لماذا أنت هكذا..؟

مدرين المكتومية

أن تكون إنساناً بأخلاقك، أفضل من أن تكون إنسانًا بمنصبك، فإنسانية الشخص وقيمته ليست خارجه بل تنبع من الداخل، المنصب قد يزول والأموال قد تذهب لأنَّ جميع هذه الأشياء هي مجرد نعمة ولربما كانت امتحاناً قدرياً سواء بمنحها أو نزعها، ولن يبقى لك سوى أخلاقك التي لا يُمكن انتزاعها ولا محوها.

وحين نفكر بكم الأشخاص الذين يمرون على محطات حياتنا سنجد أنَّ هناك من رحل دون أن نشعر به، وهناك من لم يؤثر علينا غيابه لما سببه لنا من أذى، وهناك من ننتظر لحظة اقتلاعه من منصبه بفارغ الصبر، خاصة إذا كان يقول أقوالاً لا يطأ معناها طرف لسانه، ويظهر ما لا يُبطن ويمتلك كمًا من الحقد أو الغباء يؤهله لإفساد حياة العشرات سواء بقصد عبر حقده أو بغير قصد عبر غبائه.

وهناك من باتت حياته عبارة عن وهم؛ دراما خلقتها وسائل التواصل الاجتماعي يعيش فيها حياة وهمية، ومع الوقت يفقد أبسط مُقومات الحياة التي تجعله إنساناً في نظر غيره من النَّاس الحقيقيين خاصة هؤلاء الذين انخدعوا وتلقوا الأذى النفسي والمعنوي منه، وهذا النوع هو برأيي أشد أنواع النفاق، لأنَّه نفاق على الذات قبل أن يكون نفاقاً للآخرين.  

هذه النوعية من الناس خاصة من توكل إليهم مناصب فجأة يبدأون ببريق وهاج يجعلهم يفقدون الرؤية ويتوهمون في أنفسهم ما ليس فيهم، لكنهم دائمًا إلى زوال حين يبدأ هذا الوهج والبريق بالخفوت إلى أن يتلاشى نهائياً، وهؤلاء غالباً إما أن يكونوا حديثي نعمة، أو أنَّهم لم يصدقوا يوماً أن توكل لهم هكذا مهمات، وبالتالي تبدأ مشاعر السلطة والأنا في أخذ مساحة وحيز كبيرين من حياتهم فيتحولون إلى آخر ربما كان هو حقيقة الشخص الأصلية التي انتظرت الوقت للظهور أو أنَّها شخصية كان يود الشخص أن تكون ذاته، فما أن لاحت الفرصة حتى التبسته تلك الشخصية، وحين يبدأ الناس بالانسحاب من حياة هؤلاء المتحولين شيئا فشيئا، تبدأ ملامح مشاعر الحقد والكره تجاه أيّ عمل يقومون به، أو إطراء يقدمونه، ففي النهاية حديثهم وإن كان بسيطًا لا يُعد محل ترحيب، وربما يجدون في الطرف الآخر نقداً شديدًا وعدم اكتراث برأيهم حتى وإن كان صحيحاً، لأن المواقف هي التي تصنع ردات الفعل، وما يزرع الإنسان يجني.

ومن المُحزن والمؤسف فعلا أنني أرى الكثير من هؤلاء الذين لم يفكروا للحظة بأنَّ من خلقهم قد خلق غيرهم، ومن وضعهم في هذا المكان قادر على اقتلاعهم منه، ولكن دائماً هناك من لا يتعلمون من أخطاء الأولين، لذلك تظل الحكاية المستمرة التي لا تتوقف والقصة المكررة في كل مكان، واحد تلو الآخر إلى أن يأتي الشخص الذي يعمل جاهداً لإرضاء من حوله وفق ما يتطلبه المكان والزمان، دون استعلاء ومُغالطة من أجل فرض الرأي، حينها يظل المكان دائماً للشخص نفسه وعلى ذكراه بعد مُغادرته، ويصبح هذا الشخص وإن رحل عن المكان يملأ الحديث الطيب عنه كرسيه حتى وإن شغله آخر ويظل محل ترحيب واهتمام، وربما يتعايش هذا الشخص الحقيقي الصافي الخلوق مع جيلين كاملين كونه كان سبباً من أسباب نجاحهم وهو في المنصب الذي أوكل له.

ختاماً أقول: كل هؤلاء الأشخاص الذين استطيع أن أطلق عليهم فقاعات سيأتي اليوم الذي ينتهون فيه، وأتمنى أن أظل زاهدة في أيّ منصب يجعلني في المستقبل نسخة قريبة من هذا النوع من الذين يمكن أن أطلق عليهم مخلوقات بشرية دون أيّ ذرة إنسانية.