الخلافات المذهبية.. إلى أين؟!

عبدالله العجمي*

كم من المؤلفات والكتب التي أُلِّفت ولا تزال وستبقى تؤلف في نقاط الخلاف بين السنّة والشيعة؟! كُتُب يؤلفها طرف تتبعها ردود يكتبها الطرف الآخر ثم تردفها ردود على الردود من الطرف الأول وهكذا.. ورغم هذا وذاك ومع كل هذا الكمّ الهائل من المؤلفات إلا أنّه لا يزال كلا الفريقين في مكانه لم يبارحه قيد أنملة، أتعلمون لماذا؟! لأنه وبنظري القاصر أنّ غالبية هذه الكتب بُنِيَت على أساس تسجيل النقاط لا على إحصائها.. وحتماً إذا لم يتغير هذا النهج لبقينا على حالنا سنين قادمة.. ولما توصلنا إلى نتيجة؛ لأن كلا الفريقين ينظر للآخر بعين الريبة والتوجّس غير آبهين بالأخطار المحدقة على الإسلام ولا منتبهين للمخططات التي تحاك وتنفّذ ضده.

أيطمح أحدكم أن يورّث الجيل القادم من أبنائه وأحفاده هذا النهج؟! لن أكون قاسيا في تسميته بالنهج المُتعصّب أو التشنجي بل سأكون لطيفا وأقول: حالة اللاحوار، وكلنا يعلم أن نشْأنا القادم بدأ يشقّ طريقه في هذه الحياة وحوله من الصراعات والفتن ما يُخاف منها عليه.. صراعات تلتهم الأخضر واليابس دونما تمييز، هل يرغب أحدكم أن يفقد هذا الجيل طُهره وبراءته؟ لِم لا نأخذ بيده ليكون تفكيره موضوعيّاً وحواره عقلانياً؟ والأهم من هذا وذاك أن يكون إنساناً في حواراته وتفكيره.. إنساناً بروحه لا بجسده.

بلغ الاختلاف في المواقف والتباين في الرؤى أن نختلف في دعم أهم قضية معاصرة عايشناها بل وستبقى قضية هذا القرن مثلما كانت قضية سلفه؛ إنّها قضية فلسطين!! فكم وكم تفاعلنا مع هذه القضية؛ وعشناها بوجداننا فلم ننتبه من نومتنا إلا وقد احتُلّت فلسطين وما حولها!! وكم ركزنا على أفغانستان فضاعت أفغانستان، وكم أدمنّا العراق وها نحن نختلف في التعاطي والتعامل مع ما يحصل به.

نحن أمّة صار البكاء على الأطلال منهجاً راسخاً في عقولنا؛ فالشعر العربي زاخر بالمراثي، والنثر كذلك حافل بعبارات الشؤم، فريثما يصدر عنا بيان شجب واستنكار يتناول قضية نتعاطف معها وتحوز على كل الانفعال الذي نمتلكه وكل العواطف بوجداننا، وقبل أن يجفّ حبر هذا البيان؛ نصبح على قضية أحدث تحمل مآسي أفظع مما حملته سابقتها.. هم يخطّطون ونحن نيام، ويجاهرون بخططهم ولا نملك إلا أن نستنكر، وربما يحتلّون والشجْب أقصى ما يصدر منا.

مشكلتنا الرئيسية والتي أَسّست عليها قنوات الفتنة بنيانها؛ أنها تنطلق من أحداث تاريخية تبعد عنا بُعد المَشرِقَين، فإذا أرادت قناة فتنويّة أن تُشنِّع على طائفة لجأت إلى كتبها التي أُلِّفت قبل مئات السنين، ولربما كانت تلك الكتب تمثّل اجتهادات أصحابها وتحتوي الغثّ قبل السمين، فقد يكون فيها ما يمكن أن يكون مأخذاً يتم تأسيس بنيان قضيّة خلافية عليه ومن ثم الانطلاق منها لقضايا تتفرع عنها والسلسلة لا تنتهي فالشيطان - كما تعلمون- يكمُنُ بين التفاصيل، فتقرأ تلك القناة الفتنويّة على مشاهديها هذا النصّ على أنه عقيدة راسخة لهذه الطائفة أو تلك؛ حتى لو نفت تلك الطائفة عن نفسها تلك التهمة، فمثل هذه القنوات تعمل على تفريغ سمومها بالتنفيس عن عقدتها بأن تتّهم الطائفة المخالفة لها ما تعتقد أنه حقيقة حتى لو نفتها الأخيرة عن نفسها؛ لأن الهدف ليس كشف الحقيقة بقدر ما هو تسجيل النقاط على مخالفيها، كأي فريقين يلعبان لعبة يريد أحدهما تسجيل نقاط على الفريق الآخر بأي طريقة كانت دونما وجود روح رياضية.

كثُرت المؤتمرات الداعية إلى الوحدة، وتعددت شعاراتها؛ لكن رغم كل ذلك فإن الأمر منوط بنا.. علينا أن نفهم الواقع بفهم الإنسان فينا، علينا أن نسأل أنفسنا: هل نريد الإسلام؟ فلنثبت ذلك، لا في الشعارات والمؤتمرات بل في ذواتنا.

إنّ الغرب قد أعلنها حرباً علينا، وأغدق علينا من التوصيفات ما تنوء المعاجم عن تدوينه، فتارة إسلام التطرّف، ومرة إسلام التشدّد، وحيناً إسلام التعصّب؛ ولو لاحظتم أنّهم اتفقوا في منهجية الأسلوب مع تلك القنوات المشبوهة مما يؤكد أنّ الخطة واحدة والهدف واحد، فينتقون بعضاً من أفعال من يدّعون الإسلام لتعميمها على أنها من صميم الإسلام، كما تنتقي تلك القنوات الطائفية البغيضة نصّا لهذه الطائفة ليتم التشنيع عليها كما أسلفنا.

علينا أن نتّحد استعدادا لمراحل قادمة.. علينا أن نشعل الشمعة التي ستزيل هذا التعصب البغيض الذي يعيش فيه البعض.. علينا أن نجعل الوحدة هي معنى الإسلام فينا؛ لا أن نكون شيعة ونعيش بمعزل عن بقية الطوائف أو أن نكون سنّة وننأى بأنفسنا عن غيرنا، بل أن نكون مسلمين فقط، لأننا إذا أغفلنا الإسلام في انتسابنا وانتمائنا وبقينا ندور في حومة مذاهبنا، فإننا بذلك نحوّل المذهب إلى دين؛ ولو كان ذلك على حساب الإسلام.


رئيس لجنة الثقافة والتعليم بالاتحاد العربي الأفريقي للإعلام الرقمي