العرب في أسفل درجات سلم الأمم السعيدة!

عبيدلي العبيدلي

كما ورد في التقرير العالمي للسعادة لعام 2017 الصادر عن شبكة حلول التنمية المستدامة، وهي مبادرة أطلقتها الأمم المتحدة في العام 2012، وكما تناقلت وسائل الإعلام "حلت النرويج الدنمارك كأسعد بلاد العالم، ودعا الدول إلى تعزيز الأمان الاجتماعي والمساواة لزيادة رفاهية مواطنيها، (وعلى نحو مواز يشير التقرير) أيضا إلى أن دول إفريقيا جنوب الصحراء وسوريا واليمن هي الأتعس حاليا بين 155 دولة شملها التقرير السنوي الخامس الذي أعلن في الأمم المتحدة".

وقد جرت العادة منذ أن أعلنت الأمم المتحدة في العام 2012، يوم 20 مارس من كل عام يوما عالميا للاحتفال بالسعادة، أن يتحول هذا اليوم إلى مناسبة وطنية تكشف فيه دول معينة، كل منها على حدة، عن إجراءاتها التي ترفع من مكانتها العالمية في سلم السعادة من خلال زيادة تقيدها، على المستوى الوطني، بمؤشرات وضعت معاييرها الأمم المتحدة، "وفق 8 فئات منها التعليم والاقتصاد والإدارة العامة، متوسط الأعمار وحالة سوق العمل ودرجة الفساد. كما يتضمن التصنيف نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ".

وسعادة الإنسان غاية سعى لنيلها الإنسان منذ بدء الخليقة، وساهم الفلاسفة في تعريفها فهي عند الفيلسوف السويسري جان جاك روسو دعوة لإصلاح "الذات أولا فمتي تم ذلك كانت السعادة من نصيبنا. فالسعادة هي أن نعرف ما نريد وأن نريده بإلحاح."

أما بالنسبة للفيلسوف والزعيم الهندي مهاتما غاندي، فهي تعني "أن يكون ما تفكر فيه وما تقوله وما تفعله منسجما. فإذا توافقت أفكارك مع أفعالك فإن ذلك هو السعادة الحقيقية".

وأسهم الفلاسفة القدماء في هذا المجال فوجدنا أفلاطون يعتبر "الرجل الذي يجعل كل شيء يؤدي إلى السعادة يرتبط بشخصه لا بالآخرين يملك أفضل خطة ممكنة لحياة سعيدة"

ولا يخرج افلاطون في تناوله موضوع السعادة عن أستاذه أرسطو، الذي يعتبر الإنسان مسؤولا عن سعادته التي "تعتمد عليه"، ومن هنا فالسعادة بالنسبة لأرسطو "هي شيء نقوم نحن كأفراد بإيجاده وتغذيته حتى يكبر، مضيفا أنّ السعادة ليست هدية يقوم الآخرون بمنحها لنا لكنها شيء نقوم بخلقه من العدم من قوتنا الداخلية ومسؤوليتنا حمايتها من كل ما يهددها".

ولم يكن الفلاسفة المسلمون بعيدا عن محاولات تناول موضع السعادة الإنسانية، فوجدنا الفارابي يعتبرها "الخير المطلوب لذاته وليس تطلب أصلا، ولا في وقت من الأوقات لينال بها شيئا آخر، وليس ورائها شيئا آخر يمكن أن يناله الإنسان أعظم منها".

ويدلو الفيلسوف الإسلامي ابن مسكويه بدلوه، فيذهب نحو ذلك قائلا "إنّ السعادة أفضل خير وهي تمام الخيرات وغايتها؛ ولكنها تحتاج في مرتبتها الأولى من هذا التمام إلى أشياء في البدن وخارج البدن؛ أما إذا بلغ الإنسان المرتبة العليا من السعادة فإنه لا يحتاج معها إلى شيء آخر."

