ندوة الرُّؤية توصي بتضمين مفهوم القدوة في المناهج والأنشطة المدرسية وإبراز النماذج التاريخية وقصص النجاح

...
...
...
...
...
...
...
...
  • زاهر الحوسني: غياب القدوة يرجع إلى زحام وسائل التواصل الاجتماعي وضجيج القنوات الفضائية
  • عماد الرواحي: الإنسان لا يُولد بثقافته بل يتعلم فيما بعد بالاقتداء .. لذا لابد من وجود معايير دقيقة حتى يكون الاقتداء آمناً
  • سعيد المحرزي: الدولة تهتم بصناعة القدوة الناجحة ولابد للمدارس أن تهتم بتقديم نماذج إيجابية للطلاب

 

  • السيد علي بن بدر البوسعيدي: القدوة يُمكن أن يكون شخصية تاريخية أو شيخاً كبيراً أو عالماً فذاً أو أباً وأماً مُلتزمين بمنظومة قيم وأخلاق راقية أو مدرسا ناجحا

أوصت ندوة الرُّؤية التي أقيمت تحت عنوان "تعزيز ثقافة القدوة" بتضمين مفهوم القُدوة في المناهج والأنشطة وتفعيل دور هذا المفهوم في المدارس من خلال تنظيم العديد من الدورات والورش الخاصة بصناعة القدوة وإبراز المُبادرات المجتمعية ذات العلاقة بتعظيم قيمة القدوة.

كما أوصى المشاركون في الندوة بإبراز القدوات التاريخية وإعادة تقديمها في المجتمع المُعاصر، وأن تقوم الدولة بوضع استراتيجيات يتم من خلالها التركيز على الشخصيات المُؤثرة في المجتمع لوضعهم كنماذج للقدوة يحتذى بها.

واختتمت التوصيات بالتأكيد على أهمية الاستفادة من التكنولوجيا وتسخيرها في بناء قدوات من خلال تأثيرها الإيجابي، وتشجيع الحوار المُجتمعي المُستمر وتكاتف الجهود في العملية التنموية وبناء طاقات الشباب.

شارك في ندوة الرؤية زاهر الحوسني عضو اللجنة الوطنية للشباب ومُدير دائرة المساجد وعماد الرواحي باحث فتوى بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية وسعيد المحرزي مشرف أوَّل ومدرب تربوي بالمركز التخصصي للتدريب المهني للمعلمين وخلفان الطوقي "صحفي " وناصر أبوعون كاتب والسيد علي بن بدر البوسعيدي "كاتب وإعلامي".

الرؤية – مدرين المكتومية – محمد قنات

للقدوة دورٌ شديد الأهمية في المُجتمعات، فمنها تستمد الكثير من القيم المرتبطة بممارسات وأدوار حقيقية، ومن خلالها يُمكن مساندة عملية تطوير المجتمع وتنميته اعتماداً على قواعد أخلاقية، ودعم النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية، والمساهمة في مناقشة ومعالجة قضايا الشباب العماني، وتقديم مقترحات عقلانية للإشكاليات المستجدة بفعل حركة التطور المُستمرة، والتواصل الحضاري الواسع، بالإضافة إلى تقديم صورة للنموذج القدوة..

فما أهم ملامح دور القدوة في نسيج المجتمع العُماني؟ وكيف يمكن استنهاضها ليحتذي بها أفراد المجتمع؟ كيف تساهم القدوة في دعم مناخ الاستقرار، وتمتين أواصر الوحدة الوطنية، وتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الذاتية؟.

وما الدور الذي تلعبه القدوة في خلق جيلٍ واعٍ ومتفهم لكل ما يدور من حوله..؟ ودورها في ترسيخ القيم والأخلاق والمبادئ الدينية؟

وماهي الصفات التي يجب أن يتسم بها الشخص الذي يمكن أن نعتبره قدوة؟ حتى نصبح مقتنعين بتتبع خطواته ونتأثر به؟

يبدأ حاتم الطائي رئيس تحرير الرُّؤية الحديث بقوله "لقد اخترنا للندوة عنوان تعزيز ثقافة القدوة والجميع يعلم أهمية هذا الموضوع بالنسبة للمُجتمع العماني خاصة مع ما يشهده العالم من تسارع على جميع الأصعدة وهي أشياء تخرج عن إطار سيطرة المجتمع باعتبار أنَّ التقنية أصبحت تتطور بسرعة تفوق التوقعات وتترك آثاراً إيجابية وسلبية في المجتمع.

