سُميْكات مطرح والخبرة الدولية

 

 

حمد العلوي

تُرى أنحن في علم أم في حلم؟ ونحن نَرَى بلدية مسقط توقِّع اتفاقية مع جهة غير عُمانية، وذلك لإدارة سوق الأسماك بمطرح، وقد يظنُّ البعضُ أنَّ أمراً كهذا أصبح عادياً، مثله مثل أي أمر آخر كالتنقيب عن النفط والغاز مثلا؛ ففي ذلك تشجيع على الاستثمار في السلطنة، ولكن الحقيقة أنَّ المشروع عُماني وبالمال العُماني، ولكن تقطف ثماره جهة غير عُمانية، وستُباع فيه أسماك عُمانية، ونتوقَّع أن يكون الصياد والقمَّاط عُمانيين كذلك، هذا على حد علمي، إلا إذا حدث العكس، ولحد الآن لا نزال في نطاق المعلومة العامة، غير أنَّ وضع هذه المعلومة تحت المجهر، ثم البدء في تحليلها ربما يُظهر لنا خلافها. أما في حالة بقاء المعلومة كما هي، فإنك كإنسان عُماني، ستجد نفسك تقف أمام نتيجة غير طبيعية، بل إنه إعلان مختزل تضمنته اتفاقية إدارة سوق السمك بمطرح، فيقول فحوى هذا الاختزال، الآتي ذكره في النقاط التالية:

النقطة الأولى: تفيد بأننا لا نثق في الإنسان العُماني؛ وذلك لإدارة مشروع بيع سُميكات يصطدها الصياد العُماني من خليج مطرح، برغم مرور زمن طويل من توارث هذه المهنة، بدءاً بالوجود البشري على ضفاف ساحل مطرح، وقبل سنيِّ النهضة العُمانية التي بدأت عام 1970م ومنذ تاريخ النهضة وإلى اليوم، قد جاوزنا 46 عاماً، والأمور تسير سيراً طبيعيًّا وحسناً، إلا إذا كان الأمر كما عودتمونا من قبل، يقع تحت "بند" كل شيء على ما يرام، واليوم تصبح تلك الحقيقة مختلفة تماماً عما كنا نعلم علماً مغلوطاً، وإنكم كنتم تَذرون على المُّر السكر، لتجعلونه مخالفاً لواقع الحال، وهذا أمر أصبح مألوفاً -للأسف- لأنَّ بعضنا لا يستطيع أن يقول للأعوج إنه أعوج، ولا بأس من هدر المال العام لنفتدى به العلاقات، وذلك في سبيل إرضاء المشاعر، والنفوس الأمَّارة بالسوء.

أما النقطة الثانية، فهي: إحباط لكل جهد كبير بذل في تقدم عُمان، فهي قبل النهضة كان بمقدورها أن تدير شأنها بنفسها، ولكن بمضي 46 عاماً من التعليم، وكسب المعارف والمهارات والخبرات، وأمام بذل كل هذه الأموال، والجهود الكبيرة نجد أنفسنا نصطدم بصخرة فقد الثقة، وبرغم كل ما أُنشئ من مراكز للتدريب المهني، ثم خلف هذه المراكز، كليات جامعية بين تقنية ومهنية وتخصصية، ورغم كل ذلك لم نستطع أن نوجد شركة وطنية صغيرة، يكون بمقدورها إدارة مشروع صغير "سوق للسمك" وأكرر القول بإنه تم بناؤه بالمال العُماني؟!

لنأتي للنقطة الثالثة، ونقول: أين ذهبت جهود التعمين التي دوَّختم رؤوسنا بزمجرتها الوطنية، والتعليم على رأس العمل، والمانشيتات العريضة التي تخرجون بها علينا في صحفنا المحلية، ذلك فوق ما تتبرع به الصحف من ذاتها في إضافته على الحساب، وهو النفخ في المسؤول ووصفه بالمعجزة، وهو مجرد تزلف بالطبع لتحسين العلاقات، وليس تفانياً في خدمة الوطن بكلمة حق، ثم لا ننسى قعقعة الصناديق الكثيرة، بدءاً بسندها ورفدها وشبابها، وليس انتهاء بصناديق التقاعد الكثيرة، وكلها تزيد الضغط على خزينة الدولة، إذن أكل ذلك عجز عن الخروج بشركة من الدرجة الرابعة لإدارة "كبرة سمك"؟! إنه لأمر يعجب له المرء.

أمَّا النقطة الرابعة والأخيرة، فنتساءل هنا بالقول: هل هذا القرار جَرَى بعلم المجلس البلدي؟ أم بنفوذ المسؤول الأوحد، فتم إقراره بجرأة منه، وهذا الصنف من المسؤولين آخذ في الازدياد هذه الأيام، فإذا كان المجلس البلدي هو الذي أقر الموافقة على هذه الاتفاقية، فليسمح لي أعضاؤه، بأن أقول لهم عليكم أن تعيدوا النظر في مسألة عضويتكم والدور المناط بكم وهل تؤدونه أم تغفلون عنه؟!

أما إذا كان ذلك بقرار من المسؤول الأوحد، فسؤالي له: ماذا ستقول لصاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم -حفظه الله ورعاه- عن جهوده وسهره 46 عاماً في قيادة نهضة عُمانية مباركة؟ وأين أصبحت محاورها الرئيسية التي تهدف لخدمة الإنسان العُماني، وتنمية قدراته وإدارة كفاءاته؟! ثم يفاجئنا موضوع بسيط سهل كإدارة سوق للسمك، بأنه يحتاج إلى خبرة دولية لإدارته، أُجزم بأنكم لن تجدوا الجواب الذي سيقنع قائد النهضة العُمانية العظيمة به!!

تُرى: هل سنتوقع أن يُدار هذا السوق بنظام سبعة نجوم؟ وهل السمك المباع سيوضع على أطباق من فضة، وأطباق من ذهب للسمك عالي الجودة؟ وهل لنا أن نتصوَّر أنه سيُقدم مع كل سمكة مباعة بعض حبات اللؤلؤ والمرجان؟! لكن.. وبرغم أن الخيال قد شطح بنا بعيداً عن الواقع، فإنني أعود إليكم بالرجاء الكبير أيها المسؤولون، أن تأخذونا على قدر عقولنا، فنحن غير معتادين الشطحات الكبيرة، فاتركوا سُميكات مطرح، تباع على مستوى الناس البسطاء، ولا تصعدوا بنا درجات عالية فوق احتمالنا.

لقد ناديتُ في مرات سابقة بدعم التاجر العُماني الناشئ، وأنا أعود وأكرِّر ندائي للجهات المسؤولة في الدولة، أن تخرجوا من المشاريع النظرية إلى الواقع العملي، فكم مرة قلنا أجمعوا هذه الأموال المشتتة، وابنوا بها مشاريع تجارية قوية، ولا تتركوا الوطن يبيعه الغلاة بثمن بخس؛ وذلك من خلال التجارة المستترة، ولا أقصد تلك الشركات الضعيفة التي تكتفي بمبلغ يسير، وإنما هناك شركات عملاقة "ولكنها مستترة" بدليل أنَّ وزارة القوى العاملة، وغيرها من الجهات المعنية، لم تقدر على ضبطها وإلزامها بالتعمين، وإن ضيّق عليها حتى لو قليلا، مسكت بتلابيب عملها، ونقلته إلى الخارج، وهذا دليل على أنها ربحية وغير وطنية.

إنَّ الشركات الوطنية التي ننادي بها، يجب أنْ ينبثقُ عنها جمعيات مُختلفة الأعمال، وأن يشتق منها أفرع بمرور الوقت، فتملك للعاملينا فيها وحسب التخصصات، فإذا هم رغبوا في الإستقلال بأعمالهم الحرة، ولكن تظل الشركة الأم، توفر لهم المظلة والحماية، وهذه الشركات الوطنية، سيكون بمقدورها كسر الاحتكار القاتل، أكان في قطع الغيار للسيارات، أو حتى السيارات نفسها، والأدوية التي لا تزال حكراً على جهة واحدة، وكافة الأمور التجارية العامة، وأعلم أنَّ هناك من سينبري للدفاع عن الخصخصة والقطاع الخاص، وهو فقط دفاع عن الاحتكار، وإلا فإنَّ الأمرَ ضمن نفس السياق التجاري، وكان على الشركات الكبيرة أن تتبناه بنفسها، لو كان هناك حسٌّ وطني.. ولكنها لا تريد.

ونحن كدولة عصرية ناشئة في ثقافة التجارة الدولية، نحتاج إلى تدخل الدولة حتى ولو إلى حين، فبعدما يتبصَّر المواطن في مسالك التجارة، نتركه وقتذاك يقوم بها بنفسه، ولكن علينا أن نضع القوانين التي تحميه؛ فالقوانين الحالية، لا تساعد المواطن على التقدم في التجارة، والحكومة لم تتذكره بشيء يفيده، إلا بفرض الضرائب، ورفع الرسوم عليه.. هذا والله ولي التوفيق.