القطاع المصرفي العماني يتمتع بالمتانة والقدرة على امتصاص صدمات النفط

خبراء: "المركزي العماني" تمكّن بسياساته المتوازنة من عبور الأزمات الاقتصادية

 

 

 

 

  • الغساني: "المركزي" نجح في تحقيق الاستقرار النقدي ونسب تعمين 90% بالقطاع المصرفي
  • الحارثي: الحرص على نفي الشائعات الهادفة إلى إضعاف العملة الوطنية يُحسب للبنك المركزي
  • كشوب: "المركزي" يستهدف تعزيز النشاط الاقتصادي وتوفير بيئة مصرفية جاذبة

 

الرؤية- أحمد الجهوري

 

أكد عددٌ من الخبراء نجاح البنك المركزي العماني على مدار 42 عاماً في تجاوز الكثير من الأزمات التي عصفت بكثير من الاقتصاديات والمصارف العالمية والإقليمية حتى وصل الأمر ببعضها إلى التعثر والإفلاس. كما استطاع البنك المركزي العماني بناء قطاع مصرفي يتمتع بكفاءة عالية يساهم في دعم وتنمية الاقتصاد العماني وتحقيق الاستقرار النقدي والمالي للسلطنة. وأشار المشاركون في استطلاع لـ"الرؤية" أن البنك المركزي العماني لعب دوراً أساسياً في تمويل المصارف للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي بدورها تلعب دوراً مهماً في توفير فرص العمل للقوى العاملة الوطنية وتساهم في دعم وتنويع الاقتصاد الوطني.

 

وقال الدكتور أحمد بن مُحسن الغساني عميد كلية الدراسات المصرفية والمالية إن البنك المركزي العُماني قام خلال العقود الأربعة الماضية بدور مُهم جداً في مُراقبة وتوجيه النظام المصرفي في السلطنة، مما أدى إلى الحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي وساهم في النمو الاقتصادي، بل وساهم في توطين القوى العاملة الوطنية في القطاع المصرفي لتتجاوز هذه النسبة ٩٠٪‏ وهي بدون شك من أعلى النسب على مستوى العالم.

ولقد نجح البنك المركزي العماني في تكوين سياسة نقدية متوازنة ومراقبة الجهاز المصرفي بكفاءة عالية أدت إلى الحفاظ على نمو مستمر وفي نفس الوقت أدى إلى تجنيب المصارف العُمانية العديد من المخاطر التي تعرضت لها المصارف في دول أخرى. إن نجاح البنك المركزي العماني في إدارة نظام المدفوعات وتنظيم الائتمان والإقراض أدى إلى أداء مصرفي متوازن وفي نفس الوقت ساهم في نمو الثقة في القطاع المصرفي العماني سواء داخل السلطنة أو خارجها.

ومن المفارقات أنه على الرغم من الركود الاقتصادي العالمي فقد أعلن مجلس مُحافظي البنك المركزي العماني منذ أيام عن رفع رأس مال البنك المركزي العماني من سبعمائة وستين مليون ريال إلى مليار ريال عماني اعتباراً من أول أبريل الجاري. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على قدرة النظام النقدي والمصرفي في السلطنة، كما أنه يأتي في إطار تعزيز الثقة في العملة الوطنية.

ويشار إلى أن البنك المركزي العماني يلعب دوراً أساسياً في تمويل المصارف للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي بدورها تلعب دوراً مهماً في توفير فرص العمل للقوى العاملة الوطنية وتساهم في دعم وتنويع الاقتصاد الوطني. وقد وضع البنك المركزي العماني التشريعات التي من شأنها تسهيل إجراءات منح القروض للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وذلك استجابة لقرارات سيح الشامخات. ونتوقع أن يشهد قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة نمواً أكبر خلال الفترة القادمة بفضل سياسات البنك المركزي العُماني الداعمة لهذا القطاع. 

 

تنمية مهارات الكوادر

وأضاف الغساني عن رفع قدرات العاملين في القطاع المصرفي والمالي أنَّ البنك المركزي العماني أولى اهتماماً كبيراً بهذا المجال وذلك من خلال تفعيل دور كلية الدراسات المصرفية والمالية التي تقوم بتدريب ما يقرب من ثلث موظفي القطاع المصرفي سنوياً وذلك من خلال نوعين من البرامج وهي الخطة السنوية للتدريب التي يتم إعدادها بعد تحليل الاحتياجات التدربيبة للقطاع المصرفي، وكذلك البرامج التدريبية المصممة حسب الطلب حيث يتم تنفيذ البرامج التدريبية في محافظات السلطنة المختلفة. إضافة إلى ذلك تقدم الكلية العديد من الشهادات المهنية العالمية بالتعاون مع الجمعيات المهنية المختلفة، كما أضافت الكلية مؤخرا برامج الشهادات المهنية في المالية الإسلامية.

