"مجلة فوربس" تقدر ثروة الشيخ سهيل بهوان بنحو 4.1 مليار دولار..وترصد رحلة نجاحه

رحلة نجاح رجل الأعمال العماني الشيخ سهيل بهوان من بداية متواضعة إلى أحد أثرياء العالم

منذ بداياته المتواضعة حين كان يجوب بحر العرب بحثاً عن فرص تجارية، أسس سهيل بهوان إمبراطورية بمليارات الدولارات في سلطنة عُمان. قد عهد في العام الماضي بإرثه التجاري العريق إلى ابنته أمل، لتسير على خطاه في تطوير المجموعة.

ببلوغه 78 عاماً، لم يعد سهيل بهوان ذلك التاجر الشاب الذي خبر الإبحار في المحيط الهندي،

على متن قارب “داو” الخشبي، ولا رائد الأعمال المبتدئ الذي باع ذات يوم شباك الصيد في سوق مطرح بمدينة مسقط. ربما لهذا السبب عهد رئيس (Suhail Bahwan Group) إلى ابنته أمل بهوان في العام الماضي، قدرًا كبيرًا من إدارة عمليات مجموعته التي حققت إيرادات بقيمة 4 مليارات دولار في عام 2016 . وهي إحدى أكبر الشركات الخاصة في عُمان، وتعمل في قطاعات عدة، أهمها: الأسمدة، وخدمات النفط والغاز، وتجارة السيارات.

فيما تقدر فوربس الشرق الأوسط ثروة سهيل بهوان التي جمعها بجد واجتهاد، بنحو 4.1 ملياردولار. وهو يقسم وقته اليوم متنقلاً بطائرته الخاصة “غلف ستريم” بين عُمان والمملكة العربية السعودية وأوروبا. كذلك يتفقد سير أعماله بانتظام مع ابنته التي أوكل إليها مواصلة مسيرة العائلة. تقول أمل بهوان(45 عاماً) : “إنه حريص على متابعة شؤون الأعمال كلها”.

ويظهر من نوافذ مكتبها الأنيق في العاصمة مسقط، منزل والدها المشيد بالحجر الأبيض، حيث تمتد ظلاله على مياه خليج عُمان الزرقاء، ومشرفاً على حي القرم العصري في العاصمة، تقول: “تعلمت منه كل شيء، واليوم أنا من يتولى أعباء الإدارة”.

ببساطة، إنها قصة علاقة أب بابنته الأقرب إلى قلبه بين أفراد عائلته المكونة من 15 ابناً وبنتاً.

أثبتت أمل بهوان قدرتها على تطوير أعمال مجموعة بهوان بشكل يثير الإعجاب. مصدر الصورة: مجموعة بهوان

بينما يتولى إخوانها: أحمد وعمر وعثمان وسعد، مناصب إدارية عليا في المجموعة، تضيف: “كنت أقرب الأبناء إلى العائلة. وهذا معروف لدى الجميع”. وقد برز دورها في الشركة حين اختلف والدها مع شريكه وشقيقه الراحل سعود، حول تحديث أعمال العائلة، وتغيير اتجاهها من موزع معتمد لأكثر من 500 شركة أجنبية فقط، إلى منتج رئيس للأسمدة والمواد الكيميائية. إذ شغلت الشركة مصنعاً في السلطنة، ينتج نحو 1.3 مليون طن متري من مادة اليوريا سنوياً، وهي المادة المستخدمة في صناعة الأسمدة، والمواد اللاصقة.

كما تنافس المنتجين الصينيين في تصدير الأسمدة إلى الأمريكيتين، وأستراليا، وتايلاند، والهند، وجنوب أفريقيا. فضلاً عن مصنع يوريا آخر للمجموعة في الجزائر ما زال قيد الإنشاء، جرى تطويره بالاشتراك مع شركة  النفط الحكومية (Sonatrach). على سبيل المقارنة:

شركة (OCI) التي يديرها الملياردير المصري ناصف ساويرس، قادرة على إنتاج 3.2 مليون طن متري من مادة اليوريا سنوياً.

ويبدو أن نشاط سهيل بهوان في صناعة الأسمدة، شجعه انخفاض أسعار الغاز (المستخدم في إنتاج مادة اليوريا)، ومتزامناً مع مساعي السلطان قابوس لتنويع الاقتصاد، وتقليل اعتماده على النفط، أسوة بالتوجه ذاته في دول الخليج العربي الأخرى. لكن يرجح أن تشتمل تدابير التقشف، رغم كونها أقل حدة من التدابير المتبعة في جارتها السعودية، تقليصاً للمشروعات الممولة من الحكومة، مما قد يضر بأعمال المجموعة في قطاعي الهندسة والبناء.

