تحسين جودة خدمات الوساطة المالية بالخليج (1 -2)

علي الرئيسي
أصدر البنك الدولي دراسة عن خدمات الوساطة المالية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تناولت الدراسة بصورة أساسية كيفية تحسين الجودة النوعية لخدمات الوساطة المالية. وكان من أبرز ما جاء بالدراسة أن النظام المالي بدول المجلس يتسم بهيمنة المصارف -وباستثناء البحرين والإمارات- فإن معدلات الانتشار أقل كثيرا عن مثيلاتها في الدول المتقدمة، كما أن القطاع المصرفي مملوك محليا في غالبيته، وهذا يعكس -بناء على دراسة البنك الدولي- الحواجز المفروضة على دخول السوق وعلى قيود الترخيص للمصارف الأجنبية. وهناك من السمات الهيكلية الإضافية الملكية العامة؛ وتتفاوت ملكية القطاع العام من 13 في المائة بالكويت إلى 30 بالمئة و35 بالمئة في عمان والسعودية على التوالي وإلى أكثر من 52 بالمائة في الإمارات. وكذلك وجدت الدراسة أنّ القطاع المصرفي يتصف بالتركز؛ حيث يهيمن عدد محدود من البنوك على السوق ففي جميع الدول تمثل أكبر ثلاثة بنوك 50 إلى 90 في المائة من إجمالي أصول القطاع المصرفي.
وتؤكد هذه الدراسة أنّ الائتمان المقدم للقطاع الخاص في دول المجلس نما بصورة متسارعة بدءًا من منتصف العقد الأول للألفية الجديدة وبالذات من 2003 إلى 2008، فقد بلغ متوسط نمو الائتمان في قطر والإمارات حوالي 45 بالمئة و35 بالمئة على التوالي، وفي عمان بلغ متوسط النمو حوالي 20 بالمائة وهو أقل معدل نمو في هذه المنطقة. ويعزى هذا الارتفاع في معدلات نمو الائتمان إلى ارتفاع أسعار النفط في الفترة المذكورة. إلا أنّ هذه الزيادة في الائتمان الممنوح للقطاع الخاص تراجعت بعد الأزمة المالية العالمية، حيث بلغ النمو في البحرين 4 بالمائة في 2010. ورغم أن الزيادة المضطردة في منح الائتمان تؤدي إلى ارتفاع في معدلات التخلف عن السداد عند بطء النشاط الاقتصادي، إلا أن الدراسة تذكر أن المنطقة أثبتت مرونة بصورة معقولة إزاء الأحداث الأخيرة للضغوط المالية ولم تكن الأنظمة المالية عرضة لمخاطر كبيرة، لذلك فإنّ الأنظمة المالية في دول مجلس التعاون أقل ميلا إلى حالة عدم الاستقرار واسع النطاق مقارنة بالمناطق الأخرى
وتعزو دراسة البنك الدولي هذا الاستقرار النسبي الذي تتمتع به البنوك في دول مجلس التعاون بمعدلات رسملة وسيولة مرتفعة عموما، غير أنّها تعاني من نسب تمركز عالية، كما أنّ الأطر التنظيمية والرقابية متطورة، حيث تراوحت نسبة رأس المال إلى الأصول المرجحة 16% في قطر و19% في الإمارات في عام 2013، وهذا يزيد عن المستوى المقرر في القواعد التنظيمية لبنك التسويات الدولية مقررات (بازل 3)، وعلى الرغم من ذلك فهي تحقق معدلات مرتفعة من الأرباح. وبالنسبة للعمق المالي وهو نسبة الائتمان المقدم للقطاع الخاص، كنسبة من إجمالي الناتج المحلي، ورسملة سوق الأوراق المالية فإنّ مستوى التطور يعتبر كاف تماما لمستوى تطور اقتصاد دول المجلس، حيث يتجاوز المتوسط السائد في الأسواق الناشئة الأخرى بفارق كبير، كما أنّ القدرة على توليد الودائع وخدمات الوساطة المعنية بها، مقاسة بنسبة الائتمان الخاص إلى الودائع، هي قدرة كبيرة أيضا.
ورغم العمق الذي يتّسم به القطاع المالي في دول المجلس، إلا أنّ البنك الدولي يذكر بأنّ هناك فجوة في الجودة النوعية. وأن النظام المالي لم يحقق بعد المنافع المتوقعة لتعزيز النمو الشامل، وعلى أنّ هناك قصورا في استفادة سكان المنطقة من الخدمات المالية، وإعداد حسابات الودائع والقروض وخاصة حسابات النساء أقل من مثيلاتها في الاقتصادات الأخرى. ولا تتجاوز نسبة إقراض الشركات الصغيرة والمتوسطة في المنطقة 2 بالمائة في المتوسط. وترى الشركات الصغيرة والمتوسطة أن نقص التمويل الخارجي يشكل عقبة كبيرة أمام التوسع في أنشطة الأعمال، ويميل الائتمان الممنوح إلى التركّز الشديد لصالح عدد قليل من الشركات الكبرى المستقرة، وخاصة تلك العاملة في قطاع العقارات والنفط والغاز. وبالمجمل فإنّ أثر العمق المالي في هذه المنطقة حسب الدراسة أقل مستوى من مثيله في المناطق الأخرى من حيث توليد النمو الاقتصادي الطويل الأجل، كما أنّ ضعف فرص الحصول على الخدمات المالية، والائتمان بصفة خاصة، يعتبر عاملا أساسيا في تفسير هذا الوضع، إضافة إلى تدني المنافسة في القطاع المالي.