وتقدم الكلية البرامج الأكاديمية في مستويات الدبلوم والبكالوريوس والماجستير بالتعاون مع جامعات عالمية عريقة حيث يلتحق بهذه البرامج المئات من العاملين في القطاع المصرفي. جدير بالذكر أن الكلية قامت مؤخراً - بناء على توجيهات البنك المركزي العماني - بطرح شهادات مهنية خاصة بالكلية في مجالات مديري فروع المصارف والشهادة المهنية للمصرفي المعتمد وغيرها مثل الشهادة المهنية في إدارة المخاطر. ومما لا شك فيه أن البنك المركزي العماني تمكن خلال الإثنين وأربعين سنة الماضية من بناء قطاع مصرفي يتمتع بكفاءة عالية ساهم في دعم وتنمية الاقتصاد العماني كما ساهم في الاستقرار النقدي والمالي للسلطنة.

 

تطور القطاع المصرفي

ومن جانبه، قال الكاتب سعود الحارثي: كلنا يعرف أن البنوك المركزية نشأت في وقت لاحق - أي في مرحلة متأخرة عن البنوك التجارية - وذلك في القرن السابع عشر، وبالتحديد في الدول الأوروبية، وجاء إنشاء البنوك المركزية للتعامل مع الأزمات المالية التي نشأت بسبب تجاوزات البنوك التجارية وافتقارها للقواعد التنظيمية والنصوص التشريعية التي تنظم عملها، وإفراطها في تقديم القروض وتوسعتها في إصدار النقود كون أنَّ البنوك التجارية كانت تتولى هذه المهمة، إلى جانب حفظ الودائع وتقديم القروض، فبات من الملح إنشاء البنوك المركزية مع اتساع أنشطة القطاع المصرفي والتعقيد الذي بلغه، وذلك بغرض (تنظيم النشاط المصرفي وتنظيم عملية إصدار النقود للتحكم بعرض النقد)، والتي تطورت مع المراحل الزمنية على ضوء تطور القطاعات المصرفية والأنشطة الاقتصادية والنمو العالمي في مجالات التنمية، والحاجة إلى التمويل وتجاوبا طبيعيا كذلك مع المدارس والمناهج الاقتصادية المتغيرة والمتعددة والمتطورة، فأصبحت اختصاصاتها منوطة بـ(بإرساء سياسة نقدية سليمة ذات فاعلية عالية في تحقيق الاستقرار النقدي بالدرجة الأولى) .

وعلى مستوى السلطنة فقد أنشئ البنك المركزي العماني مع انطلاقة النهضة العمانية في الأول من ديسمبر 1974م، بمقتضى القانون المصرفي رقم 7/74 (المعدل بالمرسوم السلطاني رقم 114/2000) كنتيجة طبيعية (لتطور النظام النقدي والمالي في السلطنة فحتى عام 1970م، عندما تولى صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - مقاليد الأمور لم تكن هنالك سلطة وطنية مسؤولة عن الإشراف والرقابة على الجهاز المصرفي الناشئ، حيث كان عدد البنوك لا يتجاوز ثلاثة بنوك، وكان النشاط المصرفي محدوداً). مع العلم بأنه قـد سبق إنشـاء البنـك المركزي العمانـي هيئتين رسميتين همـا (سلطة نقد مسقط التي أُنشئت في عام 1970م، ومجلس النقد العماني الذي أنشئ في عام 1972م)، وقد مهدتا بالفعل الطريق لظهور البنك المركزي العُماني.

وأضاف الحارثي أن البنك المركزي العماني هو بنك الحكومة الرسمي، حيث يحتفظ بودائعها، كما يقوم بمنحها قروضاً قصيرة الأجل لتغطية العجز المؤقت في الإيرادات المتكررة في حدود نسبة محددة، كما يقوم بإدارة القروض نيابة عن الحكومة، ويحتفظ في جميع الأوقات بجزء من أرصدة الدولة بالعملة الأجنبية كغطاء للنقد المتداول بنسب محددة.

