الحبسي يكشف تفاصيل أصعب المهن وأكثرها حساسية

النقيب جمال الحبسي: "الطب الشرعي" يزيل اللبس والغموض في القضايا الجنائية ويثبت أو ينفي الادعاءات

≤ تخصص يجمع بين مهمتي الطبيب والمحقق في الوقت نفسه

≤ لأنَّ الأطباء الشرعيون يتعاملون مع الجثث والمصابين فإن الكثير من الطلاب يتجنبون هذا التخصص

مسقط - الملازم أول ثريا الكلبانيَّة

الطبُّ الشرعي تخصُّص نادرٌ يوظِّف العلوم الطبية في خدمة العدالة وتطبيق القانون، وهو أحد فروع الطب التي يتم تدريسها إلى طلاب كليات الطب. ويُطلق عليه عِدَّة مسميات في اللغة العربية كالطب القضائي والطب الجنائي والطب العدلي، وهو مُصطلح يتكوَّن من شقين؛ هما: طب وشرع. أما الطب، فهو العلم الذي يهتم بكل ما له علاقة بجسم الإنسان حيًّا كان أم ميتًا، وأمَّا الشرع فيقصد به القانون.

ويعملُ الطبُ الشرعيُّ في سلطنة عُمان تحت مظلة الإدارة العامة للخدمات الطبية بشرطة عُمان السلطانية، ويتلقَّى أوامرَ العمل في القضايا المختلفة من الادعاء العام والادعاء العسكري والمحاكم المختلفة.

النقيب طبيب جمال بن بدر الحبسي إخصائي الطب الشرعي بمستشفى الشرطة -وهو طبيب شرعي حاصل على درجة الامتياز في رسالة الماجستير في هذا الاختصاص- يُوضِّح أنَّ عمل الطب الشرعي يتمثل في إجراء معاينة لمسرح الجريمة واستخراج المتوفين المشتبه في وفاتهم وفحصهم لبيان أسباب الوفاة وكيفية حدوثها، إلى جانب الكشف على المصابين في القضايا الجنائية والمدنية، وقضايا الأحوال الشخصية، والقضايا الجنسية، وقضايا تنازع البنوة، وقضايا الاستعراف. وبوجه عام، فإنَّ الطبَّ الشرعيَّ هو توظيف العلوم الطبية في خدمة العدالة وتطبيق القانون.

وأوضح الحبسي أنَّ العلاقة بين القانون والطب ترتكز على ما يحتاج إليه كل منهما من الآخر؛ فالطبيب الشرعي في نظر العدالة خبير مُكلَّف بإعطائها رأياً حول مسائل ذات طابع طبي تخص الفرد الضحية سواء كان حيًّا أو ميتًا، وكذلك الفرد المتهم من حيث نفسيته وسلامة عقله؛ فحكم القاضي يبنى على أساس ما يقدمه الطبيب الشرعي من بيِّنة أو دليل طبي. وعلى الجانب الآخر، يحتاج إلى القوانين التي تنظم عمل المهنة وأخلاقياتها.

ولأنَّ النقيبَ طبيب جمال الحبسي ثاني طبيب شرعي عُماني في السلطنة، فقد تحدَّث عن بدايته في هذا المجال.. وقال: كُنت أجدُّ واجتهد لألتحق بكلية الطب لممارسة تلك المهنة الإنسانية التي تهدف لمعالجة الناس وإنقاذ الأرواح. لكن أحد التخصصات في كلية الطب قد يكون مغايرا لهذا الهدف، ويتجه نحو أهداف أخرى ليست أقل أهمية عن غيرها، وهو تخصص الطب الشرعي الذي جَذَبني أثناء فترة الدراسة فهو تخصص ذو طبيعة خاصة يجمع بين الطبيب والمحقق في الوقت نفسه.

وحول أهمية التخصص، قال النقيب الحبسي إنَّ الطبَّ الشرعيَّ يلعب دورا مهما في خدمة العدالة والمجتمع، ويسهم بفاعلية في إزالة اللبس والغموض الذي يكتنف القضايا الجنائية ليثبت أو ينفي الادعاءات المنسوبة فيها؛ لذا تعدُّ مهنة الطبيب الشرعي واحدة من أصعب المهن وأكثرها حساسية؛ فهي تتطلب مُواصفات شخصية ونفسية معينة؛ فالأطباء الشرعيون يتعاملون في غالب الأحيان مع الجثث وحالات الوفاة سواء الطبيعية أو الناتجة عن حوادث شخصية أو حتى كوارث طبيعية؛ مما يجعل الكثيرَ من طلاب كلية الطب يحجمون عن الالتحاق بهذا التخصص، ويُفضِّلون التخصصات المعتادة برغم اعترافهم بمدى أهميته.

ويضيف: كلما كُنت أسمع أنَّ الطب الشرعي علم مُعقَّد وواسع ومتشعب الفروع والمجالات، كان إصراري وتصميمي يزيد للمضي قدما؛ فمنذ بداية ابتعاثي لدراسة الطب الشرعي كنت شغوفا بهذا التخصص، وأطمح للعودة إلى الوطن والعمل على تطوير المهنة لتكون السلطنة ضمن مُقدِّمة الدول في هذا المجال. ولله الحمد، نجحتُ وبتفوق وحصلت على درجة امتياز في شهادة الاختصاص العالي في الطب الشرعي، والفضل يعود بعد الله تعالى إلى شرطة عُمان السلطانية التي ساندتني وتابعت دراستي أولا بأول.

ويتطلَّع الحبسي على المستوى العام إلى أن يُقدِّم الطب الشرعي خدماته بجودة عالية، من خلال تسهيل البعثات والدورات التدريبية المستمرة للأطباء الشرعيين العمانيين؛ تمهيدا لافتتاح أقسام للطب الشرعي في المحافظات البعيدة؛ وذلك لتكوين قاعدة متينة للطب الشرعي في سلطنة عمان. أما على المستوى الشخصي، فهو يتطلع لإكمال دراسة الطب الشرعي في تخصص فرعي وهو (Forensic Ballistics) المقذوفات النارية، والذي يُناقش الإصابات النارية على جسم الإنسان. وأتمنى أن نستضيف أول مؤتمر للطب الشرعي في السلطنة، يستقطب الأطباء الشرعيين من مختلف أنحاء العالم لتبادل الخبرات العلمية والعملية لمعرفة كل ما هو جديد في هذا المجال.

واختتم النقيب طبيب جمال بن بدر الحبسي بالقول: إنَّ ما نلمسه اليوم من تطور كبير في تقديم الخدمات في كافة القطاعات بشرطة عمان السلطانية؛ ومنها: التطوُّر الملحوظ في الخدمات الصحية بالإدارة العامة للخدمات الطبية، ومن بينها الطب الشرعي الذي يقدم المساعدة الفنية للنظام القضائي والأمني من خلال تقديم الخبرة الطبية الشرعية في حالات الوفاة المشتبه بها، وحالات فحص الأحياء في الاعتداءات المتنوعة، ما هو إلا انعكاس طبيعي للجهود المبذولة من القيادة العامة للشرطة سعيا للتطوير والتحديث في شتى المجالات التي تخدم الصالح العام.

تعليق عبر الفيس بوك