ويضيف مع كل هذا الذي يحدث في العالم نحن بحاجة لإعادة النظر في بعض الأشياء، وأن نعزز القدوة لدى النشء ولدى المجتمع بصورة عامة لأنه بحاجة إلى قدوات حتى يسير على نهجها، وأبدى أسفه من أنَّ مفهوم القدوة في الآونة الأخيرة تراجع بعض الشيء وأصبح ضعيفاً أمام الغزو الثقافي الذي يشهده العالم، إلا أننا نريد لأبنائنا أن يصبحوا قدوات في المستقبل وذلك عندما نُصبح لهم نحن الآن قدوة حسنة على كافة المستويات، وإن مسألة القدوة عندما تغيب أو تضعف تؤثر بشكل كبير وتترك خللاً في الشخصية، ومن هنا نجد تفسيراً لبعض الظواهر التي ظهرت في المجتمع نتيجة لوجود هذا الخلل، وفي كثير من الأحيان نجد أن النشء والصغار والفتية لا يفرقون بين الصواب والخطأ وذلك لغياب القدوة التي يمكن أن يستنيروا بها، فالوالدان يجب أن يكونوا قدوة صالحة وأن يلتزموا في أخلاقهم وتعاملاتهم وكذلك الأمر ينطبق على المعلم في المدرسة والمسؤولين عن العمل، وهنالك قصص نجاح كثيرة في المجتمع العماني خلال الـ45 عاماً الماضية وحتى قبل ذلك ولكن القدوة لابد أن نجعل منها صناعة حتى يتعرف عليها الآخرون باعتبار أنَّ هنالك شخصيات حققت نجاحات كثيرة ويعتبرون قدوة حقيقية ولكن لا يسلط عليهم الضوء بصورة جيدة حتى يقتدي بهم الآخرون ومثل هذه الشخصيات يجب أن تكتب سيرهم حتى يطلع عليها الأجيال..

ويُتابع الطائي أن النجاح لا يأتي صدفة بل عندما يتبع الإنسان نهجاً واضحاً لحياته وأن يحدد أهدافه، وفي ظل عدم وجود مثل هذه الأشياء وعدم تسليط الضوء على الناجحين في المجتمع لا يُمكن أن تكون هناك قدوة على النحو المطلوب، ومع التسارع التكنولوجي وانفتاح الفضاء الإسفيري فإنَّ الكثير من الأبناء يتعرفون على شخصيات من خارج الوطن لا يمثلون قدوة لذا يجب على الإعلام أن يسلط الضوء بصورة أكبر على الناجحين في المجتمع العماني وأن توثق حياتهم وسيرتهم حتى يطلع عليها الأبناء ويصبحون قدوة لهم نحو تحقيق الأهداف والوصول إلى النجاح.

أسباب غياب القدوة

ويقول زاهر الحوسني عضو اللجنة الوطنية للشباب ومدير دائرة المساجد إنَّ غياب القدوة في المُجتمع بصورة عامة والمجتمع العماني بصفة خاصة يؤثر على النشء فالصحابة رضوان الله عليهم كانوا يقتدون بالنبي (ص) كمثل أعلى لهم في كل شيء والمُسلمون بدورهم كانوا يقتدون بالصحابة، لكن في زماننا هذا غابت القدوة عن الشباب وفي السابق كان الناس يقتدون بآبائهم وأجدادهم وبمن هم أعلى وأرفع منهم شأناً وغياب هذه القدوة يرجع إلى زحام وسائل التواصل الاجتماعي وضجيج القنوات الفضائية.

ويضيف أنَّ القدوة أن نقتدي بصاحب الفضائل ومن هو أرفع منّا في الأخلاق ولكن وسائل التواصل الاجتماعي عملت بشكل كبير على تغييب هذه الأشياء وخير مثال أنَّ الكثير من الناس يجتمعون مع بعضهم البعض في المجالس وهم على شاشات الهواتف ولا يتحدثون ويتبعهم في ذلك الأطفال والشباب، والقدوة ربما تكون بالحديث مثل افعل هذا ولا تفعل ذلك وقدوة أخرى تكون بالتقليد حيث إن الأبناء دائماً ما يقلدون آباءهم في الصفات الحسنة والسيئة، وهناك أشياء وموروثات يتعلمها الأبناء من الآباء مثل الذهاب إلى العزاء وإلى الأفراح فإذا فعلها الآباء قلَّدهم أبناؤهم، واستدرك أن شبكات التواصل الاجتماعي والانشغال بها يُقلل من الاقتداء بالقدوة الحسنة ويمكن أن يقتدوا بمن هم على غير دينهم وأخلاقهم وموروثاتهم وذلك عن طريق ما ينشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي .

ويُشير عماد الرواحي باحث فتوى بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية إلى أن مصطلح القدوة موجود في القرآن الكريم وهو يسجل حضوراً معنوياً وتنصيصياً حيث يقول تعالى (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) وإن الأسوة التي نأخذها من رسول الله لا شك أنها حسنة وأن مصطلح القدوة به عموم وخصوص والمعنى العام هو الاستلهام أو الاستفادة من الآخرين وهذا الأمر يعتبر ضرورياً .

ويضيف: يجب على الجميع أن يقتدوا بما يرونه فاضلاً وجميلاً في من حولهم والاقتداء العام هو أن نقتدي بكل ناجح وأن نترك الجوانب السالبة في الشخص الناجح بمعنى أن نأخد الجانب الإيجابي فقط وضرب مثالاً بأن الرسول (ص) أطلق سراح أسرى من أعدائه الذين جاءوا ليقتلوه مقابل أن يعلموا عشرة من أبناء المسلمين وهذا هو اقتداء عام في تعلم الكتابة، والاقتداء الخاص يكون مع من يُشارك الإنسان القيم والمبادئ ويتجاوز مرحلة الأخذ والاستلهام .

ويتابع: هناك فرق بين التأثر والاقتداء وهناك من يُحذر الآخرين من التأثر فيجب أن نكون مؤثرين وغير متأثرين بالسلبيات التي نشاهدها أو نسمعها بل نتأثر بكل ماهو جيد وحميد، التأثر هو ضرورة عقلية قبل أن يكون ضرورة شرعية، ويجب أن تكون هنالك معايير معينة للاقتداء، فالطفل سيقتدي ولا يمكن أن نمنعه والإنسان لا يولد بثقافته بل يتعلم فيما بعد بالاقتداء، لذا لابد من وجود معايير دقيقة حتى يكون الاقتداء آمناً.

ويذهب سعيد المحرزي إلى أن الدولة التي تهتم بصناعة القدوة تعد من الدول الناجحة، وأن غياب القدوة يعود إلى أسباب شخصية وأخرى تربوية، كما أن هنالك قدوة مطلقة وأخرى مقيدة، وهنالك جوانب نفسية غير صحيحة بأن يمتلك الطفل المقومات الصحيحة لكنه لا يحب الظهور، وفي الجانب التربوي لابد للمدارس أن تهتم بهذه الجوانب لدى الطلاب والطالبات وأن يتم صنع قدوات في المدارس بعد أن تبين لهم مزاياها.

ويوضح أنَّ هنالك قدوة مطلقة تتمثل في الأنبياء، إلا أنَّ أي شخص يمكن أن يكون قدوة في مجاله وتخصصه، كما أن تربية النشء في المدارس تحتاج إلى أنشطة حيث يتم تدريب الأجيال عليها ويتم تعريفهم بالاقتداء وأي الجوانب التي يمكن أن يقتدوا بها حتى يكون الطفل أو الشاب مدركا عندما يريد أن يتخذ قدوة أن هناك أسساً ومعايير، ويجب على المناهج مراعاة مثل هذه النقاط وأن تتم الإشارة إليها ولايجب أن تكون ضمنية لأن القدوة في الأساس هي جانب فطري يجب إشباعه.

ويضيف أن من أسباب غياب القدوة غياب الجانب المؤسسي فلا يوجد تصنيف وتحديد لأنواع القدوات التي يراد إظهارها، وفي السلطنة هنالك أمثلة كثيرة للشخصيات الناجحة التي تعد قدوة للأبناء يجب أن يتم تسليط الضوء عليها وهذه الشخصيات في كافة المجالات العلمية والاقتصادية والثقافية والرياضية.