ويحتفظ البنك المركزي العماني بودائع البنوك العاملة بالبلاد، وهي ودائع إلزامية مقررة بموجب أحكام القانون المصرفي أو بقرار من مجلس المحافظين، وودائع أخرى اختيارية تودعها البنوك للحصول على الفوائد. ويمنحها البنك المركزي في المقابل تسهيلات ائتمانية، ويقبل كذلك (الودائع من البنوك المركزية الأجنبية والمؤسسات النقدية والمالية الدولية). إلى جانب ذلك يقوم البنك المركزي بـ (إصدار العملة الوطنية ويراقب تداولها والمحافظة على قيمتها المحلية والدولية ويقوم بإدارة الأصول الأجنبية للسلطنة). ويتولى (وظيفة مستشار الحكومة في الأمور الاقتصادية، بصفة عامة، والأمور النقدية والمالية، بصفة خاصة).

 

ضبط السياسة النقدية

وأشار الحارثي إلى أن البنك المركزي العُماني يرسم السياسة النقدية بكل مكوناتها ويهدف إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي واستدامة الأوضاع النقدية في البلاد ومواجهة الأزمات المالية والاقتصادية والتعامل مع آثارها، ومن بين ذلك التأثيرات الحالية للأزمة الاقتصادية المتمثّلة في انخفاض أسعار النفط، أو أية أزمات مالية واقتصادية أخرى، وذلك من خلال: تفادي الانعكاسات والتأثيرات المُحتملة على ميزان المدفوعات من جراء انخفاض أسعار النفط التي تمثل معظم الصادرات، والتي يؤدي تراجع قيمتها إلى استنزاف مدخرات البنك من العملة الصعبة، وحدوث عجوزات محتملة في هذا الشأن، وعلى ضوء المراقبة والمتابعة والتقييم يسعى البنك باستمرار إلى تعزيز الاحتياطيات لضمان تغطية ما مدته ستة أشهر من قيمة الواردات وهذا ما ينتهجه البنك طيلة السنوات الماضية. وتوجيه أذونات الدين قصيرة ومتوسطة الأمد لتغطية عجوزات الميزانية الآنية. وكذلك مراجعة السيولة المصرفية ومعدلاتها الملائمة أثناء فترة الأزمة الاقتصادية والتيقن من توافرها وتوجيهها للمؤسسات الاقتصادية التي تواجه تحديات تمويلية صعبة في ظل شُح المشروعات وتأخر فترات السداد الحكومي والخاص.

وأضاف الحارثي أن من مهام البنك المركزي العُماني مراجعة السياسات الخاصة بمعدلات الفائدة على الإقراض والتيقن من انسجامها مع تكلفة الإقراض العالمية، والتي من المرجح أن تبقى على معدلاتها الحالية في ظل الأزمة أو تتجه نحو مزيد من الانخفاض لتشجيع الاستثمار وسد فجوة تراجع الاستثمار الحكومي وتحفيز القطاع الخاص في تمويل مشروعاته، وهو ما يفترض أن يقوم به البنك المركزي. ومراجعة احتياطي البلاد والتأكد من مدى مرونته مع الأوضاع النقدية للبنوك والوضع الاقتصادي عموما والمعدلات العالمية. وتوسيع التمويل وتشجيع البنوك التجارية في التوجه الى القطاع الاستثماري (الإنتاجي والصناعي والخدمي) في ظل توجه الحكومات لتنويع الاقتصاد.

