إدانة أمميَّة تكشف المستور

 

 

كشفتْ اتهاماتُ الأمم المتحدة لطرفي النزاع في سوريا بارتكاب "جرائم حرب"، المستورَ في هذه المعركةِ الدائرةِ رَحَاهَا مُنذ سنوات ست؛ إذ لَمْ تَسْلَم القوات الرسمية النظامية، وكذلك فصائل المعارضة المسلحة -بكافة أطيافها وتفريعاتها العديدة- من الوقوع في هذه الجريمة الشنيعة، والتي تعكسُ مَدَى بشاعة هذه الحرب الأهلية التي ما تلبث أنْ يتصاعد أتونها كلما سنحت الفرصة لهدنة أو مفاوضات سلام.

الحربُ الأهلية في سوريا -ورغم أنَّها سلسلة من الحروب بالوكالة بين أنظمة إقليمية وأخرى من أقاصي شمال العالم- شهدتْ الكثيرَ من الانتهاكات -وهي كلمة مُحايدة بحق ما يدور على الأرض هناك- التي نالت من شأن المواطن السوري، وفتحت الباب أمام مصاصي دماء جدد عطشى لقص الرقاب، ومتربصون بكل مخالف لهم، سواء في العقيدة أو الانتماء السياسي، فشهدنا في سوريا القتل على الهُوية والمذهب والانتماء الجغرافي.. إنَّها حربٌ مُستعرة، أطرافها أصابهم جنون القتال ووحشية الهجوم، فضلا عن عمليات الهدم والتخريب التي طالت مدنا أثرية ظلت شامخة على مدى قرون خلت، فلم يطلها معول الهدم إلا على أيدي نفر زعموا بالباطل أنهم مؤسسو "دولة".

الاتهام الأممي كشف المستور عن حقيقة الأوضاع في سوريا؛ فالجميع تلوثت يداه بالدم السوري الطاهر، تخضَّبت ملابسهم العسكرية وشبه العسكرية باللون الأحمر القاني الذي نزف من قلوب وأجساد المدنيين السوريين، النظام بعدته وعتاده العسكري على الأرض وفي السماء أراقوا الدم السوري تحت زعم محاربة الإرهاب، والمعارضة التي حملت السلاح واستقطبت أصحاب التطرُّف العنيف من أنحاء العالم هي الأخرى تسبَّبت في مقتل الأبرياء، حتى إنَّ تقارير اتهمتهم صراحة باستخدام المدنيين دروعا بشرية ضد القصف الجوي.

الأمرُ لم يتوقَّف عند الدماء التي شكَّلت بِرَكاً في مختلف البقاع، بل أيضا في تدمير المشافي والمصحَّات، واستهداف عُمَّال الإغاثة والدفاع المدني والقوافل الإنسانية، حتى إنَّ التقريرَ الأمميَّ قال إنَّ مَلاجِئ أيتام ومدارس ومنازل "محيت معالمها".

الحربُ في سوريا لن تضع أوزارها إلا بعدما تتوقف التدخلات الإقليمية والدولية في هذه البقعة الغالية من الوطن العربي، وبعد قطع خطوط الإمداد الخارجية من أموال وأسلحة وعتاد تتكلف مليارات الدولارات. لن تصل الأطراف المتنازعة في سوريا إلى حلٍّ شامل وعادل، إلا بعدما تخرس أبواق الفتنة من وسائل إعلامية وشخصيات "فاعلة" في الأزمة السورية.

تعليق عبر الفيس بوك