الاقتصاد العماني.. العصا والجزرة (1 -4)

 

 

 

حمود الطوقي

 

 

بات الاقتصاد العماني، بعد مرور سنتين على اندلاع الأزمة النفطية، يثير العديد من الأسئلة، بعضها يطفو على السطح، وبعضها غائر؛ وتلك الأسئلة هي الشغل الشاغل الذي ينعكس على الأداء الاقتصادي المحلي؛ من واقع الشركات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، العاملة في القطاع الخاص، بموازاة الجانب الحكومي..

في هذه الرباعيّة التي سنستهلها في هذا العمود اليوم، سنحاول فيها مناقشة العديد من الأفكار ذات الصلة بالمنظومة الاقتصادية العمانية، وانعكاسها على الأداء من ناحية، وعلى المشتغلين من ناحية أخرى؛ مع رغبتنا في فتح قنوات للتفكير وإعادة تشريح الوضع القائم، في ظل انعكاسات تتفاقم في صمت على الشركات كافة في مختلف زوايا العمل التجاري والاقتصادي والصناعي.

ويبدو أنّ الشهية بدأت تنفتح على معارض التوظيف، التي بدأت في جامعة السلطان قابوس في الأسبوع الجاري، وسيعقبها معرض آخر في محافظة الظاهرة في ولاية ضنك، جميل هذا الحراك في سد العجز التوظيفي للعمانيين الباحثين عن العمل، والذين تتفاوت في تقديرهم وحسب الإحصائيات الهيئة العامة لسجل القوى العاملة تمّ تقديرهم بما يقرب من 50 ألف باحث عن العمل، مع التعديلات التي أضافتها واعتمدتها وزارة القوى العاملة بالموظفين المؤقتين في الأعمال ريثما يحصلون على وظائف تتناسب مع اختصاصاتهم..

هذه التصرّفات من الجانب الحكومي مقدرة بلا شك، وتدعم حق المواطن في الحصول على وظيفة من أجل عيش كريم، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل راجعت الحكومة واقع الشركات الحالية في القطاع الخاص، والمشاكل التي تمر بها، وأوجدت لها الحلول، لتستأنفها بمعارض التوظيف؟ حسب ما يتداول أنّ العديد من الشركات الكبيرة وشركات نفطية سرحت العديد من الموظفين سواء من المواطنين أو حتى الوافدين.

حتى لحظة هذا المقال ليست هناك إفصاحات حول واقع الأداء في شركات القطاع الخاص، كما أنّ الأرقام والإحصائيات الحقيقية للمتضررين من جراء الأزمة المالية غير معلنة، في الوقت الذي وقفت فيه كثير من الشركات في مجالات عمل كثيرة عاجزة عن دفع رواتب موظفيها!

إذن، وفي ظل هذا الوضع، من أين أتت هذه الشركات لتحل معضلة التوظيف؟ وهل ستستطيع فعلا التعامل مع واقع ركود الاقتصاد العماني بطريقة تضمن فيها انسيابية الدخل والقدرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه موظفيها؟ أم هي رغبة في تسجيل أرقام عقود عمل لتخفيف سخط عام حول تراجع التوظيف في القطاع الخاص؟

هناك العديد من الأسئلة الكثيرة العالقة في حنجرة الأحداث وليس لها إجابات، ولكن الواقع يقول إنّ شركات القطاع الخاص، بما فيها الشركات الكبرى التي تتعامل مع المناقصات الحكومية، تمر بأزمات تحصيل، فكيف الحال مع الشركات المتوسطة التي بالكاد تستطيع أن تفي بالتزاماتها، في حين أنّ الشركات الصغيرة تقوم بإغلاق أبوابها بسبب الانكماش الاقتصادي...؟

ليس من الواجب علينا الهروب من السؤال بغرض محاولة تشخيص الوضع الاقتصادي العماني الراهن، فمعالجة المشاكل القائمة مهم جدا، ذلك أنّ الأضرار لن تستثني أحدًا، لا مواطنا ولا وافدًا، الكل منطحن في دوامة عدم قدرة الشركات على الوفاء بالتزاماتها، والإحلال بغرض توفير الوظيفة سيوقع الوافد في مأزق لا يحسد عليه، في حين أنّ الموظف العماني الجديد سينضم إلى المعاناة مع شقيقه الأسبق في بيئة العمل ذاتها...!

ما الحل إذن؟

نعتقد أنّ الحل - في الوضع المؤلم الذي تعاني منه شركات القطاع الخاص - هو الوقوف على ما تمر به فعليا، وإيجاد حلول بديلة، والسعي لحماية القطاع الخاص، بموجب أنه أحد روافد الاقتصاد المحلي، وإلا فإنّ الغرق في بركة الإغلاق للشركات سيكون مصير العشرات من الشركات العمانية، التي كانت تبحث عن مجال للمنافسة، فصارت - بسبب الأزمة - في مهب ريح عاتية..

رفقا بالجناح الاقتصادي الثاني الذي يسند الاقتصاد الوطني.. فما نحتاجه حقا في هذه المرحلة تبني أفكار غير تقليدية قد ترفد الاقتصاد الوطني، وتجنبنا الاستمرار في الانكماش الذي إذا تفاقم لسنوات قادمة سيحدث لاقتصادنا ما لا يُحمد عقباه.