ويشير إلى أنّ الإنسان يتأثر بالفعل أكثر من الكلمة، وهنا يأتي دور المؤسسات لأن مثل هذه الأشياء تحتاج إلى احتضان وتبنٍ، وأن مركز التدريب التابع لوزارة التربية والتعليم درج على استضافة قدوات وهي نماذج في مجالات متعددة يجب أن نقتدى بها ويشير إلى أن هذا الأمر من الأدوار المهمة التي يجب أن توكل للمؤسسات المعنية.

ويقول خلفان الطوقي: في ظل العصر الحالي والتطور الكبير للتكنولوجيا يجب أن تكون هنالك صناعة حقيقية للقدوات خاصة وأن هناك شخصيات من المجتمع العماني إذا ما تم تسليط الضوء عليها بالصورة الصحيحة يمكن أن تقتدي بها أجيال المستقبل وعلى المؤسسات الحكومية والخاصة أن يكون لها دور في صناعة المستقبل، كما لابد أن تكون هناك استراتيجية وطنية لضمان استمرار القدوات في مختلف المجالات التي نرجوها، كذلك للإعلام دور كبير في تسليط الضوء على قصص النجاح في مختلف المجالات والأشخاص الناجحين ليقتدى بهم جيل المستقبل، إلا أن هناك بعض الناجحين في تخصصاتهم ويعتبرون قدوة يتخوفون من وسائل الإعلام ولا يحبون الظهور ويجب أن يعالج هذا الأمر باعتبار أن ما يحملونه من مزايا سلوكية يجب أن يعرفها جميع أفراد المجتمع حتى تكون هنالك قدوة حقيقية تضمن استمرار توارث القدوات على مر الأيام، ويجب أن تكون هناك مبادرات من الحكومة والمجتمع المدني من أجل الاهتمام بالقدوات.

ويقول ناصر أبوعون: نحتاج إلى إعداد منهج أخلاقي للقدوات على أن يضم إلى المنهج التعليمي يبدأ من المراحل الأولية وحتى الجامعات، خاصة وأن الفضائيات تلعب دورا كبير في إبراز شخصيات وقيم مختلفة عن مجتمعاتنا إضافة إلى تأثير الفضائيات الأجنبية، والأسرة لها دور كبير تقوم به فيما يختص بالرقابة على الأبناء.

ويضيف أبو عون أنَّ عاملات المنازل لعبن دورا كبيرا باعتبار أن معظم العاملات أجنبيات تترك لهن مهمة التربية والتنشئة والرقابة وهن – أي العاملات لهن ثقافة مختلفة وتنتقل هذه الثقافة إلى الأبناء في ظل غياب الرقابة الأسرية، كما أن تأثير الميديا بصورة عامة يمكن أن يقضي على قيم التراث وتنتقل القدوة من المحلية إلى العالمية ويمكن للأبناء أن يقتدوا بقدوة سالبة لأنها لا تمثل ثقافتهم.

دور الأسرة

ويقول زاهر إنَّ الأبناء يظلون مع العاملات بالمنازل عندما يذهب الأب والأم للعمل والأخوان للمدارس وهؤلاء الأطفال تكون أعمارهم ما بين عامين إلى خمسة أعوام وهي سن مثالية لتشكيل الأطفال على حسب ما يُريد الإنسان، وتربية الأبناء في السابق كانت تعتمد على الأب والأم والمدرسة وهم من يقومون بدور الرقابة والإرشاد والتوجيه والآن أصبح هناك خطر يتمثل في الفضائيات التي تبث كل ما يُشكل خطراً على أمنهم الفكري وفي ظل هذا الغزو الأطفال الآن في أعمار مُبكرة يعرفون عن العالم ما لا يعرفه آباؤهم إلى جانب معرفتهم باستعمال التطبيقات الإلكترونية الحديثة.

ويتابع: لابد من تفعيل دور التعليم والعمل على حماية الطلبة فكريا وتربوياً وأن تكون تنشئتهم منذ الصغر على القيم الدينية، وإذا نشأ الطالب على الأخلاق الإسلامية وحفظ القرآن الكريم نكون قد حفظناه في المستقبل وجعلنا في داخله رادعاً يتمثل في الوازع الديني، كما أنَّ الأخلاقيات والقدوات أيضاً لها دور كبير في منع الإنسان من الوقوع في الخطأ.