في المقابل، تتبنى عُمان استراتيجية الخصخصة التي تتيح فرصاً جديدة للأعمال التجارية. وفي هذا السياق ترى أمل بهوان أن الشركة يمكن لها الاستفادة من العمل في قطاع الرعاية الصحية، فقد عقدت مؤخرًا اتفاق شراكة مع شركة برتغالية لبناء مستشفى خاص في العاصمة مسقط. وبالتالي، يمكن لأصول الشركة المتنوعة، حمايتها من الأحوال الاقتصادية المتغيرة.

يقول روبرت موجيلنيكي، المحلل في (Oxford Strategic Consulting) التي تهتم بشؤون دول الخليج العربي: “ستنمو بعض شركات المجموعة، وسيثبت بعضها الآخر مرونته، ومن المتوقع رغم ذلك، تضرر شركات أخرى بسبب سياسات تقليص الإنفاق”.

إن الإرث الذي عهده سهيل بهوان إلى الجيل الثاني في العائلة، مختلف هذه الأيام عما كان عليه في السابق. إلا أن تلك البدايات المتواضعة، ما زالت عالقة في ذاكرته كشذرات من الماضي- الحاضر بمظاهرعدة. ففي غرفته الخاصة في مقر الشركة، تزين البنادق القديمة ولوحات قوارب الداو الزيتية جدران المكان. وعلى الطاولة المحاذية لمقعده المخصص للقراءة صورة قديمة، يظهر فيها إلى جانب شقيقه الأصغر سعود، بما يعكس حياة البساطة التي كانت من سمات ذلك الزمن.

لقد ولد سهيل بهوان في صور- ميناء بحري صغير محاذٍ للساحل جنوب شرق العاصمة مسقط ب 100ميل. وهو ميناء قريب من المنطقة التي يتوسع فيها مضيق هرمز في المحيط الهندي، مما جعله مر قرون، نقطة توقف مفضلة للسفن المبحرة بين الهند والعراق وزنجبار، وما يليها. وما أن اشتد عوده قليلاً، حتى رافق وسعود والدهما في رحلاته البحرية لمقايضة التمور والأسماك بالأرز والسكر، وغيرها من السلع. وللدلالة على حجم أسرة والدها الممتدة، تشير أمل بهوان إلى أنها لا تعرف بدقة عدد عماتها وأعمامها لكثرتهم.

أما عن التعليم البسيط الذي تلقاه في صغره، فقد ارتاد بهوان المدرسة الابتدائية في الهند، لكنه تركها بعد الصف السادس. حينها أوكل إليه والده مسؤولية الإبحار على متن قارب داو، فتعلم أول دروسه عن كيفية مساومة التجار من مختلف بقاع العالم، وتمييز الصفقات الجيدة من غيرها. آنذاك، كانت صور تشهد آخر أيام مجدها بوصفها مركزًا للمواصلات. فالعالم كان في طور التغير، وقناة السويس، التي افتتحت منذ عام 1869 ، غيرت مسار طرق التجارة التقليدية، كما كانت السفن الحديثة أسرع من قوارب داو، مما أضر بكثير من التجار.

وحين لم يجنِ بهوان الكثير من الأموال من التجارة في صور، اضطر إلى ابتداع أساليب أخرى. تقول ابنته: “التجارة تسري في دمه”. فقد حصل على قروض من التجار الهنود، واستغلها لشراء الذهب، ثم بيعه لاحقاً في عُمان. إلا أن الأرباح كانت ضئيلة بعد تسديد أموال المقرضين. وفي ستينات القرن الماضي، كثيرًا ما خرج في رحلات بحرية من صور إلى العاصمة مسقط، بحثاً عن فرص أوفرعلى لبيع سلعه. لكنه قرر وشقيقه في عام 1965 الانتقال إلى العاصمة بصفة دائمة، فافتتحا متجرًا في سوق مطرح ذي الأزقة والممرات الضيقة، لبيع شباك الصيد ومواد البناء.

كانت العاصمة مسقط تختلف اختلافاً كبيرًا عن صور الصغيرة، لكنها تميزت وقتها بميناء بحري هادئ. حينها حاول الشقيقان الدخول في مجتمع رجال الأعمال هناك، فعمد سهيل بهوان إلى التعرف على نظرائه من أصحاب المتاجر والشركات حول المدينة، بحثاً عن الفرص المناسبة. وشارك في المناسبات الاجتماعية، وصادق المسؤولين الحكوميين، وأقام الصلات والعلاقات الاجتماعية المتنوعة. فعادت عليه جهوده تلك بفوائد عظيمة.