أما عن أهم مسؤوليات البنك المركزي في اللحظة الاقتصادية الحرجة أي مع التراجع الحاد في أسعار النفط عالميًا، فقال الحارثي إن أهم المسؤوليات إدارة السيولة النقدية في السلطنة والحفاظ عليها عند مستويات معينة، بمعنى الحفاظ على سيولة نقدية مناسبة للبنوك مع وفورات في العملة الأجنبية حتى يتمكن من مقابلة الانخفاض الكبير في الإيرادات من عائدات النفط والتي يترتب عنها بشكل طبيعي انخفاض في احتياطات العملة الأجنبية، بالإضافة إلى الحفاظ على سعر صرف العملة المحلية وعدم تأثرها بالانخفاض في السيولة بشكل عام جراء انخفاض أسعار النفط العالمية وبالتالي تراجع احتياطيات النقد الأجنبي، وبشكل عام نستطيع أن نقول إنِّه وحتى الآن استطاع البنك المركزي أن يقوم بدور الحفاظ على السيولة النقدية على المدى القريب، مع التأكيد على وجوب الحفاظ على احتياطي البلاد من العملة الأجنبية ورأس مال البنك والأصول، لفترة ستة أشهر على الأقل . فهل نستطيع أن نطمئن إلى أن الاحتياطي قادر على الوفاء بهذه المدة مع الظروف الاقتصادية الحالية. هذا جانب ومن جانب آخر فلا بد من طرح جملة من الأسئلة حول مدى نجاح البنك المركزي في استخدام أدوات السياسة النقدية المتاحة له خلال الأزمة الحالية لتنشيط الاقتصاد الذي تراجع بنسب كبيرة في السنوات الأخيرة نتيجة لانخفاض أسعار النفط وبالتالي انخفاض الإنفاق الحكومي وهو المحرك الرئيسي لنشاط القطاع الخاص في البلد ومن أهم هذه الأدوات التي كان يمكن استخدامها للتنشيط، سعر الفائدة الذي لم يشهد تغيرا يذكر مع مستجدات هذا الركود الاقتصادي إضافة إلى أداة التسهيلات الائتمانية للمستثمرين؟ مع التأكيد كذلك على أنَّ أي سياسة نقدية لتنشيط الاقتصاد يجب أن تواكبها سياسة مالية من قبل وزارة المالية، وسياسة اقتصادية عامة يقوم بها المجلس الأعلى للتخطيط، مشجعة ومحفزة للاستثمار، لكي تحقق النجاح وتؤتي أكلها، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإنّه إذا قام البنك المركزي بتخفيض سعر الفائدة من جهة وقامت وزارة المالية بزيادة الضرائب من الجهة الأخرى فستكون النتيجة سالبة.

واختتم الحارثي بقوله إن مجلس محافظي البنـك المركزي العُماني وافق على زيادة رأس مال البنك المركزي العُماني من 760 مليون ريال عماني إلى مليار ريال عُماني اعتبارا من أول إبريل 2017م. وواصل سياسته الإعلامية في نفي الشائعات التي تستهدف إضعاف العملة المحلية والتشكيك في قدرة الاقتصاد العماني على مواجهة ضغوط انخفاض أسعار النفط، وبث الطمأنينة وصياغة رسالة تعزز الوعي بمتانة وقوة الاقتصاد العماني، ولكن على البنك المركزي أن لا يكتفي بذلك في ظل الضغوطات الكبيرة التي تواجه اقتصاد السلطنة مع انخفاضات أسعار النفط، بل عليه أن يتبنى مع الجهات المعنية تبني سياسات وأدوات غير تقليدية لتعزيز احتياطاته من جهة وتنويع مصادر الدخل من جهة أخرى من مثل الحد من الأموال المحولة إلى الخارج وتشجيع الاستثمارات وتحفيز البنوك التجارية على تمويل المشاريع.

 

ضمان البيئة المصرفية

وقال الإعلامي والمحلل الاقتصادي أحمد كشوب إن البنك المركزي العماني عمل على تعزيز النشاط الاقتصادي في السلطنة وليس فقط في تحقيق الاستقرار النقدي وضمان البيئة المصرفية والنقدية المناسبة ويعتبر القطاع المصرفي أحد القطاعات الرائدة في الاقتصادات الحديثة، وليس فقط لدوره الهام في حشد وتعبئة المدخرات المحلية والأجنبية وتمويل الاستثمار الذي يمثل عصب النشاط الاقتصادي، بل لكونه أصبح يمثل حلقة الاتصال الأكثر أهمية مع العالم الخارجي.

وباستقرار الاقتصاد يمكن تحقيق أهداف اقتصادية كثيرة من بينها الحد من الباحثين عن عمل والمحافظة على مستوى عام مستقر للأسعار وسعر صرف ثابت للعملة الوطنية وجعل أسعار الفائدة مطابقة للوضع الاقتصادي للبلاد ومن هذا المنطلق وبغرض التحكم في المعروض النقدي طبق البنك المركزي العماني العديد من الإجراءات الكفيلة بتحقيق تلك الأهداف الاقتصادية، وبحكم تلك السياسة استطاع البنك المركزي العماني أن يتجاوز الكثير من الأزمات التي عصفت بكثير من الاقتصاديات والمصارف العالمية والإقليمية التي تعرضت للتعثر والإفلاس. لهذا نبارك ونهنئ البنك المركز العماني بتلك الإنجازات وهو يحتفل بمرور 42 عامًا من العطاء راجيًا المولى أن يديم علينا الاستقرار النقدي والمالي والاقتصادي في ظل الحكومة الرشيدة لمولانا صاحب الجلالة الذي أرسى دعائم الاستقرار الكلي.

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك