لماذا لا نتحاور؟ (2)

نادية المكتومية

عندما غاب الحوار
بيوت كالأقفاص وأزواج كالأشباح
حب مهاجر وعاطفة تشتكي
ورود باكية وود يختنق!
ابتسامات مهاجرة وذكريات تئن
رتابة مخيفة وفوانيس مظلمة
الحقيقة التي لا نستطيع الهروب منها أن السكوت والخرس الزواجي لن يحل مشكلة الحوار بين الأزواج، وكنا قد طرحنا في المقال السابق سؤالا جوهريا مفاده: كيف نطرد شبح الصمت ونحيي بيوتنا بالحوار الأسري الفعّال؟ وهل هناك فرصة بعد كل الأوقات الطويلة التي ساد فيها الصمت أو طغت علينا الحوارات السلبية التي تنتهي بمشكلات زواجية بين الأزواج؟ والجواب هو نعم، متى ما أردت وكانت عندك الرغبة الداخلية الأكيدة في تغيير الوضع، مصداقا لقول المولى عزّ وجل (لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم) وكذلك يقول رسولنا الكريم: إنّما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) وما النيّة سوى فكرة مبيته بداخلك وهنا بداية رحلة التغيير للوصول لمحطة الحوار الزواجي الإيجابي.
ولنعلم في بداية رحلة التغيير بأن البيوت التي تنشأ على الحوار الفعّال هي بيوت مطمئنة مستقرة يتمتع أفرادها بصحة نفسية وعاطفية رائعة، تقل فيها الفجوات الثقافية والمشكلات الأسرية وتصنع بيئة خصبة ثريّة لتربية أبناء صالحين، في المقابل من أسباب ارتفاع نسب الطلاق هو انعدام الحوار المتحضر من هنا فالحوار الزواجي ليس ترفا فكريا وليس خيارا بل حاجة ملحة أساسيّة في الحياة الزوجية، دعونا نبدأ رحلة التغيير بالحديث عن إشكاليات مهمة في الحوار الزواجي بعد الفاصل كونوا معنا..
هناك العديد من الإشكاليّات والتي ينبغي التبصر بها لنجاح الحوار الزواجي منها:
1.    عقدة من يبدأ؟ من يبادر؟ كلا الزوجين مسؤول عن إحضار هذا الغائب وهو الحوار، وتدريب نفسه عليه ولا يجوز أن يتنصل أحدهما من هذه المسؤولية ويلقيها على الطرف الآخر، ولنتذكر أنّ من يبادر هو الأقوى فخيرهما الذي يبدأ بالسلام، ابدأ بنفسك أولا ستجد الآخر صدى لمبادرتك وسلوكياتك الإيجابية فالإحسان يولد إحسانا والعنف يرد بالعنف.
2.    أن تكون محبا عاشقا لشريك حياتك عنصر مهم؛ لكن الحب وحده لا يكفي ولا يجلب الفرح إنّما كيف تعبر عن هذا الحب وكيف تحاور حوارًا متحضرًا مفيدًا جميلا يقرب القلوب والعقول.
3.    احذر الخرس الزواجي: ليس بالضرورة أن نتحدث في أمور ذات شأن وأهميّة فقد يبدأ الحوار بالتعليق على أحداث اليوم أو مناقشة حدث معين أو ذكريات الطفولة، الأهم ابدأ ولنطلق بالحوار في أي موضوع تستمتعا به معا.
4.    وليس الذكر كالأنثى: الأنثى تحتاج لأذن مصغية وقلب متعاطف ولسان رقيق في المقابل الرجل لا يحتاج للقوة في إجباره على الحوار عندما لا يرغب بل نتركه وسيبدأ عندما يكون مستعدا للحديث وسيعززه تفهم زوجته وتقديرها لمضمون حديثه.
5.    ابدأ الحوار بالإيجابيات خاصة عندما تريد أن تناقش شريك حياتك في خطأ معين وقع منه، لأن البدء بالسلبيات يغلق باب الإيجابيات.
ثم انتقل لما تريد أن تطرحه بأسلوب لا يخدش المشاعر وانتقد السلوك وليس الذي بدر من شريك حياتك وليس شريك حياتك بذاته ثم أغلق الحوار بإيجابية وتعزيز وبالمثال يتضح المقال: فمثلا تأخر زوجك عن موعد العشاء بالرغم من أنكم حريصين على التجمع العائلي على العشاء كيف تحاوريه؟
عندما يدخل للبيت استقبليه بهدوء وابتسامة ونبرة حانية وأبادر بـ "حمدا لله على سلامتك أبو محمد طمني" بعدها أثني بعبارة ربي يسعدك ويحفظك لنا ننتظرك على العشاء، العشاء ليس له طعم بدونك، ثم انتظر للوقت المناسب بعيد عن الأطفال بينك وبين زوجك وأوضحي له بعبارة "أبو محمد شعرت بقلق وانزعاج بسبب التأخير في العشاء لأنّ الأولاد تأخروا عن موعد نومهم".