واستدرك أنَّ الأطفال دائماً ما يُقلدون والديهم فإذا رأى الطفل والده يدخن على سبيل المثال فهذا مؤشر على أن ما يفعله شيء جيِّد ويُمكن أن يدخن في المستقبل وإذا سمعه ينطق بألفاظ غير أخلاقية سيُقلده في المستقبل لذا يجب أن يكون الوالدان قدوة لأبنائهما في جميع تصرفاتهما فهما مصدر التعلم الرئيسي لأبنائهما فيجب أن يكونا قدوة لهم وأن يعلموهم كما ينبغي إلى جانب حثهم على تعلم العادات والتقاليد والمواريث السمحة.

ويتابع أنَّ الأطفال إذا تمت تنشئتهم تنشئة غير سليمة سيحدث خلل في المجتمع الذي ربما يُعاني من غياب القدوة في المستقبل لذا يجب أن تكون التنشئة سليمة حتى يصبح الأبناء هم قدوات المستقبل.

ويكمل عماد الرواحي بقوله إنَّ كل فرد في المجتمع يجب أن يكون قدوة حسنة للآخرين فالإنسان يجب أن يكون مقتدياً ومُقتدى به والنبي (ص) يقول (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة،ومَنْ سَنَّ سُنَّة سَيِّئَة فعَلَيْهِ مِثْل وِزْر كُلّ مَنْ عمل بِهَا إلى يَوْم الْقِيَامَة) بمعنى أن الإنسان إذا سن سنة سيئة وعمل بها الآخرون تكون في ميزان سيئاته لأن الآخرين اقتدوا به.

ويشير إلى قول الرسول (ص) (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ...) بمعنى أن الجميع هم قدوة وهنا لا يُوجد مخصص معنوي ولا نصي، حيث بدأ بالرجل وهو مسؤول عن أسرته والإمام وهو الحاكم وهو مسؤول عن رعيته، وأن الابن يبدأ بقدوة أبيه وينبغي على الوالد أن يمثل كل الأدوار من الأبوة إلى الصداقة حتى يُمسك بزمام تربية أبنائه ويقتدون به فالقدوة دائماً تبدأ بالمنزل فإما أن تكون صالحة أو سيئة وتؤثر سلباً أو إيجاباً على الأبناء.

ويضيف أنَّ التربية بالقدوة قد تكون أبلغ تأثيراً من التعليم والترغيب والترهيب وغيرها من الوسائل، لأن الأخذ بالشيء عمليًا والتمسك به أكثر إقناعًا للمتعلم من الحديث عنه والثناء عليه، فمجرد العمل بالخير، يحصل قناعة عند الولد بصلاحية هذا الخير، وهذا واقع مشاهد في حياة الناس، فالطفل ابتداءً من السنة السادسة من عمره تقريباً يُمكن أن يحدد مدى التزام أهله ومُعلميه بالتوجيهات التي يأمرونه بها، فالتلقين لا يُثمر مع الولد وإن استعملت معه جميع أنواع ووسائل التربية إن لم توجد القدوة الصالحة التي تكون بمثابة ترجمة عملية للمعاني المجردة..

من جانبه قال سعيد إن إدراك الوالدين لدورهما التربوي له أثر كبير في تربية أبنائهما وهذا يصنع منهم قدوة حسنة لأطفالهما، وإن الإدراك وحده لايكفي بل يحتاج إلى خطوات عملية منها ما يتمثل في فتح حوارات معهم توجيهية ونقاشية بمعنى أنه يخاطب الجانب العقلي للأبناء ويترك لهم مساحة للتعبير عن رأيهم، من أجل ترسيخ الفهم وتوصيل المعلومة، كما يجب أن نعرف الأبناء بالقدوات من خلال سرد القصص حتى يقتدوا بهم ويجب تدريبهم على كيفية الاستفادة من القدوات حتى يحققوا أهدافهم.

ويمضي سعيد بالقول إنَّ المجتمع العُماني به من الشخصيات المميزة ما يكفي هؤلاء النشء أن يطلعوا على تجاربهم في مختلف المجالات ولا بد للآباء أن يشجعوا أبناءهم على الاقتداء بهم والاطلاع على مسيرتهم الحياتية حتى يستفيدوا منها ويصبحوا قدوة بالنسبة لهم في تحقيق النجاحات، كما يجب على الآباء تشجيع أبنائهم على أن يشتركوا في الأعمال التطوعية والإيجابية التي تخدم المجتمع وأن يذكروا لهم فضل هذه الأعمال وأن تنمية مثل هذه الأشياء تساهم بالقدر الكبير في أن تصنع منهم قدوات للمستقبل يخدموا المجتمع ويكونون قدوة لغيرهم..

