أولف بالمه.. المناصر للعرب والقضيّة الفلسطينيّة

 

 

د. يحيى أبوزكريا

من قتل أولف بالمه؟ مازال هذا السؤال يتردد في أذهان الكثيرين في السويد وخارجها وفي أروقة لجان التحقق التي تشكلت على مدى عقدين من الزمان، هي السنوات التي مضت على مصرع رئيس وزراء السويد أولف بالمه، دقائق قبل منتصف الليل في الثامن والعشرين من شهر فبراير، شباط العام 1986.

من قتل أولف بالمه؟ كتب الكثير في هذا الموضوع وأصابع اتهام كثيرة توجهت لهذا وذاك بعضهم لحق أن يموت، والحقيقة لم تظهر بعد، ومازال السؤال يتردد من قتل أولف بالمه؟ ولماذا؟ في الفيلم الوثائقي الجديد الذي عرضه التلفزيون السويدي بهذه المناسبة يستشف المرء أن أولف بالمه قتل عن طريق الخطأ، كان في المكان الخطأ وفي الوقت الخطأ، لم يكن هو المقصود، بل كان شخصاً آخر، والقاتل المفترض توفي قبل فترة، ولكن الشاهد في هذا الفيلم على هذه الحكاية نزيل المستشفى يصارع الموت.

كان أولف بالمه رئيس وزراء السويد ورئيس الحزب الاشتراكي الاجتماعي محبوبا من غالبية السويديين، وكذلك من المهاجرين، الذين يذكرون له مواقفه المؤازرة لقضايا الشعوب العربية والإسلامية، وكان يجهر بذلك الأمر الذي جعل البعض يتهم المخابرات الأمريكية بتصفيته؛ خصوصا وأنّ الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون ذكر بالمه بالسوء في كتابه أمريكا واللحظة التاريخية، وكان بالمه معارضا للحرب الأمريكية على فيتنام، ومضادا لنظام التفرقة العنصرية الأبارتهيد في جنوب إفريقيا سابقا، وحاول أن يكون وسيطا في الحرب العراقية الإيرانية بل سعى لوقف هذه الحرب التي كانت أمريكا وراءها.

وفي كل سنة وبحلول شهر فبراير وبالأخصّ في آخر شهر شباط - فبراير من كل سنة يستيقظ السويديون على العناوين العريضة الواردة في كبريات صحفهم وهذه العناوين تحمل مضمونا واحدا من قتل رئيس وزراء السويد أولف بالمه.

ومنذ 28 فبراير من عام 1986 ما يزال اغتيال رئيس وزراء السويد محيّرا، ولم تتمكن الأجهزة الأمنيّة السويدية تحديد الجاني أو الجهة التي أمرت باغتيال رئيس الحزب الاجتماعي الديموقراطي ورئيس الحكومة السويدية في ذلك الوقت أولوف بالمه.

ومازال السويديون يتذكرون عشيّة 28 فبراير من عام 1986 جيدا عندما قررّ أولف بالمه التوجّه مع زوجته اليزابيث إلى قاعة الصور المتحركة – سينما – لمشاهدة فيلم إخوة موزار، وكان بالمه اتفق مع ابنه أن يلتقوا على مقربة من هذه القاعة التي كانت تقع في شارع مركزي في ستوكهولم، وتوجّه بالمه مع زوجته وحيدا بدون حراسة كما كانت عادته، وبعد انتهاء الفيلم ودعّ ابنه الذي كان برفقة عشيقته وقرر أن يذهب متجولا مع زوجته إلى بيتهما، وفي شارع سفيا sveavägen تقدمّ إليه رجل مسلح وأطلق عليه النار في ظهره، وبعد دقائق اختفى القاتل وتسللّ في الظلام دون أن يوقفه أحد عدا زوجة بالمه التي تمكنّت من رؤية عينيه فقط. وبعد وصول الشرطة إلى مكان الحادث كانت دهشتهم كبيرة عندما علموا أنّ المجني عليه هو رئيس وزراء السويد أولف بالمه، وأجرى أحد رجال الأمن مكالمة مع الجهات العليا جاء فيها أنّ رئيس وزرائنا مقتول في أحد شوارع ستوكهولم.

وقد توجهّت أصابع الاتهام في البداية إلى حزب العمّال الكردستاني، لكن لا يوجد أي دليل على ذلك، وكانت الأجهزة السويدية قد أجرت تحقيقا موسعا مع عبد الله أوجلان زعيم حزب العمّال الكردستاني وتوجّه لهذا الغرض أمنيون سويديون إلى تركيا لمقابلة أوجلان بعد اعتقاله من قبل السلطات التركيّة ومازالت التحقيقات جارية على أعلى المستويات في السويد للوصول إلى هوية الشخص الذي قتل شخصا يعترف له الجميع بالنبل السياسي والأخلاق الرفيعة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ أولف بالمه كان صديقا للمظلومين في العالم، فقد كان يناصر الشعب الفيتنامي ويخرج في تظاهرات منددة بالأمريكان، وكان معارضا لنظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا وكان مع أحقيّة الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.

ففي الوقت الذي كانت فيه أوروبا تعتبر رئيس منظمة التحرير الفلسطينية المرحوم ياسر عرفات إرهابيا وكانت منظمته على قائمة المنظمات الإرهابية فإنّ أولف بالمة استقبل ياسر عرفات في ستوكهولم وهو الذي جعل البعض يشير إلى الموساد الإسرائيلي عقب اغتياله.

أمّا المهاجرون من مختلف الجنسات في السويد فيرون أنّ ألوف بالمه كان أبا حقيقيا لهم، كان يذهب إلى مناطقهم ويزورهم بدون حرّاس وكان يعمل على أن ينالوا كافة حقوقهم في ظلّ خارطة سياسية واجتماعية سويدية تقوم على مبدأ تعددّ الثقافات وحرية الأديان.