أطباء على الهَامش!

 

 

سلطان بن خميس الخروصي

 

كان والده يربت على كتفيه براحة يديه المُقدَّسة وهو يُهدهِدُ قولاً :"ستكون دكتورا يفخر بك الوطن قبل أن أفتخر أنا بك يا ولدي"، مرَّت السنوات تأكل بعضها البعض، شاكس (فَتَانَا) مصاعب الحياة والدراسة في مجاله الذي أحبَّه "الطب"، وحينما دُقّت أجراس السنة السابعة بجامعة السلطان قابوس تنبَّأ بإعلان انتهاء السنوات العجاف من السهر والجد والاجتهاد، حينها فقط بدأ (صاحبنا) يرسم بقلمه الرصاص مملكة من الطموح والمُستقبل الزاهر وظيفيًا وماديًا واجتماعياً، بدأ يُلامس جنائن الحوافز التي طالما سمعها من سواد الشعب، بدأ يسمع سمفونية أوركسترية ناغمة حول ما ينتظره من استشراق الحياة وفتح أبواب الأمل اللامحدود، مرَّت السنة السابعة سريعا وكأنَّها نورٌ أشرق بين غمضة عين وانتباهتها، لكن ما الذي جرى؟!، وأين أنا؟!، وهل وقعت في فخ أحلامي الوهِنة كبيت العنكبوت؟!.

الدكتور (س) شاب يافع طموح مُقبل على الحياة والجد والاجتهاد طوال السنوات السبع العجاف، وجدته ذات حين يندب حظه ويأسف على ضياع سنوات الدراسة (المُرهبة) في مجال الطب، فسألته لماذا كل هذا الضجيج وقد جرت العادة أنَّ الدكاترة هم في طبقة العِلِّيِّين بالدولة كما هو حال بعض المؤسسات، لكن يبدو أنَّ نوعية الوظائف لم تعد محل اهتمام مؤسسات الدولة المعنية بالكادر الطبي، لا يختلف اثنان في أنَّ الأطباء هم عملة نادرة وثمينة على مستوى العالم، لكن أيضًا لا يُمكننا أن نتغافل اهتمام دول العالم بالطبيب الوطني وتشجيعه وتحفيزه بما لا يتوقعه أساسًا، لكن يبدو ثمت ازدواجية في المعايير والمفاهيم في المؤسسات الصحية بالبلاد لاستيعاب ماهية الطبيب ومعرفة قيمته المعنوية والإنسانية، وعودة إلى الدكتور (س) وحينما كنت أوبّخه على هذا الإحباط والبؤس الذي يعيشه والانهزامية القاتلة للطموح كنتُ في ذات الوقت استعرض له مُميزات الأطباء (كما سمعنا) وقيل قديمًا – من سمع ليس كمن رأى- فابتسم بوجنتيه اللتين تلطختا بتعب السنين والدراسة وقد غشَّى عينيه نظارة بيضاوية متوسطة، "يا ليت ما تقوله يا سُلطان صحيح فكنت سأعيش (ملكًا) مستقراً وراضياً عن سنوات الدراسة والجهد، لكنك تقلّب أحلام اليقظة وتشخِّصها بين ناظري!."

ثم أردف قائلاً وقد تهجَّم وجهه الدائري البيضاوي: "حينما تعيَّنا وقد انبلجت أساريرنا بانتهاء فترة الدراسة تفاجأنا بأنَّ رواتبنا لم تُرصد لنا طوال سبعة أشهر، وبعد ذهاب ورواح بين وزارة المالية ووزارة الصحة والضحك علينا بأنَّ الوزارة في مرحلة الإحلال وأنَّ وزارة الصحة لا تملك درجات مالية لتوظيفنا فُرجت بعد حين وبرواتب غير مُرضية وغير مُتوقعة مُقارنة بما كنَّا نحلم به، وبعد حين تمت عرقلة مشاريعنا المُستقبلية للحصول على التخصص والوصول إلى درجات وظيفية وعلمية رفيعة من خلال الشروع في تطبيق نظام الترتيب الوظيفي الطبي الجديد، وتم تسميتنا بأطباء الامتياز لمُدة عام، والآن شُرعت لنا مرحلة ما بعد الامتياز ولا زلنا تحت التَّجربة والتدريب!، وبعض زملائنا لم يتم تعيينهم وبعد أخذ ورد عُيِّنوا بالتعاقد وبنصف الراتب أو أقل، ناهيك عن الواقع المُخيف في المُمارسة الطبية من خلال المُناوبات وضعف الامتيازات وغيرها الكثير، ليتني لم أتخصص في الطبّ!"

نُقدم رسالة إلى وزارة الصَّحة والمؤسسات المعنية بالكادر الطبي بضرورة الالتفات إلى هذه الشريحة من المُجتمع والتي هي نتاج جهد مُضنٍ من الدولة والأفراد علاوة على أنّهم أحد مظاهر التَّحضّر العصري للدولة، فهم بحاجة إلى لفتة مشفوعة بالاهتمام والتحفيز وتذليل كل الصعوبات وتطويرهم وظيفيا وماديا وعلميا وليس ببعيد عنَّا ما نشرته أحد الصحف المحلية عن حصول ثلاثة أطباء عمانيين على درجة الدكتوراه بمعدل امتياز مع درجة الشرف من موظفي المستشفى السلطاني، فهم بحاجة إلى أن تصفقوا لهم بحرارة حينما يُبدعوا ويُنتجوا وكذلك نفس الحفاوة حينما يخفقوا ويُخطئوا في سبيل تجويد عملهم وإنجازهم، لسنا بحاجة إلى إغراق المؤسسات الصحية بكوادر خارجية قد تكون في مقام الوظيفة النوعية وقد لا تكون كذلك، فليس من دولة في العالم تُقدم كوادر طبية لدولة أخرى بنوعية مميزة وذات عطاء غفير كما يتوقع بعض السادة المسؤولين، ارحموا أطباء البلد من فوضى التهميش والإقصاء، خففوا العقبات وذلّلوا لهم الصعاب ليكون منهم الاستشاري والجرَّاح الخبير وغيرها من الوظائف الطبية النوعية الدقيقة.

دمتم بود

sultankamis@gmail.com