هل الجنة للمسلمين أم للبشر جميعا؟!

 

 

د. يحيى أبو زكريا

قال الله تعالى: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) في سورة البقرة، وفي السورة أيضا: (وَالذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ) وورد في سورة هود: "وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا".

تحدث القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة مليا عن الجنة وشروط دخولها ومعالمها الأساسية، هذا في الإسلام أمّا في المسيحية فيقول المسيح عليه السلام عن الناس الذين سيفوزون بالجنة إنّهم سيكونون كالملائكة لا يزوجون ولا يتزوجون وسيكونون كالملائكة وبدون التفكير في كل الشهوات، كما كنا على الأرض لأنّ أرواحنا هي التي سترث ملكوت السماء وليست الأجساد التي كنا نسكنها على الأرض، ويقول يوحنا الرسول في رسالته الأولى الإصحاح 5 والآية 13: "إنّي كتبت هذا إليكم لكي تتأكدوا أن الحياة الأبدية ملك لكم منذ الآن." أما في التوراة فقد ورد فيها أن القيامة حق وأن الله يقتص من الظالمين.

وقد ورد في التوراة: فهو ذا يأتي اليوم المتقد كالتنور وكل المستكبرين وكل فاعلي الشر يكونون قشا ويحرقهم اليوم الآتي قال رب الجنود.. وفي سفر دانيال التوراتي ورد: "وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون هؤلاء إلى الحياة الأبدية، وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدي". ورغم أن الأديان جميعا تتحدث عن الجنة والخلاص الأخوي وعودة دورة الإنسان إلا أن الخلاف بين العلماء والفقهاء حول من يدخل هذه الجنة.

وقد يقال ألا يكفي خلافات المسلمين في دار الدنيا وتقاتلهم بسبب التأويل الخاطئ والتفسير المحرف، حتى نفتح ملف الجنة؟ والرد على هذا الإشكال أن كثيرا من مسارات التكفير والعنف والذبح والقتل والاستئصال الديني تأسست على قاعدة أن هذا في الجنة وذاك في النار، فعندما امتلك البعض وادعوا امتلاك صكوك الجنة وصكوك الغفران وعينوا أنفسهم وكلاء لله لتوزيع الجنة والنار على من يشاؤون وانطلاقا من أهوائهم وأمراضهم الطائفية والمذهبية والتاريخية. وعندما يتم التأكيد أن الجنة ليست ملاذا لقلة من المسلمين وأنها دار الله الأبدية للبشر الأسوياء العدول المحبين للخير العاملين لصالح البشرية والإنسانية سوف نسحب الشرعية من مدعي أن الجنة خاصة بهم وغيرهم من بقية المسلمين والمسيحيين والبشر في النار. وكل ملة ونحلة صارت تقول الجنة لنا والجزاء لنا والمغفرة لنا، وهذه المفاضلة والتفاضل أعطى لأصحاب هذا الاتجاه مبرر القتل والذبح كيف لا وهم يملكون زمام الجنة وزمام النار، يدخلون الجنة من يشاؤون ويعذبون من يشاؤون؟ والأخطر من كل ذلك يتخذ هؤلاء المنعمون أو المعذبون القرآن الكريم قاعدة لتبريراتهم والقرآن الكريم ليس مع هذا ولا هذا.. القرآن الكريم مع الحق المطلق مع الإنسانية قاطبة "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" ومثلما أصبحت حور العين والحوريات سببا للتفخيخ والتقتيل والتنكيب والتفجير والتذبيح، فقد أصبحت الجنة سببا في صناعة الموت والدمار الذي حاق بعالمنا العربي والإسلامي، حيث يدعي التكفيريون والإرهابيون أن الطريق إلى الجنة يتم بسيارة مفخخة ولا مانع إذا قتلت الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء فهؤلاء تترس بهم الدول الكافرة..

قال الله تعالى في محكم التنزيل في سورة الحشر "هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام "وفي سورة النساء ورد" ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا". وفي رسالة بولس "رَبُّ السَّلاَمِ نَفْسُهُ يُعْطِيكُمُ السَّلاَمَ دَائِمًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ الرَّبُّ مَعَ جَمِيعِكُمْ" وفي إنجيل لوقا: "الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ".

وتؤكد كل الأديان السماوية ويؤكد كل الأنبياء والرسل وأوصياء الأنبياء والرسل من آدم عليه السلام وإلى محمد بن عبد الله -ص- أن السلام ثابت من ثوابت الدين، وأن الأديان شرّعت لكي يعيش الإنسان في ظل الطمأنينة والسلام والأمن والأمان.. وتتفق كل الأديان السماوية اليهودية والمسيحية والإسلامية والأديان الإبراهيمية جميعا أن حفظ النفس والعقل والنسل والمال والدين كل حسب دينه طبعا من المقدسات.

وكل إرهاب وعنف وترويع غلف بالدين هو من وحي الشيطان وليس من وحي الرحمان لا من قريب ولا من بعيد. ويستوي في ذلك إرهاب الجماعات وإرهاب الدول. فكل إرهاب مردود عليه بإجماع الكتب السماوية ووصايا الأنبياء.

لقد تحولت بذرة قابيل ابن آدم والذي قتل هابيل بذرة سيئة أسست للحروب والصراعات والعنف وهي البذرة التي كتب عنها الصيني سان تسو في كتابه "فن الحرب" والذي ألفه قبل 2500 سنة وأراد أن يوقف دمار هذه البذرة عبر فكرته المتمثلة في إمكانية "هزيمة" العدو بدون مواجهة مباشرة معه، وبدون خسائر وسفك للدماء. ويدرس الكتاب اليوم في الأكاديميات العسكرية وفي كليات الاقتصاد نظرا لما يحتويه من أفكار استراتيجية مهمة، وخاصة في أوقات الأزمات.

وعبر أزمة ومحطات تاريخية كان الإرهاب يتجلبب بجلباب الدين تارة باليهودية وتارة بالمسيحية وتارة بالإسلام، وقد كلف تجلبب الإرهاب بالأديان السماوية البشرية تكاليف باهظة، لأنّ الإرهابيين المنضوين تحت عباءة الدين حولوا الله الرحمان إلى قاتل وسفاك دماء وخلق البشر ليقتلهم في عبثية حمراء لا مثيل لها. وكان السلام ولم يزل حلماً للبشرية منذ عصور عديدة فقد عانت البشرية كثيراً من ويلات الحروب والصراعات والعنف والإرهاب.. وعلى العقلاء والحكماء ومَن ما زال فيهم عقل وقلب يؤمنان بإنسانية الإنسان أن يعيدوا الأديان المخطوفة إلى ألقها وثوابتها وعلى رأسها تقديس الإنسان و أولوية السلام.