وانفض سامر العشَّاق

 

 

 

 

سارة البريكيَّة

 

حينما يكُوْن للجمال للغة، فإنَّ مُقتنيات هذا الجمال في أحيان عدة تبرز في التاريخ والحضارة والبيئة الحاضنة للإبداع، وتتجسَّد كهوية في كل ناحية ومكان وزمان وحضارة، وتتمثل في جوانب مختلفة نلمسها في التشكل العمراني والمجد الوطني والتكوين المجتمعي والأصالة، وتلك المنهجية والربوع الجمالية التي تتناول النظر إلى الحياة بخصوصيات مُتنوعة، ووسائل التجديد والخطابة والحداثة وفهم الآخر والوعي بالكثير من القضايا، والإلمام بالعلوم والتأملات والخواطر والحب والذات، نجدها أيضا حاضرة في كل تفاصيل ومنجزات وصروح تشيد هنا وهناك، كما هي الحال في سلطنتنا الحبيبة.

ولعلَّ حالات الجمال المكاني نبصرها تتسم بكل ألوان الطيف المبهر في كل الزوايا والأركان، وننظرها تتجسَّد آيات في الروعة والجمال، مستحقة بذلك الإشادة لما أوجد فيها الإنسان من فنون إبداعية أجادها بكل حرفية ومهنية وبراعة، ولما أتقن فيها من جمال الصنعة حاكها بمهارة.

هنا.. حينما يكون الجمال ساحرا للعيون، وخالبا للألباب، ومتجسدا صورا حية ملموسة في فلسفة العمارة وهندسة البناء والتطور، ومشاهد ذلك بصريا على أنه منسجم في التصميم والرسم والنقش ورقي الزخرفة والالوان، فإنَّ ذلك حتما سيكون باعثا في النفس ارتياحا يولد لديك قدرة على استحضار الأوضاع الفكرية الجيدة، وذاهبا عنك التعب النفسي والبدني المنبثق في داخلك من ممارسات الحياة العامة.

لربما تتفقون معي بأنه لا شيء أصعب على الإنسان من مشاعر حزن تغمره بعد انتهاء حدث معين كان حراك مجتمع في بوتقة واحدة وفي زمن واحد، وأن هذا الحدث قد رآه المجتمع بأنه عالم مليء بأدوات كسب العلم والمعرفة، وأجمع من فيه وعليه على حبه، لأنه -أي الحدث- كان مشهدا أفسح لهم بمميزاته ومحتوياته ورمزيته عمَّا كان يسكنهم من عشق وحب له.

هنا.. لا نستغرب أنه ورغم المسافات والفواصل الزمنية محبوه وعشاقه جاؤوه، ومن أجله تجشموا مشقة الطريق والبعد وعناء السفر وأتوه، ورغم تباعد المناطق الجغرافية لسكناهم وإقامتهم حضروا لأجله وما خذلوه، فنعما بهم من أناس بانت محبتهم له، وأكرم بهم من شعب وضع عشقه وهيامه فيه، ضاربين بذلك أروع الأمثلة على أنهم شعب مُتعطش للثقافة وللقراءة، وجُبلوا على حُب العلم والمعرفة والتميُّز والإجادة، كيف لا وهم ساسة العلم وصناع تاريخ ومنجز وحضارات ومعارف.

إنَّ أهل عُمان حينما يمَّموا شطره، ودلفوا بشغفهم صوبه حيثما موقعه الجديد الذي تجدد بهم، راغبين في الاستزادة مما ضمه وحواه، وساعين في النهل من معين ما وجد فيه بوصفه منبرا للتبادل الثقافي ومحطة تُسهم في صناعة الحاضر والمستقبل، كان هو بفضائه الثقافي الأرحب والأوسع، وبمساحاته الشاسعة وتصميمه المحكم، مرحب بهم ومحتويهم، فترى في محياه انفراجات السرائر، وتسمع في جنباته بوح الأماسي وهمسات الشعر وعذب القصائد والوله والوجدانيات والوطنيات، وكل جلسات الرفعة والمنعة وحلقات العلم يقاسمك فيها الجار والناظر، وفي مكان آخر منه ترى تناغما لمجالات وفعاليات مختلفة، ونتاج آخر أوغر الصدور علما وفهما، وأضْحَى مؤثرا في الضمائر.

