مورويسيو توزي.. عالم الآثار الراحل دون اكتمال مهمته!

 

ترجمة - السموأل عيسى

نشر الباحث جون فليمنج، عبر مدونته الشخصية على موقع "ورد برس"، مقالا موسعا عن سيرة البروفيسور الإيطالي الراحل مورويسيو توزي (1944- 2017)، والذي رحل عن عالمنا عن عمر ناهز 72 عاما في مدينة رافينا الإيطالية، وهو واحد من أبرز الباحثين الإيطاليين في علم الآثار، وشغل منصب نائب رئيس البرنامج العماني الإيطالي للبحوث الدولية في تاريخ التجارة الملاحية وخطوط الملاحة في المحيط الهندي.

واستهل فليمنج مقالته المطولة بذكر أبيات من قصيدة أوزيماندياس، لمؤلفها الشاعر بيرسي بايسش شيلي، والتي كانت محط إعجاب مشترك بين الفقيد وكاتب المقال، وتنتهي بهذا المقطع الأسطوري:

اسمي أوزيماندياس، مَلِكُ المُلوك// أنظرْ إلى أعمالي، أيها الجبار، وابتئِسْ!// لا شيءَ باقٍ بجانبه. بل صار خَرابا// ذاكَ الحُطام الهائل// عاريا وبلا حدود.

ويشير فليمنج أنه التقى توزي مصادفة في مطار عشق أباد حينما كان كلاهما مغادرا إلى تركمنستان في عام 1995، ثم التقيا مجددا في عام 1997 في كل من لندن وروما. ويقول فليمنج: "تحدثنا عن مشروع لكتابة سيرته الذاتية، وفي عام 1998، سافرت إلى إيطاليا مجددا للحديث معه وارتحلنا سويا بين روما وسيينا وبولونا ورافينا وميلان وحتى جزر بانتلايريا، لكن مشروع السيرة الذاتية لم يكتب له النجاح لأسباب مادية، لكن للأمانة، كان للراحل أسلوبه الخاص، حيث كان متقلبا لكنه كان بحق رجل شديد الفطنة وواسع الاطلاع.

ويمضي فليمنج في مقاله: لكن عن أي توزي نتحدث، عن ذلك المتردد دائماً يقتفي الآثار في الصحراء، أم عن شخص آخر؟ لقد وضعت تسع مسودات للكتاب، بعضا منها عن الشخص الأول، والآخر في الشخص الثاني، وبعضا منها خليط من الإثنين، وكان الكتاب سيحمل عنوان "المسافر"، وحينما تحدثنا للمرة الأولى بخصوص تأليف كتاب سيرة ذاتية فاجأني بالفكرة وأرسل لي في بريد إلكتروني قائلا: نعم نعم.. المسافر! إنّه عنوان بمعان عديدة، أنا أسافر عبر الزمن، أسافر لبقاع شتى. أسافر لأفر من الواقع، أسافر لأنّ اليوميات التفصيلية للحياة تُكوِّن لديّ إشكاليات كما سارت العادة سابقا".

ونقل فليمنج من مقال نشر في صحيفة "لوموند" الفرنسية عام 2013، وقال إنّ توزي كان مختصا بعلم الأجناس القديم، وعاش في ألمانيا الشرقية حينما كانت الحرب الباردة في أقصى درجاتها بين السوفيت والغرب.

ويبرز فليمنج جانبًا من شخصية توزي، عندما ذكر قائلا: "في حديث مسجل دار بيني وبين الراحل توزي، أخبرته أنّي أكره الأكاذيب، لكنّه كان سريع البديهة وفاجأني حين ردّ علي: ماذا عن الغموض؟! جاوبته ببطء: "نعم، أهوى الغموض" كأنّه كان يعرف مسبقاً ما سأقول ولم يترك لي فرصة للسرد فقاطعني: وأنا كذلك أعشق الغموض". غير أنّي لم أكن أود أن أترك الأمر يمر مرور الكرام، وجادلته في ذلك الأمر.

ويواصل فليمنج في مقاله: "في حوار بيننا في مكتبه بروما عام 1998 كان غارقا في غموض كامل وعلى أهبة الاستعداد لتقديم نفسه ورثاء نفسه في آنٍ واحد، فحين حدثني عن إحدى الأساطير خلال دردشتنا".

ففي واحدة من أشهر أساطير آسيا الوسطى، يتحدثون عن فارس مغوار في جيش جنكيز خان الكبير، لكن لم يكن فارسا عاديا بل هو حامل لواء جيشه، وكان الجيش قد فتح لتوّه مدينة كبيرة بُعيد انتصار مجيد، ولقد رأى الفارس عقب دخوله المدينة سيدة متشحة بالسواد مخيفة العيون، تحدق فيه كأنّما تفتش عن النور في داخله، عن الحقيقة والعدالة، فدبّ الخوف الرهيب في نفس هذا الفارس وظنّ أنّ هذه المرأة ليست إلا ساحرة شريرة رمته بعين الشيطان ليسقط في الظلمات، لكنّه هرع إلى جنكيز خان وطلب منه الرحيل، وبسبب حب الأخير له سمح له بالرحيل بل منحه أسرع وأفضل خيوله ليفر بنفسه. وقد انطلق هذا الفارس بأقصى سرعة وعبر بخيله الصحراء وانتقل إلى مدينة بعيدة جداً، غير أنّ المفاجأة أنّه عندما وصل هذه المدينة فوجئ بذات المرأة المتشحة بالسواد، بشحمها ولحمها وعينيها المخيفتين تحدقان فيه أيضا كما المرة الأولى، فباغتته مبتسمة قائلة: "قلقت جداً عندما رأيتك قبل ثلاثة أيام في المدينة الأخرى، كنت أعلم أنني على موعد معك هنا اليوم، وخفت أنك لن تتمكن من القدوم في الموعد المحدد لكنك كنت سريعاً بما يكفي لتلقاني".

كان توزي يدرك في أعماق نفسه ما أدركه حامل لواء جيش جنكيز خان العظيم، وهو أنّ المرأة المتشحة بالسواد لم تكن سوى الموت نفسه، وأنّ قدره سيكون ذات قدر هذا الفارس البائس، لذا ليس عليه أن ينطلق دائماً بأقصى سرعته، لكنّه كان على يقين أنّه لن يكون هناك متسع من الوقت وأنّه لن يتمكن من إكمال ما يجب عليه القيام به.. لأنّ الموت سيلاقيه يوما ما!

واختتم فليمنج رثاءه لتوزي بعبارة: "ارقد بسلام!".

تعليق عبر الفيس بوك