعية وهي الزواج؟

لكي يتجذر الحب ويقوى يجب أن يدعم ذلك الحب أيما دعم بعدة مقومات منها:

  1. أن يكون في إطار ما أمر الله به ليتحقق له الثبات بمعنى لا يجوز تعدي الحدود بدعوى الحب في الظلام إنما يجب أن ينقل لمظلة الزواج فورا قبل أن يتجذر وقد أشرنا لذلك في مراحل الحب في المقال الماضي بحيث ننقله فورا عند مرحلة الشعور بالارتياح لمشروع زواج وإلا فلنوقفه لكي لا يكون نقمة علينا، لأنّ كل ما يخالف الشرع لن يعود على الإنسان إلا بسعادة لحظية يعقبها قلق وألم وحيرة.
  2. كلما كنزت العواطف في داخلك وكبحت الرغبات بغض الطرف والسمع كلما كنا أكثر إصرارا وثباتا في طلب الحب، بمعنى عندما يشعر الفتى أو الفتاة بالميل ثم يبدأ بدخول مرحلة الارتياح ويبدأ في كبح هذه العواطف وعدم التعبير عنها لينقلها لمظلة الزواج كلما كان سعيه لإنجاح الزواج ودخول عش الزوجية أكبر وبالتالي سيبذل كل الجهد لقيام هذا الزواج للاستمتاع بهذا الحب بينما لو ترك القيادة لمشاعره ولم يسارع بالتفكير والسعي للزواج فإنّ رغبته وجهده المبذول لإنجاح الزواج ستكون أقل لماذا؟ لأنّه منشغل بالاستمتاع والتلذذ بالحب عن المقصد الأسمى والأرقى وهو الزواج الذي يعطي لهذا الحب شرعيّته وبالتالي نصيحتي للفتيات خصوصا بأن ترفض أن تنمو هذه العلاقة وتتجذر في الظلام ولا تسمح للارتياح أن يتحول لتعلق إلا في ظل الزواج لأنّها بذلك ستساعد ذلك الشاب أن يسعى ويبذل الجهد لقيام الزواج، والرجل صياد بطبعه منذ بدء الخليقة يلقي الطعم والاستجابة بيد المرأة وهنا يكون للمرأة دور مهم في الرقي بهذه العلاقة ونقلها من الظل للنور، ثم إنّ قلب المرأة وتركيبتها النفسية رقيقة تماما كما كان النبي صلوات ربي وسلامه عليه بليغا في وصفها بالقارورة فأي علاقة حب تجذرت في الظل ولم يكتب لها النور بالزواج تدفع الفتاة أضعاف ما يدفعه الرجل من الألم والخسائر الأخرى. فكلما ضيّقنا على ذلك الحب كلما كان مآله للزواج وهو الرابطة الأسمى في ذلك الحب.

هناك سؤال يتكرر في الاستشارات هل هناك حب من النظرة الأولى؟

من الطبيعي أن تكون بداية الحب بإحدى الحواس جرس في الأذن أو نظرة بالعين وهناك ارتباط شرطي بين وجوه وأصوات معينة ارتبطت بخبرات جميلة في الطفولة وانطبعت في الذاكرة وبين الطرف الآخر الذي نراه فنعجب به من الوهلة الأولى، فحينما ترى هذا الشكل أو تسمع ذلك الصوت أو أعمال أو أفعال ذلك الشخص يحاكي العقل ذلك النموذج القابع والمرسوم في الذاكرة بذلك الشخص الذي قابلته للمرة الأولى فتتعلق به ويكمل العقل باقي النقص في ذلك الشخص بصفات مرغوبة ومحببة لك بشكل خيالي، قد تكون تلك الصفات التي أكمل عقلك بها شخصية الطرف الآخر متطابقة أو غير متطابقة مع واقع الطرف الآخر، من هنا نخلص لحقيقة بأنّ ما يحدث هو ليس حبًا حقيقيًا هو نوع من الارتياح والإعجاب لو استمر وتطور قد يتحول لحب حقيقي.

فلو جئنا لنعطي مثالا نوضح به ماذا يحدث عند بعض الفتيات اللواتي يعتقدن بأنّه حب من أول نظرة؟ ترى الفتاة الرجل وتتطابق صورته أو صوته أو بعض صفاته مع الصورة المتراكمة في عقلها عن الرجل المرغوب لديها وبطبيعة الحل يكمل العقل باقي الصفات من عنده بصفات محبوبة ومرغوبة لدى هذه الفتاة فتتخيله فارس أحلامها المثالي الخالي من العيوب وتتدفق المشاعر نحوه ولسان حالها يقول: هذا رجل أحلامي مكتمل والكمال لله، ماذا يمكن أن أفعل لكي أحظى به؟ كيف أتأكد من أنه معجب بي؟ وتنقلب هذه الأفكار لأفعال وكأنّها وقعت تحت تأثير سحر وتحاول أن تستجيب للرجل وتظهر أفضل ما لديها من الصفات والجاذبية في المقابل لا تدري بأنّها بهذا التصرف تمنع الرجل من الشعور بالانجذاب لها ويكون أقل اهتماما بها خاصة لو كان جادًا في البحث عن شريكة حياته، وقد تحدث هذه القصة نفسها في مرحلة الخطوبة وهنا أقول للفتيات أنّ المرأة الحكيمة والعاقلة تتعامل بشكل مختلف لو حدث قبول وارتياح وإعجاب برجل معين يجب أن تذكر نفسها بأنّه مهما تراه مثاليا فإنّ فيه عيوبا لا تراها وبأنّها لا تعرفه حق المعرفة فتعطي لنفسها الوقت الكافي وبشكل متدرج للارتباط به وتحت مظلة الزواج الشرعيّة هذا سيساعد في المحافظة على استمرارية العلاقة والسير بها في تجاه صحي سوي ومتوازن، وتأكد بأنّ الحب الحقيقي يتجذر ويصقل في ظل الحياة الزوجية وليس قبلها مهما كانت المشاعر كبيرة قبل الزواج فالحياة الزوجية وتفاعلاتها هي المحك الذي يكشف معدن الحب بين الطرفين.

 

تابعونا في المقال القادم نستكمل حديثنا عن سيكولوجية الحب.

إلى الملتقى.. دمتم بهدوء وسكينة بجوار من تحبون.