كما لم يكتفِ الشقيقان ببيع شباك الصيد، بل كانا تواقين إلى الحصول على حقوق امتياز أجنبية. فحصلا فعلاً على أول امتياز لبيعمنتجات شركة صناعة الساعات اليابانية (Seiko) عام 1968 ، ثم مع شركة الصناعات الإلكترونية (Toshiba). ولا تذكر أمل تحديدًا كيف اتصل الشقيقان من آل بهوان بالشركات اليابانية، لكنه كان توقيتاً جيدًا على أي حال.

ثم في عهد السلطان قابوس، فتح الحاكم الجديد أبواب بلده على العالم الخارجي منذ توليه مقاليد الحكم عام 1970 ، مطلقاً برنامج التحديث وتحرير الاقتصاد، مما أوجد مزيدًا من الفرص، وزاد من الإقبال على السلع الاستهلاكية والمشروعات الصناعية. في تلك الفترة، كانت شركة (Toyota) تبحث عن شركاء في منطقة الخليج العربي، فلاحت فرصة رائعة يصعب على الشقيقين التخلي عنها، سيما أنهما لم يكونا الوحيدين الذين ينافسون على هذه الصفقة، إذ كانت عائلة الفطيم العريقة في الإمارات تنافس للحصول عليها، ليس في موطنها فحسب، بل في عُمان أيضاً. فوجب على الشقيقين بهوان البرهنة على امتلاكهم الأموال الكافية لهذا الاستثمار، وعقدا في عام 1974 شراكة مع رجل الأعمال العماني عمر زواوي، لتأسيس شركة صناعة الأنابيب (Amiantit Oman). وخلال عام واحد فقط، جمعا إيرادات كافية لرأس المال المطلوب.

مع ذلك، كانت عائلة الفطيم الأقرب للفوز بالصفقة، لولا تدخل السلطان قابوس الذي أراد شركة عُمانية لتمثيل علامة (Toyota) التجارية في بلده. وفي عام 1975 بدأت السفن تفرغ حمولتها من السيارات اليابانية في ميناء مسقط، وأصبح آل بهوان رائد سوق السيارات في السلطنة خلال 3 أعوام فقط. وعلى نحو متسارع، هبت الرياح بما تشتهي سفن الشقيقين بهوان؛ إذ حصلا خلال العقد التالي على العديد من حقوق امتيازات الشركات الأجنبية، بما فيها (Ford) وصانعو المعدات (Komatsu) و(Kubota) و(Bomag) .كما أسسا وكالة سفريات، وتعاونا مع (Thai Airways) و(Pan Am) و(Air France) وأطلقا شركة لتأجير السيارات. ثم باشرا عام 1977 بالعمل في مشروعات البنى التحتية في قطاعي الإنشاءات والطاقة، واستحوذا عام 1984 على شركة لتطوير محطات تحلية المياه وتوليد الكهرباء في أرجاء السلطنة جميعها. في نهاية الثمانينات، نمت الشركة مع نمو الأعمال، وضمت ما يزيد على 4 آلاف موظف. كما تعددت نشاطاتها في قطاعات   الاتصالات، والشحن والخدمات اللوجستية، والإلكترونيات، والأغذية، وغيرها.

حينئذ، كانت الطفلة أمل ترافق والدها إلى العمل أحياناً. وقد اعتادت الجلوس على الأرض بقرب مكتبه، تشغل نفسها باللعب أثناء انشغاله بالمكالمات الهاتفية، ولقاء مسؤولي الشركة التنفيذيين. تقول: “أنا الفتاة الوحيدة التي رافقت والدها إلى مقر عمله”. في حين اختلفت جوانب الأعمال التي تولاها والدها وعمها في تلك المرحلة؛ فوالدها خصص أوقاته للاهتمام بأقسام المجموعة الجديدة، كالإنشاءات، بينما صب عمها جل اهتمامه في تجارة السيارات. عقب ذلك اندلع خلاف بين الشقيقين عام 1990 ، وأدى إلا انفصالهما لاحقاً.



1572-copy-239x300

 

درست أمل بهوان علم التربية وتخرجت في جامعة السلطان قابوس عام 1993 . وأرادت لها عائلتها العمل في مجال التعليم، لكنها رغبت باستكمال دراستها في الخارج، لولا أن والدتها المحافظة لم توافق على ذلك. فعملت لوقت وجيز معلمة في إحدى المدارس الثانوية في العاصمة مسقط، وسرعان ما شعرت بالملل. ثم حصلت عام 1995 على وظيفة أخرى لتدريب الطلبة ضمن برنامج مهني حكومي عملت فيه لعامين، ثم عادت لاستكمال دراستها في الجامعة نفسها، ونالت درجة الماجستير في الإدارة.

