"الريمونتادا" .. المُعّطيات والعوامل

 

 

حسين بن علي الغافري

مُباراة كبيرة وتاريخية عاشتها الجماهير الكروية ليلة الأربعاء بفوز برشلونة الإسباني على باريس سان جيرمان الفرنسي بستة أهداف لهدف ضمن مُنافسات دور ربع النهائي لدوري أبطال أوروبا. مُباراة تاريخية تستحق أن نقف خلف تفاصيلها ونقرأ حيثياتها. برشلونة ضمن تأهله وحجز مقعده ضمن الثمانية الكبار للموسم الحادي عشر على التوالي؛ وهو بحد ذاته بُرهان قوة مجموعة واستقرار مرحلة حافلة بالعطاء يعيشها النادي الكتلوني منذ فترة. الصدمة بالنسبة لباريس سان جيرمان مُوجعة وحدثت بعد نتيجة الذهاب العملاقة التي هزّتْ برشلونة وطرحت تساؤلات واسعة حول انتهاء حقبة الإمتاع الكروي الذي لازم ميسي وزملاءه، وضمن لهم ألقاباً عديدة في منذ منتصف العقد الأول للقرن الحادي والعشرين إلى يومنا هذا. عموماً المُباراة بكل دقائقها وثوانيها كانت ملحمة مُثيرة تميّزت بالندية وأعّقبتها التحليلات والنقاشات، وأسهبت الأقلام في الكتابة عنها وعن تداعياتها وآثارها.

عوامل عديدة ألقت بظلالها على "العودة" أو "الريمونتادا" باللغة الإسبانية، مرتبطة ارتباطا وثيقا بلقاء الذهاب والسقوط الحُر الذي تعرض له برشلونة رفع للباريسيين معنوياتهم إلى عنان السماء. وبنظرة فاحصة للقاء الذهاب يُمكن القول فيه بأنَّ النادي الباريسي "أكل" برشلونة وانتصر عليه انتصارا مثاليا وضع قدماً وأكثر من نصف القدم في دور ثمن النهائي بشكل واضح. برشلونة وقتها كان غائباً أو بالأحرى "مُغيّباً" طيلة التسعين دقيقة بدون ردة فعل حقيقية أو قدرة على مجاراة نسق اللعب الذي دخل عليه زملاء كافاني. باريس امتلك الملعب وسيّطر على مفاتيح اللعب الكتلونية بشكلٍ تام حقق من خلاله "ذهاباً" المطلوب وزيادة.

العامل الثاني، يمكن احتسابه من "كيفية السقوط" الذي تعرّض له الفريق الكتلوني والذي خلق ضجة واسعة وقسوة مؤثرة في حق كل اللاعبين؛ وتصدرت العناوين الصحفية النتيجة بشيء من الاستهزاء والسخرية أو المُبالغة. النتيجة الكبيرة من وجهة نظري ساهمت في توحيد المجموعة بشكل غير مسبوق وشحذت الهمم، ورد الاعتبار أصبح لزاماً وتزامن مع الدعم الجماهيري الذي لقيه برشلونة في لقاءات الدوري بعد "السقوط" وقبل لقاء "الإسقاط". الأمر الثالث، ضلع الماكينة الإعلامية الذي روّج للريمونتادا وذّكر بأهمية لعب مباراة للتاريخ وأستشهد بتاريخ لقاءات العودة. وأعتقد بأن اتحاد الإعلاميين ووقوفهم الحقيقي كان العامل الفاعل في المباراة وهو ما أوجد تحفيزا جماهيريا واسعا، وزاد إيمان اللاعبين بقدرتهم على خلق "المعجزة".

العوامل الثلاثة التي ذكرناها كانت في كفة، وثقة لاعبي باريس سان جيرمان وزيادة جرعات الاستهتار كانت العامل الرابع لخسارتهم. باريس سان جيرمان ظهر بمظهر الواثق قبل اللقاء والمهزوز خلال اللقاء. والمتابع لشكل النادي الباريسي والأسماء التي يملكها يدرك أنّه فريق يمتاز بالإجادة في الهجوم ومميز في إدارة المباراة بتوازن؛ أما الارتكاز إلى الدفاع فخطة تحتاج إلى تكتيك عالٍ يصعب على الأسماء التي يمتلكها الباريسيين تطبيقه، ولا يمكن مقارنة نجاحها في مواجهة برشلونة وإنتر الإيطالي عام 2010 أو برشلونة وتشيلسي الإنجليزي عام 2012م. الأسماء تختلف وفكرة التطبيق تختلف. ختاماً، يبقى العامل الخامس من عوامل المباراة الكبيرة هو المدرب الإسباني إنريكي الذي قرأ المنافس ولعب بخطة فيها من المُغامرة الكثير. برشلونة "خنق" باريس في نصف ملعب وبثلاثة لاعبين في الدفاع. ومن وجهة نظري أنّ الخطة تلاءمت مع ظروف المباراة، وقراءة المدرب كانت موفقة كثيراً وهو شكل تنظيمي لا يقبل القسمة على اثنين في هكذا ظروف فإما أن يحقق المطلوب – وهو ما تحقق- أو تكرار السقوط ثانيةً بشكل مماثل؛ لما يخلقه التشكيل من فجوات دفاعية واضحة.

.. وبشكل عام المباراة تستخلص جمالية كُرة القدم ومتعتها وإثارتها. وبها من الدروس المستفادة الشيء الكثير الذي يمكن للاعبينا والنشء تعلمه مما حدث من خلالها، فكُرة القدم دروس وعبر وأكبر درس ينبغي تعلمه هو البذل والعطاء والثقة بالقدرات ولعب المُباراة حتى الثانية الأخيرة.