ويُؤكد أنَّه لابد من وضع معايير وقيم مُحددة في كيفية التعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي وتوضيح طرق الاستفادة منها بصورة إيجابية بما ينمي القدرات وأن يتم توجيههم إلى أن هناك جوانب سالبة في تلك الشبكات يجب أن يبتعد عنها لأنها تعتبر أداة لفساد الأخلاق، وأن يكون أسلوب التوجيه أيضاً عن طريق التحاور والتشاور حتى لايشعر الأبناء أن الابتعاد صادر بموجب أمر من الوالد أو الوالدة لأن الحوار هو وسيلة ناجحة في توصيل المعلومة بصورة أكبر إلى جانب أن الحوار ينمي المقدرات العقلية وعلمياً يعرف بالتفكير النقدي

ويذكر أنّ المدارس في الفترات الأخيرة تبذل جهداً كبيراً لغرس الأخلاق الحسنة وصناعة القدوات ابتداءً من تسمية الصفوف التي أصبح يطلق عليها أسماء شخصيات لنماذج يقتدى بها، سواء كان صحابيا أو شخصية قدوة في مجال من المجالات وتكون هذه التسمية لفترة معينة، وأن الغرض من إطلاق هذا الاسم هو ترك تأثير إيجابي ويدفع الطلاب لمعرفة هذه الشخصية التي سمي الفصل باسمها فيبحثون عنه وفي بحثهم هذا يمرون على كثير من المعلومات تزيد من معرفتهم وتقودهم نحو الاقتداء بشخصيات لها تاريخها وإسهاماتها، هذا إلى جانب الإذاعات والمسابقات المدرسية التي تعمل بشكل كبير على تنمية مقدرات الطلاب وتحثهم على الأخلاق الفاضلة وتصنع منهم قيادات للمستقبل باعتبارها أنشطة تنمي المهارات لدى هؤلاء الطلاب..

ويوضح أنه ينبغي على المدارس أن تعمل على تفعيل الأنشطة وتضمين القدوة داخلها بأن يتم استضافة قدوات تحكي عن تجاربها واستعراض سير لأشخاص ناجحين حتى يستفيد منها الطلاب سواء من النواحي الأكاديمية أو التعامل الحياتي اليومي وضرورة إدراج مفاهيم القدوة ضمن المناهج حتى تكون الاستفادة بصورة أكبر إلى جانب التركيز على التعليم النقدي التأملي وهذا الأمر يُساعد الطلاب ويخلق لديهم المقدرة الخاصة بالتمييز ما بين الصواب والخطأ .

الإعلام والقدوة

ويوضح خلفان الطوقي أنَّ الحكومة لها دور كبير فيما يتعلق بالقدوة باعتبار أنها تمتلك كل الإمكانيات والعناصر وأن أمر صناعة القدوات يحتاج إلى عمل دؤوب وممنهج وذلك بإجراء الإحصاءات الدقيقة خاصة وأن 65% من سكان السلطنة هم من فئة الشباب وأغلبهم متأثرون بشبكات التواصل الاجتماعي ويجب على الدولة والإعلام أن تستفيد من هذه التكنولوجيا في إيصال الرسائل إلى الشباب وأن تكون هنالك القدرة في التعامل مع هذه المتغيرات وأن تكون هنالك مرونة في التعامل وتحديد ما الذي يراد إيصاله إلى هذه الفئة، ويتابع إذا ما استغلت هذه الوسائط بالصورة الصحيحة وذلك عن طريق القدوات يمكن للشباب أن يقتدوا بكثير من الشخصيات وذلك كله يأتي في الإطار الإعلامي لتوصيل تلك الرسائل.

من جهته قال ناصر أبوعون: يجب أن توضع سياسات إعلامية واضحة بالتنسيق مع كافة الجهات في الدولة، ومن ثم نقوم بعمل دراسة الاحتياجات الإعلامية، ولماذا يتجه الجمهور للفضائيات الأخرى، حيث الإعلام هو بداية المعركة، وعلينا أولاً أن نحاصر الجمهور العماني إعلاميا، كما أن أسماء الشوارع مرقمة، وقد يصعب التَّعرف على الشارع، فلماذا لا يطلق عليها أسماء أعلام ونماذج من التاريخ العُماني.