وقد قررت بعد تخرجها الالتحاق بشركة العائلة عام 1998 ، فعملت في دائرة الخدمات ولم تحصل على مسمى وظيفي أو أجر. وإلى جانب الفوضى التي عمت الشركة وقتها، فضلاً عن النزاع العائلي، اختل التنظيم وضعفت الإدارة والإشراف من حيث الموارد البشرية والشؤون المالية. كما أرسل المديرون العامون في كل قسم تقاريرهم، إما إلى سهيل بهوان أو سعود، وتمتعوا باستقلالية واسعة النطاق فيما خلا ذلك.

شرعت أمل بتدقيق واجبات الأقسام، وإدخال نظم الحوسبة إلى الموارد البشرية، وتحديث السياسات المرجعية للشركة. مما دفع والدها المعجب بإنجازاتها إلى تفويضها بنفوذ أوسع، فضلاً عن الأجور التي أدرك أنه نسي منحها إياها لعامين. حينها، كان يؤسس نشاطاً تجارياً في قطاع المواد الكيميائية والأسمدة، تحول إلى حقيقة عام 2000 ، بافتتاح مصنع لإنتاج حامض الكبريتيك في مدينة صحار الساحلية.

تقول: “في تلك المرحلة كان مكتفياً من التجارة”. وكانت هوامش الأرباح أفضل. في السابق، توقف النمو منذ عام 1990 ، كنتيجة مباشرة للخلاف بين الشقيقين، وكان من الصعب التوقيع على عقود جديدة، ما دامت تحتاج إلى توقيعهما معاً، في الوقت الذي أحجما عن استمرار التعاون بينهما. وبحلول عام 2002 ، لم يعد بوسعهما الاستمرار أكثر على هذه الحال، فهاتف سعود بهوان شقيقه، واتفقا على الانفصال. كان امتياز (Toyota) هو ثمن إنهاء الشراكة لصالح (Saud Bahwan Group). في حين احتفظت (Suhail Bahwan Group) بحقوق امتياز (Seiko) و (Toshiba) من بين نشاطات أخرى، كما حازت لاحقاً على حق توزيع سيارات (Nissan)  و(BMW).

تعلق أمل بهوان على تلك المرحلة بقولها: “كان علينا المضي قدماً”. غير أن سعود بهوان رحل في عام 2008 ، عن عمر يناهز 68 عاماً. واليوم يدير نجله محمد (تقدر ثروته بنحو مليار دولار) الشركة التي صرحت لفوربس الشرق الأوسط في وقت سابق بعبارة: “تظل أواصر العائلة وثيقة”.

لقد كان إنشاء مصنع سهيل بهوان لإنتاج اليوريا مكلفاً جداً. بالإضافة إلى أنه احتاج وقتاً طويلاً للحصول على التصاريح الحكومية، وللتفاوض على أسعار مناسبة للغاز الطبيعي.

ومول المشروع البالغة قيمته 1.3 مليار دولار بقرض من (Japan Bank for International Cooperation) وأوكل بناء المصنع إلى (Mitsubishi Heavy Industries)  ليباشر عمله عام 2009 .

في حين اختار سهيل دولة قطر لتكون مقراً لعمله، إلا أن صعوبة الإجراءات الحكومية، وأسعار الغاز غير المناسبة، دفعته لنقل أعماله إلى الجزائر، حيث عقدت الشراكة مع (Sonatrach) بسعر معقول؛ إذ تمتلك (Suhail Bahwan Group) نسبة 51 % من المشروع. وبالرغم من إتمام الصفقة في عام 2008 ، تأخر افتتاح المشروع بسبب عدم الاستقرار الذي طرأ في تلك البلد. واليوم بعد مرور 9 أعوام، يشرف المصنع أخيراً على الاكتمال.

وفي الوقت الذي ركز والدها طاقاته وجهوده على مجال إنتاج الأسمدة، أثبتت أمل بهوان قدرتها على إصلاح نظم الشركة وتعزيز أقسام المجموعة. لكن بتعاظم نفوذها، نشأت صراعات مع كبار المسؤولين التنفيذيين. حتى أنها تذكر استدعاءها إلى مكتب والدها في أحد الأيام، إذ أطلعها بغضب على لائحة من الشكاوى المحررة ضدها. وكان أحد أشقائها حاضرًا، فظلت محافظة على هدوئها حتى غادر، ثم ردت بكل قوة. تقول: “أجبت بالصراخ”. وبينما يظل هذا النوع من المواقف أمراً طبيعياً، سيما في مراحل التحول التي تمر بها الشركات، يزداد حرص أمل بهوان على تحقيق رؤيتها الإدارية والنهوض بأعمال العائلة. وهذا من مزاياها التي تستحق عليها الثناء.

تعليق عبر الفيس بوك