أجساد أبنائنا أمانة بيد من؟

زينب الغريبية

عندما يتعلّق الموضوع بالجنس يصبح الموضوع محرجًا في الأسرة، وجريمة في المجتمع، فلا يجوز الحديث عنه، ولا عقد جلسات علنية تقدم من الكبار للصغار لتوعيتهم بهذا الموضوع؛ لا على مستوى الأسرة ولا على مستويات المدرسة والأسرة الممتدة، وعند وقوع الجرائم يظهر حينها رد اللوم كل على الآخر، ما كان على المجرم فعل جريمته بالأطفال، وما كان على الفتاة المراهقة الخوض في تلك الطرق لاصطيادها من قبل الوحوش البشرية، وكان يجب على وزارة التنمية فعل حملات حقيقية وعامة في جميع الولايات بل والمدن والقرى للتوعية بتلك الأمور، وكان يجب على أسرة الطفل أو الطفلة أن يربوا أبناءهم فهم عديمو التربية، ويثور المجتمع المحيط بمنطقة الجريمة ويخفت صوته شيئا فشيئا، ويستمر الوضع على حاله، وكأنّ كل أسرة لا تعتقد بأنّ المصيبة ستحدث معها.
لماذا لن يحدث؟ أليس الطفل هو ذلك الكائن الذي نشكله كيفما نشاء؟ ألن يخرج في تلك البيئة نفسها التي خرج فيها من حدثت لهم مثل تلك الجرائم؟ إنّ استمرار تلك الجرائم تجاه الأطفال يجعل التربية الجنسيّة ضرورة مُلحّة في مستواها المبدئي البسيط (لو تعذر وجود أبوين مثقفين) من الأسرة، ويزداد الأمر إلحاحا لو كان الأبوان مُتعلِّمان وعلى قدر مناسب من الثقافة، فلا عذر للأبوين بألا يفتحا هذه السيرة للأبناء من باب تعريفهم بما يحتويه جسد كل من الولد والفتاة، وما يتطلب على كل منهما في حماية جسده من أي أحد حتى لو كان طفلا في مثل سنه أو حتى أصغر منه. والحرص على متابعة الأمر مع الأبناء، وفتح الموضوع في مرات عدة للتأكيد عليهم، وثتبيت التعلم في أذهانهم.
فالأسرة هي الوعاء الأكبر الذي سيحافظ على الأبناء في هذا الموضوع، وهي الأصل في التنشئة والتربية، وما المؤسسات الأخرى سوى مكمّلات لدورها، إلا أنّ ذلك لا يقلل من شأن تلك المؤسسات من مدرسة متمثلة في دور الأخصائي المدرسي، والمعلمات والمعلمين أنفسهم لمساعدة الأخصائيين، فهم فقط واحد أو واحدة في مدرسة، وكذلك التركيز على دور المثقفة الصحية التابعة لوزارة الصحة، فالغذاء والتوعية فيه ليس بأكثر أهميّة على صحة الطفل من صحته الجنسية وبالتالي النفسية، ودور المناهج؛ حيث إنّ الموضوع ليس من الهين حتى نقول ألا نحشر المناهج في كل موضوع؛ فهو وثيق الصلة بالطالب والقضايا التي تحدث حوله ومن الممكن أن تحدث له.
كما أنّ الدور الأكبر يناط بوزارة التنمية الاجتماعية، والتي خصصت قسما معينا لهذا الموضوع، وهي مشكورة في سعيها، إلا أنّ ذلك السعي يحتاج للمزيد من الحركة والانتشار، فلا نكتفي بالتوعية في العاصمة أو المدن الكبرى، ونترك تجمّعات سكانية كبيرة، وربما أقل وعيا تحتاج لمثل تلك الحملات التوعوية، للصغار والكبار، وعن الخط الذي خصص للأطفال للاتصال للإبلاغ عن أي شيء من الممكن أن يتعرض له، فلا يعلم الجميع عن هذا الخط.
كما أنّ المسجد ومدارس القرآن التي انتشرت في الآونة الأخيرة مسؤولة أيضًا عن التوعية بمثل هذه القضايا، بل وتتحمل مسؤولية كبيرة كونها مؤثرًا كبيرا على عقول الأطفال، فهم يقصدون المسجد بإيمان أنّ كلّ ما يقال هناك صحيح، فكيف لو قُدَّم له في قالب مفهوم وقريب من عمره العقلي؟ وأسلوب قريب من تقبله.
وربما يقع المجني عليه وأسرته في كارثة التشهير أو الفضيحة من نشر تلك الأمور، وبذا يترك الجاني طليقًا لقلة الوعي، فهنا تحتاج الأسر إلى التوعية قبل الأطفال الصغار، لإعطائهم دورات في كيفية التعاطي والتعامل مع أبنائهم قبل وقوع مثل تلك الجرائم والطرق الصحيحة في توعية أبنائهم، والطرق الصحيحة في حالة اكتشافهم أنّ أحد أطفالهم قد تعرّض للتحرّش أو الاعتداء، وكيفية التعامل القانوني مع الموقف، والتعامل مع الطفل لإخراجه من الحالة النفسية والمرضية التي وقع فيها نتيجة تلك الجريمة المُرتكبة ضده.
فالمسؤولية مشتركة في المجتمع، وتتوجها مسؤولية القضاء، الذي لابد من أن يضع العقوبة الرادعة حقا لمن تسوّل له نفسه القيام بهذه الجرائم الشنيعة، وفتك براءة الأطفال قبل أن يخرجوا للدنيا، فخمس سنوات أو حتى 15 سنة، هل تناسب هذا الجُرم المشين؟! وأي كفالة أو غرامة توازي لحظة فظيعة كتلك التي يمر بها طفل صغير، أو تهديد يُرجف قلبه البريء الذي لا يريد من الدنيا في هذه المرحلة سوى الأمان والفرح.
فقضايا كهذه لا يمكن أن نتركها، أو نطرقها على استحياء، بل علينا مواجهتها ونشرها لأخذ العبرة منها، مع عدم التشهير بالأسماء خاصة المجني عليهم، للسعي لتفادي وقوع حوادث مماثلة لها، فالأمان لا يعني التستر وإظهار المجتمع كأنه ملائكي لا يحدث فيه الشيء المُشين، فكل المجتمعات البشرية يوجد بها كل المواقف البشرية التي من الممكن أن تصدر من البشر، فلا تتوحد القلوب ولا الضمائر في نظرتها للحياة والدين والمواضيع المرتبطة؛ لذا إظهارها ومواجهتها ومحاولة القضاء عليها هي الأمان الحقيقي.