هكذا يكون الحوار الفعّال يصف الشعور ويوجه للسلوك مع ذكر الأسباب إن وجدت.
من الأمور الداعمة للحوار الزواجي الناجح أيضا:
1.    اختيار الوقت المناسب للحوار لأنّ المحاور مهما امتلك من مهارة عالية في الحوار مع شريك الحياة إذا لم يتخيّر الوقت المناسب سيتحول الحوار إلى صراع وجدل ومشكلات، وبذلك ننتقل من الحوار لإشعال نار الخصام، فهناك أوقات نتجنب فيها النقاش عندما يكون فيها شريك الحياة مرهقا مثلا، أو قادما من العمل أو في حالة صحية معكرة لمزاجه، وكل زوج أدرى بالأوقات المناسبة للحوار مع شريك حياته من خلال خبرته وعشرته له.
2.    ابتعد عن النقد واللوم خاصة أمام الأهل أو الأولاد أو أي شخص كان، لأن في ذلك جرحا وتشهيرا بشريك الحياة يولد الضغائن والتوتر ويخلق المشكلات بين الأزواج.
3.    احذر من دخول الحوار بروح المعركة، بمعنى لابد أن أربح فيها وأنتصر، وحتى لو كان الحوار لصالحك لا تستفز شريك حياتك بحيث تحركك شهوة النصر وتتعجل إظهار ذلك له لأنّ هذا الأسلوب مهين للآخر ويجرحه ويؤجج في نفسه مشاعر سلبية بينكما.
4.    ضع نفسك دائمًا مكان شريك حياتك لتتفهم موقفه ومشاعره جيدا وتنظر من زاويته تسمى هذه الطريقة لعب الأدوار وهي مفيدة بحق للنظر بمنظار الآخر وبالتالي تساعدنا في انتقاء الكلمات وترقى بالحوار بينكما.
5.    الكلمة سلاح ذو حدين فانتقي كلماتك، فالكلمة قد تطفئ غضب شريك الحياة وقد تشعل مشكلة زوجية بينكما، ومما يساعد على انتقاء الكلمة والأسلوب الملائم للحوار فهم شخصية الطرف الآخر ومزاجه ومفاتيح الولوج لعقله وقلبه، فبعض الأزواج يحبون الكلام المباشر المحدد والبعض لا يحب هذا الأسلوب ويجرحه، وعموما كلما ابتعدت عن نقد الشخص وتوجهت للسلوك كان ذلك حري بفتح باب حوار ناجح مع الاعتبارات الأخرى التي يجب مراعاتها مع طبيعة شخصية نصفك الآخر.
6.    الشفافية الراقية والبعد عن الغموض: بعض الأزواج للأسف لا يوصل المطلوب بشكل واضح لشريك الحياة مما يحدث خللا في الحوار بينهما وهناك طرفة مرتبطة بهذا أذكرها من باب الدعابة عندما سألت الزوجة زوجها: لماذا لم تخبرني بأنّك فقير قبل أن تتزوجني؟
الزوج: أنا أخبرتك لكن أنت لم تفهميني.. كل مرة أقول لك أنت كل الذي أملكه في حياتي فتحمرين خجلا وتبتسمين.
7.    اتقن فن الانسحاب: القوي هو من يملك زمام المبادرة ويستطيع الانسحاب بهدوء عندما يخرج الحوار عن مساره الصحيح.. اجعلها قاعدة ذهبية في حياتكما "ممنوع النقاش أثناء الغضب" قلها بشكل راق: أم محمد أحس بأنّ النقاش الآن غير ملائم بسبب كذا وكذا سنؤجله لوقت آخر؛ لأن لحظة الغضب تتحكم المشاعر وليس العقل والمنطق فنندفع في مسارات غير صحيحة بالحوار.
8.    احذر الصندوق الأسود: هناك بعض الزوجات في أثناء الحوار ترجع للأخطاء والمواقف والهفوات القديمة وتستحضرها في الموقف الجديد، وهذا من شأنه تعزيز تراكم الخبرة السلبية رغم أنّ المواقف القديمة تمّت تصفيتها، فتبدأ بتنزيل الملفات القديمة من الرفوف وهذا من شأنه إفساد الحوار ويوغر القلب حقدًا وألما.
التقى قنفدان متحابان في ليلة شتوية ماطرة اقتربا ثم ابتعدا ثم اقتربا حتى وصلا إلى مكان فيه من القرب ما يوفر أكبر قدر من الدفء بأقل قدر من الألم، تلك هي معادلة الحياة الزوجية.
أعزائي الأزواج والزوجات لنفتح نوافذ الحوار الإيجابي لتشرق في بيوتنا شموس الألفة والمودة والرحمة ولنتذكر بأنّ الزواج مشروع إمّا أن نكون فائزَيْن أو خاسرَيْن..
أدام الله الود والوفاق في بيوتكم..