القصد من وراء هذا الاستعراض المقتضب لقيم السعادة كما وردت في اجتهادات مجموعة من الفلاسفة التأكيد على أننا نحن العرب لنا تاريخ طويل في البحث عن مفهوم للسعادة، وهي قضية متأصلة في فكرنا وخلفيتنا الحضارية، لكننا اليوم، وكما يشير تقرير الأمم المتحدة نقف أسفل درجات سلم الأمم السعيدة، بل نتصدر- إن جاز لنا القول- قائمة الأمم "التعيسة. فحتى دولة الإمارات العربية المتحدة التي تتصدر قائمة البلدان العربية السعيدة، نجدها تحتل المركز 24 في الترتيب الدولي، تسبقها في السعادة دول أخرى ليست الدول الإسكندنافية سوى بعض منها.

تجدر الإشارة هنا إلى أنّ الثروة المالية ليست هي المقياس الوحيد للسعادة، وكذلك الأمر بالنسبة للقدرات العسكرية، ولو كان الأمر كذلك، لتصدرت دول مثل الولايات المتحدة أو كوريا الشمالية قائمة الدول السعيدة. حتى الولايات المتحدة وجدناها تتراجع خلال السنوات الثلاث الماضيات من المركز العاشر كي تقبع في المركز الرابع عشر.

وبخلاف ما قد يذهب إليه البعض من أن سبب شقاء العرب وتعاستهم يعودان إلى تدخل قوى أجنبية في شؤونهم الداخلية الأمر الذي ينقلهم من خانة السعادة إلى مواقع التعاسة. فالحقائق الدامغة تشير إلى أن العرب، والحديث هنا يعالج الأوضاع العربية في العصر الحديث، هم أنفسهم من يقف وراء تعاستهم، دون أن يعني ذلك إعفاء القوى الخارجية، إقليمية كانت تلك القوى أم عالمية من تلك المسؤولية.

نظرة سريعة إلى الحروب المشتعلة فوق البلدان العربية، مثل العراق وسوريا، وليبيا، وهي من أسباب انتشار التعاسة في صفوف البلدان العربية، تكشف بوضوح أن المتقاتلين في الميدان، هم أساسا من العرب، وأنّ الأموال التي تغذي تلك المعارك، إنما هي أموال عربية، وإن القوى المتصارعة هي، في الأساس دول عربية. 

على المستوى الفردي المحض، وكما يقول مدير مركز دراسات هارفارد لتنمية الكبار روبرت والدنغر، في تشخيصه للأسباب التي تحول الناس من تعساء إلى سعداء، مستندا في ذلك إلى دراسة معمقة استغرقت منه ما يربو على 77 عاما، انه "توصل إلى دروس أولها أن الوحدة قاتلة للإنسان، فالمنخرطون في علاقات قوية أكثر سعادة، ويعيشون مدة أطول، ثانيا العلاقات الزوجية المليئة بالمشاكل أكثر قسوة على الصحة، ثالثا من لديهم أصدقاء يعتمدون عليهم في الأزمات يتمتعون بذاكرة أفضل ويعيشون حياة أكثر سعادة."

لو نقلنا هذه المقولة من مستواها الفردي، إلى المستوى الوطني، واستبدلنا الفرد العربي بالبلدان العربية، فسوف نكتشف أنّ العرب، قبل سواهم هم الجهة المسؤولة بشكل مباشر عن التعاسة التي نتحدث عنها، من ثم افتقادهم للسعادة التي نبحث عنها.

بوسع العرب وحدهم انتشال أنفسهم من خانة التعاسة إلى مواقع السعادة، لكن ذلك لن يتحقق بالتمنيات، ولا بجرة قلم، بل من خلال خطط مدروسة، يعضدها عمل مجد، يقوم بهما شعب مجتهد، فلكل مجتهد نصيب من السعادة التي يجتهد من أجل نيلها.