واذا ما أتينا لبنيته وشكله، فإننا سنجد فيه وقارَ المعرفة، ونتاجًا لفكر إنساني متميز، وهيبة راعت المنهج النفسي وشاعرية المتلقي والزائر، ولوحة هندسية ذات طابع جميل تناغمت زواياها وردهاتها بشكل أبهر الجميع، فهنيئا لمن صدق الفعل وأجاد التشييد والفكرة، ولعلكم هنا تتساءلون من هو هذا؟ إنه مركز عمان الدولي للمعارض والمؤتمرات الذي حوى معرض الكتاب.

إنَّ ليلة ختام المعرض، وإسدال الستار عليه كانت ليست ككل الليالي، بيد أنَّ ذلك اليوم كان حزينا وكئيبا، وكان مرتادوه ومحبوه يشعرون بمآسي الفقد، ذلك لأنه يسهم في كل دوراته في تحقيق الصحوة الثقافية، وكان الآسف على ختامه وفراقه اعتقاد البعض أنهم لن يتسنى لهم أن يقابلوه في دورته المقبلة في العام المقبل؛ فكانت أفئدة المعرفة والعشق له تود لو طال، وكانت نواقل العلم تتمنَّى لو لم يكن ختامه بعد عشرة أيام وساعات، فهو حتما لم يأتِ إنشاؤه ترفا، إلا أنَّ معرض الكتاب الدولي الـ22 انتهى وودعوه.

ثمَّة قصة جميلة عِشْنَاها في هذا الحدث الاستثنائي، وحينما يودع المجتمعون بعضهم في دار ضمتهم لأيام، فإنهم لا شك سيشعرون بوجع خفي، وبألم داخلي يهز المشاعر والأحاسيس والوجدان؛ فمعرض مسقط الدولي للكتاب في دورته التي انقضت يوم السبت، شهد ولادة نصوص أدبية وكتب علمية في مختلف التخصصات والمجالات، واتسعت رقعته بمصادر ووسائط تفاعلية متعددة؛ فكانت الصورة والرسم والتشكيل والبرامج المعلوماتية حاضرة في أمكنته، وتيقن المعرض نفسه من أنَّ له عشاقًا ومحبين، وأن علاقة القراء به هي علاقة متجذرة مترسخة، علاقة منفتحتة قائمة على أسس التفاعل والترابط والوعي بأهمية الكتاب والقراءة، وأنها السبيل الوحيد في تطور الشعوب وتحضر الأمم؛ فذاك الوميض والإشعاع الابداعي والمعرفي خفت، وأسدل ستاره وأغلقت أبوابه؛ فكان الوداع ليس أشبه بالافتتاح.

إنَّ معرض مسقط الدولي للكتاب الذي فارقناه على أمل أن نلاقيه في الدورة القادمة إن كان في العمر بقية، وُظِّفت فيه معطيات عدة، تفاعل من خلالها محبو الكتاب والباحثون عن المعلومة من داخل البلاد وخارجها، واشتغل الجميع طيلة أيامه الذي اتكأت عليه العديد من دور النشر والإعلان والدعاية والإعلام، على جعل تلك التظاهرة مفيدة وناجحة بكل المقاييس، فانضمام المركز إلى ما سبقه من صروح ثقافية في السلطنة يعتبر خطوة مهمة قامت بها حكومتنا الرشيدة، وقد شاهدنا حجم الجهود المبذولة التي قامت بها اللجنة الرئيسية للمعرض، وعلى رأسها معالي الدكتور عبدالمنعم الحسني وزير الإعلام، فشكرا لمعاليه على ما قام به جهود جبارة، إذ كان نِعْم الرجل الذي لم يألُ جهدا في التواجد المستمر بالمعرض طوال إقامته، ومتابعة كل صغيرة وكبيرة فيه، هو وسعادة علي الجابري وكيل الوزارة.

وفي الختام.. شكرا للجميع وللطاقم الذي كان معهم في اللجنة الرئيسية، والشكر موصول لولاية صحار ضيفة شرف المعرض لهذا العام، فقد كانت أنموذجا رائعًا ومشاركتها كانت فعالة وناجحة، فشكرا لسعادة محافظ شمال الباطنة، وسعادة الشيخ والي صحار، ومعرض الكتاب انتهى، إلا أنَّ الكتاب لم ينتهِ وسيظل موجودًا إلى أن يشاء الله في كل مكان. وكل منا عاد وسيعود إلى بلده ومكانه، وفي تقديري أنَّ الجميع سيعود حاملا معه انطباعات جيدة عن المعرض، متمنية التوفيق لهم.

Sara_albreiki@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك