رسالة إلى المسؤول (1)

 

سلطان بن خميس الخروصي

 

(1)

"افتتاح طريق بركاء - الحزم" خبرٌ أشاع ارتياحاً كبيراً في الوسط العُماني؛ حيث يُشكِّل هذا الطريق المُمتد على طول خمسة وأربعين كيلومتراً أحد الأرصدة المُذهَّبة والمُتراكمة في سجل إنجازات وزارة النَّقل والاتِّصالات؛ حيث شهدت البلاد نقلة نوعية في مسارات المواصلات والرؤى والإستراتيجيات النَّوعية والتي تشهد قولاً وفِعلاً مُنجزاً ضمن خُططٍ زمنية بيّنة بعيداً عن فلَكية المواعيد الهُلامية التي طالما استنزفت خزينة الدولة وأرهقت قلوب المُنتظرين لعشرات المشاريع التي – من المُفترض- أن تخدم المُستفيدين، ولكن وبمعيّة مَعَالي الدكتور وزير النقل والاتصالات احتضنت عُمان جُملةً من جسور وطُرق الدَّولة العصّرية والتي تتحدث بلُغة التنمية الوطنية، فشُكراً معالي الوزير، ونترقّب منكم الكثير لخِدمة عُمان بعيداً عن زِحام الخناجِر، ودَفدفتِ البشوت، ومعسول الكلام – كحال بعض السادة المسؤولين-.

(2)

في موقف سابقٍ اصطحبت أحد فتيان هذا البلد الأغرّ ليكون ضمن الأيدي الكادحة لخِدمة البلاد والعباد بما تجود به بنات عقله، وبأس يديه، وبِكارة فكره، وجودة عمله، فــ(صاحبنا) حاصل على البكالوريوس من الكلية التَّقنية بتخصص "الموارد البشرية" وحاصل على تقدير "جيد جداً" لعام 2015، وحينما أغلقت أمامه أبواب الحكومة - والتي تشهد شُحّاً في قطاع التوظيف- لجأ للقطاع الخاص لعلّه يجدُ ضالته فيه، تقدمنا إلى إحدى دوائر التشغيل بوزارة القوى العاملة، وجاء رد الموظف قائلاً: "يا عزيزي طلبك رقمه سبعة، وتوظيفك صعبٌ جداً؛ لأنَّ الشركات لا ترغب بشهادات البكالوريوس بسبب أنَّ الراتب يجب ألا يقل عن ستمائة ريالٍ وفي ذلك خسارة لها، لكنني سآخذ أوراقك وبنسبة سبعين بالمائة لا تنتظر مني جواباً، ثم إنّي أنصحك بالذهاب إلى الشركة (س) فهي بحاجةٍ ماسّة إلى موظفين عُمانيين بشهادتك، ويبدو أنّك أخذت دورة معهم لمدة 5 أشهر فتوكل- وبتترتب أمورك-".

يمّمنا وجهنا شطر تلك الشركة بعد ذهابٍ ورواحٍ بحثاً عنها، دخلنا مع المُدير وقدَّمنا له ما قاله لنا المسؤول الحكومي وأشرنا له بوصايته علينا، فجاء الجواب كالتالي: "يا صديقي عندك شهادة بكالوريوس وهذه أكبر (أزمة)!؛ فاللوائح لا تقبل براتب أقل من ستمائة ريال والشركة ليس لديها استعداد أن تخسر هذا المبلغ، حيث يمكنها أن تُغطَّي هذه الوظيفة بشخص لديه دبلوم عام عن طريق الدورات والمُمارسات وبدون شهادة، لكن يُمكننا أن نتجاوز (أزمة) شهادتك عبر توظيفك بعقدٍ وديّ دون التسجيل في موقع الوزارة وبراتب 300 ريال"!. صديقنا الشاب قال له أنا راضٍ ولكن وزَّعوني في المنطقة التي أخذت فيها الدورة؛ ففيها نقص كبير، علاوة على أنني سأتجاوز أزمة المصاريف مُقابل المبلغ الزهيد من الراتب لكن جُوابه كان بالرفض!، انصرفنا من مكتب المدير دون فنجان قهوةٍ أو رشفة ماءٍ، وصديقنا الشاب خرج وهو محمّل بأبابيل من الخيبة والانكسار والإحباط ولسان حاله: "حينما لا يملكون لنا وظائف فلماذا يجعلوننا ندرس؟، ثم لماذا لا تُلزم الشركات بتوظيف أصحاب الشهادات؟".

قبل التَّعليق على المشهد أودّ الإشارة إلى أنَّ المسؤول الحكومي قال لنا في نهاية حديثه: "لماذا لا تذهب إلى وزارة القوى العاملة وتعطيها الشهادة وتقول لها هذه من كليتكم فوظفوني"!.

معالي وزير القوى العاملة نحن بحاجة إلى مراجعة قانون العمل فعليه الكثير من المُلاحظات، وبه جُملة من الثغرات التي تتصيّد فيها مؤسسات القطاع الخاص على حساب هذا الوطن؛ فذلك لا يُنبئ بمُستقبلٍ جيد؛ حيث إنَّ هذه التصرفات تزيد من حالة الاستياء وتخلق بيئة سلبية للغاية لدى الشباب، فحريٌّ بمعاليكم التفتيش بين أروقة القانون وواقع تطبيقه.

(3)

كثيرة هي شهادات الدراسات العليا التي تزداد تكدّساً في خزينة وزارة التربية والتعليم، يقدم الباحثون جُملة من واقع التعليم عبر نوافذ مُتباينة منها ما يتصل بالمناهج أو طرق التدريس أو صناعة البرامج أو بناء فلسفة تربوية وطنية، والسؤال الأبرز من ذلك ما هو نتاج ذلك الواقع؟، من المؤسف جداً أن تجد المركزية لفئة من يتسمّون بالباحثين لا تلامس واقع البحث التربوي، فكم من باحثٍ مُنجِزٍ ومُنتج يُركن في الميدان التدريسي إما لإطفاء شمعة المهارات البحثية ونوعية ما ينتقيه أو إهمال له من قبل المسؤولين والمُتقصّدين، فنحن بحاجة إلى بناء جسر إسقاطٍ نوعي للموقف التعليمي وإنتاج مُستمرٍ لأصالة البحث وقراءة مؤشراته بواقع حقيقي، فلكِ معالي الوزيرة تقييم واقع البحث التربوي عبر القلوب النابضة الصادقة التي تنتقل بين أوردة جسد التعليم بعيداً عن المُجاملات.

يتبع ،،،

sultankamis@gmail.com