ويقول زاهر الحوسني: بالنسبة لوسائل التواصل الاجتماعي أخذت منحى ربما خطير وتأثرت بالغزو الفكري، والذي يتطلب منّا أن نؤمن النشء من هذا الغزو حيث إنّ لديَّ فكر ومبادئ وأخلاق وعقيدة إسلامية لا انفك عنها، فيأتيني فكر آخر بعيد عن قيم المجتمع والثقافة فضلاً عن كونه سياسياً أو دينيا أو عرقيا أو طائفياً، فالفكر بعيد بسبب وسائل التواصل الاجتماعي، فيأتي تأمين النشء من خلال التربية الصحيحة، وقدوات من العلماء، والسير على خطاهم، فعمان بصفة عامة مرجعها لعلمائها، أي قضية وأي حدث، ففي 2011 مرحلة قمنا بمعايشتها، ومجتمع الشباب ثار بسبب تراكمات ولكن عندما جاء القدوة وهو المفتي العام للسلطنة هدأ الأمر.

ومن جهته قال عماد: انتشار وسائل التواصل الاجتماعي تحدٍ ومشكلة حقيقية ولا يمكن مواجهتها بالتحصين فقط بل بالإحساس بحجم المسؤولية وعدم التهاون في الأمور، وعلى كل شخص أن يأخذ الأمر بعين الاعتبار، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. فيجب على الأبوين حماية أطفالهم من خلال ترسيخ حب القيم والمثل العُليا، ليستطيع بعد ذلك حمايتهم من خلال تفكيرهم وإعادة النظر فيما لو أقدموا على الشيء كيف ستكون ردة فعل والديهم.. ؟

أما سعيد المحذوري فيذكر مثالاً بقوله: في أحد المنازل كانت كل التقنيات الحديثة مُتاحة ومنها قنوات التلفزيون ووسائل التواصل إلا أن الأبناء لا يفتحون إلا ما يجدونه متاحًا من أنفسهم فلا يفتحون إلا كل ما يستفيدون منه في الجانب العلمي، أو مجال الترفيه، وهذا لأن تأثرا بمنظومة القيم التي تم إعداد أبناء المنزل عليها وهي التي خلقت هذا الانضباط وشكلت تفاصيل حياتهم وكل تصرفاتهم، فإذا استطعنا أن نطور منظومة القيم لدى النشء أعتقد أننا سنستطيع الحفاظ على الكثير من أبناء الجيل من الدخول لوسائل التواصل الاجتماعي بصورة سلبية، وإنما سيُعزز ذلك لديهم الانتباه والاهتمام والمسؤولية تجاه ارتياد المواقع بصورة إيجابية وصحيحة. كما يجب على المدرسة أن تساعد الجيل الجديد على ارتياد المواقع ولكن في كل ما من شأنه أن يخدم العملية التعليمية مع وجود الشخص القدوة وتحفيزهم على أن يكونوا مثله، كما يجب أن يتم تدريبهم وتأهيلهم من خلال غرس مفاهيم القدوة والمسؤولية ومفاهيم القيم النبيلة التي لا يمكن لحاملها أن يمارس شيئاً خاطئاً إلا وأن يعيد حساباته قبل كل شيء.

أما السيد علي بن بدر البوسعيدي فيقول: كل المجتمعات تحتاج إلى تقديم نماذج يقتدى بها للأطفال والنشء، وتستخرج تلك النماذج من تاريخها القديم والحديث والمعاصر، أو من خلال قصص النجاح الموجودة في المجتمع حالياً .

ويضيف: القدوة يمكن أن يكون شخصية تاريخية أو شيخاً كبيراً أو عالماً فذاً أو أبا وأما ملتزمين بمنظومة قيم وأخلاق راقية، أو مدرسا ناجحا وقادرا على اقناع طلابه بالاقتداء به في سلوكه القيِّم، وكل هذه النماذج تحتاج إلى توجيه الضوء عليها وتشجيع الأبناء والبنات على الاهتمام بها والاستفادة منها، خاصة في ظل التَّسارع الكبير في التكنولوجيا وسيطرة وسائل التواصل الاجتماعي على تفاصيل كثيرة في حياتنا، وهذه الوسائل أيضاً يُمكن استثمارها في إبراز القيم والتصرفات الحميدة لنشجعهم على اتباعها فيكون لدينا جيل واعٍ وقادر على استكمال بناء المستقبل.

تعليق عبر الفيس بوك