بالهِمم تنهض الأمم

 

عبدالله العجمي

 

تمحورت أغلب مبادرات الجهود الإصلاحية في عالمينا العربي والإسلامي المعاصر بين مرتكزين أساسيين إمّا البحث عن طريق جديد وغير تقليدي للتغيير أو محاولة تسليط الضوء على مسببات التراجع أو فلنقل المعوّقات التي أدت لهذه الانتكاسة.. وكلا الركيزتين مكملتين لبعضهما، وذلك لأهمية معرفة العلّة والسبب لنستطيع أن نقلع مجدّدًا إلى آفاق جديدة تعتلي السلّم الصاعد للحضارة بخطى واثقة منبثقة عن استراتيجية مُتقنة..

ويجمع الكثير من الباحثين على حتمية التغيير عاجلاً أم آجلاً.. لذلك قام الكثير منهم بمحاولات حثيثة وجريئة للتحليل النقدي وخلُصوا إلى أن أسباب الانهيار في أي حضارة تعود إلى تبادل الأدوار في عملية الإنتاج الفكري والمعرفي كأن تتخلى الفئة الغنية والداعمة عن دعم الأقلية الكادحة والمسيطرة على الحياة العامة.. إضافة إلى الانسلاخ من القيم الإنسانية وعدم تفعيل التعاليم التي جاء بها الإسلام في سلوكنا وتعاملاتنا الحياتيّة..

وقد رجّح الكثير من هؤلاء الباحثين أن من أهم الأسباب أيضاً هو الخوف من قبل الغرب من سيطرة التعاليم القرآنية في نفوس المسلمين فلذلك لجأ ذلك الغرب إلى التموضع في خانة الاستعمار للبلدان العربية والإسلامية وبدأوا باستهداف تلك القيم بمحاولات حثيثة لتوجيه البوصلة إلى قيم وأسس جديدة لاستبدالها تدريجياً، فنلاحظ أن الاستعمار قد كرّس جهوده في سد كل الطرق على المسلمين لمنعهم من محاولة العودة إلى نادي الكبار.. وكانت آخر فصولها التي عاصرناها هي محاولة منع إيران من الحصول على التكنولوجيا النووية.

ترنو جميع النفوس في عالمنا الإسلامي وتتطلع إلى النهضة الفكرية والحضارية مجدداً، لكن لوجود هذا البون الشاسع بين قيم الإسلام وواقع المسلمين فقد مرّت تلك القيم بتغييرات قسرية لم تجد من يقاومها رغم كونها لا تتماشى مع طبيعة المجتمع المسلم.. فانبهار البعض بحضارة الغرب لدرجة أنسته أن منبع تلك الحضارات وأساسها قد خرج من بين أصابع علماء المسلمين.. وقد أخذ البعض الآخر بنقل بعض السلوكيات المنافية لتعاليم الإسلام دون وعي منهم أن لكل حضارة أساليبها وأدواتها..

الغريب في الأمر أن أغلب الأبحاث والدراسات النقدية تمحورت على مبدأ قرآني غفل عنه المسلمون وذهبوا عنه بعيداً جداً ألا وهو إصلاح الذات.. فلكي نستطيع أن نبني حضارة قوية معتمدة على أسس متينة يتوجب أولا تغيير الفرد لنفسه لينعكس ذلك على واقع المجتمع بأكمله.. وقد أثبتها القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿إِنّ اللَّه لا يُغيّر ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفُسهم﴾.

لذلك فإنّ أيّة حضارة لكي تزدهر فإنّ عليها أن تهتم بالفرد كفرد.. لينعكس ذلك على باقي المجالات بدءاً من التعليم الذي يجب أن يُبنى على مبدأ الاحتياجات؛ لا ذلك التعليم المعلّب والمستورد لنا من حضارات لا تريد بنا خيراً.. فالمجتمعات الإسلامية تحتاج إلى منهج تعليمي يؤدي إلى استنهاض العقل والذات بدل تعجيزهما.. انتهاءً بالحاجة إلى تشريعات أخلاقية تحترم الذات الإنسانية وتحفظ كرامتها..

فلِنستطيع استنهاض هذا الفرد لبناء حضارة لا بد من دراسة عميقة لمعرفة التغييرات المطلوبة في مناهجنا لنستطيع بعدها تغيير ما بالأنفس.. وبالتالي تكثيف الضوء على بعض الأفراد دون غيرهم والذين يحتاجون إلى محاولة لتغيير سلوكياتهم.. والتعامل مع كل فرد حسب اختلاف شخصيته وبيئته وقدراته وإبداعاته ليصبح فردا مُنتجا.. فالفرد وإن كان يحتاج إلى تعلّم عقيدته وتعاليم دينه فإنه أحوج ما يكون إلى فاعلية هذا التعليم وانعكاساته على سلوكياته في حياته اليومية وتعاملاته مع بقية أفراد مجتمعه..

إذاً فالمشكلة ليست مشكلة الإسلام كدين، بل هي مشكلة الفرد.. فالإسلام قد أسهم بشكل كبير وواضح في استنهاض باقي الأمم وتحريرها من قيود الظلام وارتقى بالانسانية من براثن الانحرافات السلوكية.

وإن سردنا لهكذا حقائق تاريخية ليست مجرد تفاخر بقدر ما هو تبيان لهذه الحقائق لاستخدامها وسائلها من قبل حكماء الأمة ومفكّريها وقادتها سعياً إلى توظيفها لاستنهاض الأفراد..

إن استنهاض الهمم لهو من أعظم المهمات التي يمكن أن نقوم بها في زمننا هذا.. فبالهمم تنهض الأمم.